مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب ما جاء في المتأولين

          ░9▒ باب ما جاء في المتأولين
          وقال الليث: حدثني يونس، عن ابن شهاب.. إلى آخره أسنده في فضائل القرآن، فقال: ثنا سعيد بن عفير، ثنا الليث، فذكره، وأخرجه في الإشخاص مختصراً من حديث مالك عن ابن شهاب، به.
          ومعنى (لببته بردائه): جررته، يقال: لببت الرجل ولببته: إذا جعلت في عنقه ثوباً أو غيره وجررته، وأخذت بلبب فلان: إذا جمعت عليه ثوبه الذي هو لابسه وقبضت عليه نحره، وفي آخر الحديث: ((إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه)).
          ثم ساق حديث علقمة، عن عبد الله: لما نزلت هذه الآية: {وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ} [الأنعام:82].
          سلف قريباً، وفي التفسير أيضاً، وشيخ (خ) في أحد طريقيه يحيى بن موسى وهو أبو زكريا يحيى بن موسى بن عبد ربه بن سالم الحداني البلخي الكوفي، يقال له: يحيى بن موسى خَتّ، وقيل: خت لقب موسى السختياني، مات سنة أربعين، وقيل: سنة تسع وثلاثين ومائتين، وهو من أفراد (خ). وحديث عتبان بن مالك، سلف في الصلاة.
          وحديث حصين عن فلان قال: تنازع أبو عبد الرحمن وحبان بن عطية؛ أي: بكسر الحاء المهملة ثم باء موحدة ثم ساق حديث روضة خاخ السالف في المغازي.
          قوله: (عن فلان) قال الجياني: هو سعد بن عبيدة السلمي، وهو ختن أبي عبد الرحمن السلمي، يكنى أبا حمزة، كذا سمي في غير موضع من (خ) من حديث علي، ولا خلاف بين العلماء أن كل متأول معذور بتأويله غير مأثوم فيه إذا كان تأويله ذلك سائغاً في لسان العرب، أو كان له وجه في العلم، ألا ترى أنه ◙ لم يعنف عمر في تلبيبه لهشام وعذره في ذلك؛ لصحة مراد عمر واجتهاده.
          وفيه ما كان عليه عمر من الشدة في دين الله، وكان هشام أيضاً قريباً من ذلك، كان عمر بعد ذلك إذا كره أمراً يقول: هذا ما بقيت أنا وهشام بن حكيم.
          وكذا حديث ابن مسعود، وأنه ◙ عذر أصحابه في تأويلهم الظلم في الآية بغير الشـ[ر]ك لجوازه في التأويل.
          وكذا حديث ابن الدخيشن فإنهم استدلوا على نفاقه بصحبته للمنافقين ونصيحته لهم، فبين لهم الشارع صدقه ولم يعنفهم في تأويلهم.
          وكذا حديث حاطب: عذره في تأويله وسلف معنى هذا الحديث في الجهاد في باب: الجاسوس.
          وقول أبي عبد الرحمن: لقد علمت ما الذي جرأ صاحبك على الدماء. يعني: عليًّا فإنه أراد قوله ◙ لأهل بدر: ((اعملوا ما شئتم)) فكأنه أنس بهذا القول فاجترأ بذلك على الدماء، ولا يجوز أن يظن بعلي ذلك دون الاعتماد على تأويل صحيح واجتهاد راجح، وإن كان قوله ◙: ((لعل الله اطلع على أهل بدر)) دليل ليس بحتم، ولكنه على أغلب الأحوال.
