مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب حكم المرتد والمرتدة

          ░2▒ باب حكم المرتد والمرتدة واستتابتهما
          وقال ابن عمر والزهري وإبراهيم: تقتل المرتدة.
          تعليق ابن عمر أخرجه ابن أبي شيبة، عن وكيع، عن سفيان، عن عبد الكريم، عمن سمع ابن عمر.
          وتعليق الزهري أخرجه الدارقطني من حديث عبد الرزاق عن معمر عنه وتعليق إبراهيم أخرجه ابن أبي شيبة عن عبد الصمد، عن هشام، عن حماد، عنه.
          وثنا محمد بن بشر، إلى آخره وكأن (خ) أراد بهذا تضعيف حديث عدم قتلها. أخرجه الدارقطني من حديث ابن عباس رفعه: ((لا تقتل المرأة إذا ارتدت)) ثم قال: لا يصح عن رسول الله، ولا رواه شعبة، وراويه عنه عبد الله بن عيسى، وهو كذاب.
          ثم رواه من حديث أبي رزين عنه في المرأة ترتد قال: تحبَسُ ولا تقتل وأورده ابن بطال عنه بلفظ: لا تقتل النساء إذا هن ارتددن عن الإسلام ولكن يحبسن ويجبرن عليه.
          ومن حديث نجيح بن إبراهيم الزهري، ثنا معمر بن بكار السعدي، بسنده عن جابر قال: إن امرأة يقال لها أم رومان ارتدت عن الإسلام، فأمر ◙ أن يعرض عليها الإسلام، فإن رجعت وإلا قتلت.
          ومن حديث حصين، بسنده عن جابر يرفعه بلفظ: إذا ارتدت عن الإسلام أن تذبح. ثم ساق (خ) آيات مناسبة للتبويب، فقال: قال الله تعالى: {كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْمًا كَفَرُواْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ} الآيات [آل عمران:86].
          ثم ساق حديث عكرمة قال: أتي عليٌّ بزنادقة الحديث.
          وحديث أبي موسى قال: أقبلت إلى رسول الله ومعي رجلان من الأشعريين الحديث.
          وحديث عكرمة عن مولاه، سلف في الجهاد، وهو من أفراده.
          قال ابن الطلاع في ((أحكامه)): لم يقع في شيء من المصنفات المشهورة أنه ◙ قتل مرتدًّا ولا زنديقاً، وقتل الصديق امرأة يقال لها: أم قرفة ارتدت بعد إسلامها.
          روى ابن أبي شيبة من حديث عبد الرحمن بن عبيد، عن أبيه قال: كان أناس يأخذون العطاء والرزق ويصلون مع الناس، وكانوا يعبدون الأصنام في السر، فأتى بهم علي، فوضعهم في المسجد أو قال: في السجن ثم قال: يا أيها الناس ما ترون في قوم كانوا [يأ]خذون معكم العطاء والرزق ويعبدون هذه الأصنام؟ / قال الناس: تقتلهم. قال: لا، ولكن أصنع بهم كما صنع بأبينا إبراهيم، فحرقهم بالنار.
          وذكر أبو المظفر طاهر بن محمد الإسفراييني في كتابه ((التبصير في الدين)) أن الذين حرقهم علي طائفة من الروافض تدعى السبائية ادعوا أن عليًّا إله، وكان رئيسهم عبد الله بن سبأ وكان أصله يهوديًّا.
          واختلف في استتابة المرتد على قولين، فروي عن عمر وعثمان وعلي وابن مسعود أنه يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وهو قول أكثر العلماء.
          وهل هي واجبة أو مستحبة؟ قولان للشافعي، أصحهما: أنها واجبة، والخلاف عند المالكية أيضاً ومذهبه الوجوب، وإذا قلنا: واجبة هل تأخيره ثلاثاً واجب أو مستحب، فيه روايتان عن مالك وكذلك الشافعي، وقالت طائفة: لا يستتاب ويجب قتله حين يرتد في الحال، روي ذلك عن الحسن البصري وطاوس، وذكره الطحاوي عن أبي يوسف وهو قول أهل الظاهر، واحتج بحديث الباب: ((من بدل دينه فاقتلوه)) قالوا: ولم يذكر فيه استتابة، وكذا حديث معاذ وأبي موسى: لا أجلس حتى يقتل، ولم يذكر استتابة هنا.
          نعم، روى ابن أبي شيبة من حديث حميد بن هلال [أن] معاذاً قال: ما هذا؟ قيل: يهودي أسلم ثم ارتد وقد استتابه أبو موسى شهرين فقال معاذ: لا أجلس حتى أضرب عنقه.