          وقد اعترض بعض أهل البدع بهذا الحديث على قصة مسطح حين جلد في قذف عائشة، وكان بدريًّا وقالوا: كان ينبغي أن لا يحد لحاطب، والجواب أن المراد: غفر لهم عقاب الآخرة دون الدنيا، / وقد قام الإجماع على أن كل من ركب من أهل بدر ذنباً بينه وبين الله فيه حد، أو بينه وبين الخلق من القذف أو الجراح أو القتل فإن عليه فيه الحد والقصاص، وليس يدل عقوبة العاصي في الدنيا وإقامة الحدود عليه على أنه معاقب في الآخرة؛ لقوله ◙ في ماعز والغامدية: ((لقد تابا توبة لو قسمت على أهل الأرض لوسعتهم)) لأن موضع الحدود أنها للردع والزجر وحقن الدماء وحفظ الحريم [و]صيانة الأموال، وليس في عقاب النار شيء من ذلك، ولو أسقط الله. عقاب الدارين لكان جائزاً فغفر لحاطب هفوته في الدنيا أو رأى في ذلك مصلحة لما غفر له عقاب الآخرة، وقد يجعل الله لنبيه إسقاط بعض الحدود إذا رأى مصلحة.
          وذكر الطبري أن في قوله: ((اعملوا ما شئتم)) فيه: دلالة بينة على خطأ ما قالته الخوارج والمعتزلة؛ لأنه لا يجوز في العدل والحكمة الصلح لأهل الكبائر من المسلمين عن كبائرهم؛ لأنه لم يكن مستنكراً عند الشارع في عدل الله أن يصفح عن بعض من سبقت له من الطاعة سابقة، وسلفت له من الأعمال الصالحة سالفة عن جميع أعماله السيئة التي تحدث منه بعدها صغائر وكبائر فيتفضل بالعفو عنها إكراماً له لما كان سلف منه قبل ذلك من الطاعة.
          قوله: (خاخ): موضع قريب من مكة، وسلف في الجهاد.
          قوله في قصة مالك بن الدخشن: ((ألا تقولوه أليس يقول: لا إله إلا الله)) كذا في الأصول، وأورده ابن بطال كذلك، ثم قال: هكذا جاءت، والصواب: ((ألا تقولونه)) بإثبات النون، والمعنى: ألا تظنونه يقول ذلك، وقد جاء القول بمعنى الظن كثيراً في اللغة بشرط كونه في المخاطب، وكونه مستقبلاً، أنشد سيبويه لعمر بن أبي ربيعة المخزومي:
أما الرحيل فدون بعد غد                     فمتى تقول الدار تجمعنا
          يعني: فمتى تظن الدار تجمعنا، ويحتمل أن يكون قوله: ((ألا تقولوه)) خطاباً للواحد والجماعة، فإن كان خطابًا للجماعة فلا يجوز حذف النون إذ لا موجب لحذفها، وإن كان خطاباً للواحد وهو أظهر في سياق الحديث، فهو على لغة من يشبع الضمة كما قال الشاعر:
          من حيث ما سلكوا أدنو فأنظور
          وإنما أراد: فأنظر، فأشبع ضمة الظاء فحدثت عنها واو.
          قوله: (فكدت أساوره) تقول العرب: ساورته من قولهم: سار الرجل يسور سوراً: إذا ارتفع. ذكره ابن الأنباري، عن ثعلب، وقد تكون أساوره من البطش؛ لأن السورة: البطش عن صاحب ((العين))، هذا ما في كتاب ابن بطال، وفي كتاب ابن التين: أساوره أي: أواثبه، يقال: إن لغضبه سورة وهو سوار أي: وثاب معربد، وكذلك سار إليه: وثب، فقال: وقيل: هو من قول العرب: سار يسور إذا ارتفع ذكره.
          وقال الداودي: أي أهجم عليه، واشتقاقه من السور من أعلى الحائط ولا ينتظر أن يصل إلى الباب.
          قوله: (كذبت) أي: في ظن عمر، قيل: الخلاف الذي وقع بين عمر وهشام غير معلوم، وقد أسلفنا معنى: ((أنزل القرآن على سبعة أحرف)).
          قال والدي ⌂:
          (باب قول النبي صلعم لا تقوم الساعة).
          قوله: (دعواهما واحدة) يعني: كل واحد منهما يدعي أنه على الحق وصاحبه على الباطل بحسب اجتهادهما ويحتمل أن يراد بهما فرقة علي وفرقة معاوية فهو معجزة لرسول الله صلعم.