          قال الطحاوي: جعل أهل هذه المقالة حكم المرتد حكم الحربيين إذا بلغتهم الدعوة أنه يجب قتالهم دون أن يؤذنوا، قالوا: وإنما تجب الاستتابة لمن خرج عن الإسلام لا عن بصيرة، فأما إن خرج منه عن بصيرة فإنه يقتل دون استتابة وقال عطاء: إن ولد في الإسلام ثم ارتد لم يستتب، وإن كان كافراً وأسلم ثم ارتد فإنه يستتاب.
          وقال أبو يوسف: إن بدر بالتوبة خليت سبيله ووكلت أمره إلى الله.
          وقال أبو حنيفة: يستتاب ثلاث مرات في ثلاثة أيام في ثلاث جمع، كل يوم مرة أو كل جمعة مرة. وعن علي: يستتاب شهراً. وعن الثوري: يستتاب أبداً.
          واختلف في مذهب مالك هل يخوف في الثلاثة الأيام بالقتل؟ وهل يقتل من ارتد إذا كان إسلامه عن ضيق أو غرم؟ قال ابن القصار: والدليل على أنه يستتاب الإجماع، وذلك أن عمر قال في المرتد الذي قتل: هلا حبستموه ثلاثة أيام، وأطعمتموه كل يوم رغيفاً، لعله يتوب الله عليه، اللهم لم أحضر ولم آمر ولم أرض إذ بلغني، ولم يختلف الصحابة في استتابة المرتد، فكأنهم فهموا من قوله: ((من بدل دينه فاقتلوه)) أن المراد بذلك إن لم يتب، يدله قوله تعالى: {فَإِن تَابُواْ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ فَخَلُّواْ سَبِيلَهُمْ} [التوبة:5] فهو عموم في كل كافر.
          وقد جاء عدم الاستتابة أيضاً وهو يخدش في الإجماع السالف. روى ابن أبي شيبة، بسنده، عن علي أنه أتي برجل كان نصرانيًّا فأسلم ثم تنصر، فسأله عن كلمة فقال له: ما أدري غير أن عيسى ابن الله. فقام إليه علي نحاه برجله، وقام الناس إليه فضربوه حتى قتلوه، وفي رواية: ثم أحرقوه.
          واختلف في استتابة المرتدة، فروي عن علي أنها لا تستتاب وتسترق، وبه قال عطاء وقتادة، ولم يقل بهذا جمهور العلماء، وقالوا: لا فرق بين استتابة المرتد والمرتدة.
          وروي عن أبي بكر الصديق مثله، وممن قال به ابن عمر والحسن والأوزاعي والليث ومالك، وشذ أبو حنيفة وأصحابه فقالوا بما روي عن ابن عباس في ذلك، وقال: إنه راوي حديث الباب ولم ير قتل المرتدة، فهو أعلم بمخرج الحديث، بل تحبس إن كانت في دار الإسلام حتى تسلم، واحتجوا بأنه ◙ نهى عن قتل النساء، قالوا: والمرتدة لا تقاتل فوجب ألا تقتل كالحربية، حجة الجماعة حديث الباب، و((من)) فيه تصلح للذكر والأنثى فهو عموم يدخل فيه النساء أيضاً.
          قال ابن المنذر: وإذا كان الكفر من أعظم الذنوب وأجل حرم احترمه المسلمون من الرجال والنساء، ولله أحكام في / عباده وحدود دون الكفر ألزمه عباده، منها: الزنا والسرقة وشرب الخمر وحد القذف والقصاص، وكانت الأحكام والحدود التي هي دون الارتداد لازمة للرجال والنساء مع عموم الحديث: ((من بدل دينه فاقتلوه)) فكيف يجوز أن يفرق أحد بين أعظم الذنوب، فيطرحه عن النساء ويلزمهن ما دون ذلك، هذا غلط بين.
          واختلف في الزنديق هل يستتاب، فقال مالك والليث وأحمد وإسحاق: يقتل ولا تقبل له توبة، قال مالك: والزنادقة: ما كان عليه المنافقون من إظهار الإيمان وكتمان الكفر.
          واختلف قول أبي حنيفة وأبي يوسف، فمرة قالا: يستتاب، ومرة قالا: لا يستتاب قال الشافعي: يستتاب كالمرتد، وهو قول عبيد الله بن الحسن، وذكر ابن المنذر عن علي مثله.