          قوله: (وقال الليث) تعليق من (خ)، و(المسور) بكسر الميم وسكون المهملة وفتح الواو (ابن مخرمة) بفتح الميم والراء وإسكان المعجمة بينهما، و(عبد الرحمن بن عبد) ضد الحر القاري بالقاف وخفة الراء منسوباً إلى القارة، و(هشام بن حكيم) بفتح المهملة ابن حزام بكسرها وخفة الزاي.
          و(أساوره) بالمهملة أواثبه وأحمل عليه، و(التلبيب) بالموحدتين جمع الثياب عند الصدر في الخصومة والحر[ب]، و(سبعة أحرف) أي: لغات هي أفصح اللغات وقيل: الحرف الإعراب يقال فلان يقرأ بحرف عاصم أي: بالوجه الذي اختاره من الإعراب وقيل هو / توسعة وتسهيل لم يقصد به الحصر وفي الجملة قالوا هذه القراءات السبعة ليس كل واحد منها واحداً من تلك السبعة بل يحتمل أن تكون كلها واحداً من اللغات السبعة مر مباحث الحديث في كتاب الخصومات.
          قوله: (وكيع) بفتح الواو وبإهمال العين.
          فإن قلت: أين يستفاد من الآية عظمة الظلم؟ قلت: من التنوين مر في كتاب الإيمان.
          قوله: (محمود بن الربيع) بفتح الراء ضد الخريف، و(عتبان) بكسر المهملة على المشهور وإسكان الفوقانية وبالموحدة ابن مالك، و(مالك بن الدخشن) بضم المهملة وتسكين المعجمة الأولى وضم الثانية وبالنون وفي بعضها بلفظ التصغير، و(إلا تقولوه يقول لا إله إلا الله) أي: لا تظنونه يقولها والقول بمعنى الظن كثير أنشد سيبويه:
          أما الرحيل..
          البيت.
          يعني: فمتى تظن الدار تجمعنا، قيل: مقتضى القياس تقولونه بالنون وأجيب بأن هذا جائز تخفيفاً قالوا حذف نون الجمع بلا ناصب وجازم لغة فصيحة، ويحتمل أن يكون خطاباً للواحد والواو إنما حدثت من إشباع الضمة.
          قوله: (لا يوافى) في بعضها: لن يوافى أي: أن يأتي أحد بهذا القول مر الحديث في باب المساجد في البيوت.
          قوله: (حصين) مصغر الحصن بالمهملتين ابن عبد الرحمن السلمي بالضم، و(فلان) قيل: هو سعد بن عبيدة بضم المهملة مصغراً ضد الحرة (أبو حمزة) بالمهملة والزاي، ختن أبي عبد الرحمن عبد الله السلمي، و(حبان) بكسر المهملة وشدة الموحدة وبالنون. قال الغساني: في بعضها حيان بالتحتانية وهو وهم، و(عطية) بفتح المهملة الأولى وكسر الثانية وتشديد التحتانية.
          قوله: (الذي) في بعضها من الذي مر الحديث في الجهاد في باب إذا اضطر الرجل إلى النظر في شعور أهل الذمة وثمة ما الذي ولعل من استعمل مكان ما أو أريد به حاطب أي قضيته.
          فإن قلت: كيف جاز نسبة الجرأة على القتل إلى علي؟ قلت: غرضه أنه لما كان جازماً بأنه من أهل الجنة عرف أنه وقع خطأ فيما اجتهد فيه عفي عنه يوم القيامة قطعاً.
          قوله: (لا أبا لك جوزوا) هذا التركيب مشبهاً له بالمضاف وإلا فالقياس لا أب لك، وهذا إنما يستعمل دعاءه للكلام ولا يراد به حقيقة الدعاء عليه.
          قوله: يعني كلام علي ☺ وأبو مرثد بفتح الميم والمهملة وتسكين الراء بينهما اسمه كناس بفتح الكاف وشدة النون وبالزاي الغنوي بالمعجمة والنون والواو.
          فإن قلت: قال في الجهاد في باب إذا اضطر بعثني والزبير وفي باب الجاسوس يعني أنا والزبير والمقدام؟ قلت: ذكر القليل لا ينفي الكثير.
          قوله: (حاطب) بكسر المهملة الثانية ابن أبي بلتعة بفتح الموحدة والفوقانية وبسكون اللام بينهما وبالمهملة، و(صاحباي) في بعضها صاحبي وهو بلفظ المفرد ظاهر وبالمثنى صحيح على مذهب من نقلت الألف ياء، و(الذي يحلف به) أي الله تعالى وأهوت أي مالت، و(الحجزة) بضم المهملة وسكون الجيم وبالزاي معقد الإزار، و(احتجز بإزاره) شده على وسطه.
          فإن قلت: مر في باب الجاسوس أنها أخرجته من عقاصها جمع: العقيصة بالمهملتين والقاف؛ أي: من شعورها؟ قلت: لعلها أخرجته من الحجزة أولاً وأخفته في الشعر ثم اضطرت إلى الإخراج منها أو بالعكس.
          قوله: (يد) أي: منَّةٌ ونعمة وذلك لأن أهله وماله كان بمكة شرفها الله تعالى، و(فلأضربَ) بالنصب وهو في تأويل مصدر مجرور وهو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: اتركني فتركك للضرب وبالجزم والفاء زائدة على مذهب الأخفش واللام للأمر ويجوز فتحها على لغة سُليم بضم المهملة وتسكينها مع الفاء عند قريش وأمر المتكلم نفسه باللام فصيح قليل الاستعمال، ذكر ابن مالك مثله في قوموا فلأصلي لكم وبالرفع أي فوالله لأضرب.
          قوله: (من أهل بدر) فإن قلت: فلم جلد مسطح بكسر الميم في قصة الإفك حد القذف؟ قلت: اتفقوا على أن المراد منه أنهم مغفورون من عقاب الآخرة وأما عقوبات الدنيا من الحدود ونحوه فهم كغيرهم.
          و(الاغريراق) بالمعجمة وبالراء المكررة وبالقاف كثرة الدمع كأن العين غرقت في دمعها قالوا لا خلاف أن كل متأول معذور بتأوله غير ملوم فيه إذا كان تأويله ذلك شائعاً في لسان / العرب ولهذا لم يعنف صلعم عمر ☺ في تلبيبه لهشام وعذره في ذلك لصحة اجتهاده وكذلك عذر أصحابه في تأويل الظلم في الآية بغير الشرك لجوازه في التأويل، وكذا حديث ابن الدخشن فإنهم استدلوا على نفاقه بصحبة المنافقين فبين لهم صلعم صدقه ولم يعنفهم في تأويلهم وهلم جرا.
          قال أبو عبد الله البخاري: (خاخ) أي بالمعجمتين موضع بين مكة والمدينة وقال أبو سلمة بفتحتين وهو موسى بن إسماعيل قال أبو عوانة بفتح المهملة وخفة الواو واسمه: وضاح حاج بالمهملة والجيم قال (خ) هذا تصحيف والأول أصح.
          و(هشيم) مصغراً يروي عن حصين خاخ بالمعجمتين أيضاً على الأصح.
          الزركشي:
          (عن حصين) بضم الحاء.
          (عن فلان): هو سعيد بن أبي عبيدة.
          (حبان بن عطية) بكسر الحاء وبموحدة، قيده الغساني، ووهم من فتح الحاء وجعل الياء مثناة.
          (اغرورقت) أي: غرقت بالدموع، وهو: افعوعلت من الغرق، انتهى كلام الزركشي.
          أقول:
          قوله: (حبان بن عطية) وفي نسخة: حيان قال ابن قرقول: حبان بن عطية وحبان بن موسى وحبان غير منسوب هؤلاء الثلاثة بكسر الحاء قال وضبط بعض رواة أبي ذر حبان بفتح الحاء وهو وهم.