          وقيل لمالك: لم تقتله ورسول الله لم يقتل المنافقين وقد عرفهم؟ فقال: لأن توبته لا تعرف.
          وذكر ابن حزم خلافاً منتشراً في المسألة فقال: اختلف الناس في حكم المرتد، فقالت طائفة: لا يستتاب، وطائفة: يستتاب وفرق طائفة بين من أسر ردته وبين من أعلنها، وفرقت طائفة بين من ولد في الإسلام ثم ارتد وبين من أسلم بعد كفره ثم ارتد.
          أما من قال لا يستتاب فانقسموا قسمين، فقالت طائفة: يقتل تاب أو لم يتب، راجع الإسلام أو لم يراجع، وقالت أخرى: إن بادر فتاب قبلت توبته وسقط عنه القتل وإن لم تظهر توبته أنفذ عليه القتل.
          وأما من قال يستتاب فإنهم انقسموا أقساماً، طائفة قالت: يستتيبه أربعين يوماً فإن تاب وإلا قتل. وطائفة قالت: يستتاب شهرين فإن تاب وإلا قتل. وقالت أخرى: نستتيبه مرة فإن تاب وإلا قتلناه. وقالت أخرى: ثلاث مرات. وقالت أخرى: ثلاثة أيام. وقالت أخرى: شهراً.
          وروي عن مالك، والمشهور عنه: ثلاثة أيام وهو أحد قولي الشافعي، وقالت أخرى: مائة مرة. وقالت أخرى: يستتاب أبداً ولا يقتل.
          فأما من فرق بين المسر والمعلن، فقالت طائفة: من أسر ردته قتلناه دون استتابة ولم تقبل توبته، ومن أعلنها قبلناها. وقالت أخرى: إن أقر المسر وصدق البينة قبلت توبته، وإن لم يفرق ولا صدق البينة قتلناه.
          وقالت أخرى: لا فرق بين المسر والمعلن في شيء من ذاك، فطائفة قبلت توبتهما معا أقر المسر أو لم يقر، وطائفة لم تقبل توبته مسر ولا معلن.
          قال: واختلف في الذمي والحربي يخرجان من كفر إلى كفر، فقالت طائفة: يتركان على ذلك ولا يمنعان منه، وهو قول أبي حنيفة ومالك. وقالت أخرى: لا يتركان على ذلك أصلاً.
          قال الشافعي وأصحابنا: لا يقر على ذلك. ثم اختلف قول الشافعي، فمرة قال: إن رجع إلى الكفر الذي كان عليه ترك، وإلا قتل إلا أن يسلم. ومرة قال: لا يقبل منه الرجوع إلى الدين الذي خرج عنه لا بد له من الإسلام أو السيف، وهو ظاهر حديث الباب: ((من بدل دينه فاقتلوه)).
          قال ابن حزم وبه يقول أصحابنا: واختلف في ميراث المرتد كما سلف في الفرائض.
          قال الداودي: وأما إحراق علي الزنادقة ليس بخطأ؛ لأنه ◙ قال لقوم أخرجهم: ((إن لقيتم فلاناً وفلاناً فأحرقوهم بالنار)) ثم قال: ((إن لقيتموهما فاقتلوهما، فإنه لا ينبغي أن يعذب بعذاب الله)) ولم يكن ◙ يقول في الغضب والرضا إلا حقًّا، قال الله تعالى: {وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى} [النجم:3].
          قوله في حديث أبي موسى: كأني أنظر إلى سواكه تحت شفته قلصت؛ أي: انضمت وارتفعت.
          قوله: فقال أحدهما: أما أنا فأقوم وأنام وأرجو في نومتي.. إلى آخره أي: أحتسب فيها من الثواب؛ لأني أقوم بها على القيام.
          وفيه: المجازاة على النية، وقد جاء: ((نية المؤمن خير من عمله)) يعني: أنه نوى ما لم يبلغه عمره.
          والزنديق: بكسر الزاي: فارسي معرب وجمعه: زنادقة. قال سيبويه: الهاء في زنادقة بدل من ياء زنديق. والاسم الزندقة، قال ثعلب: ليس زنديق من كلام العرب إنما يقولون زندق، وزندقي: إذا كان شديد البخل.
          وفي ((الصحاح)): الزنديق من الثنوية أي: الذين يزعمون أن مع الله إلهاً ثانياً جل وتعالى عن ذلك / واختلف عندنا في حقيقته هل الذي يظهر الإسلام ويخفي الكفر، أو الذي لا ينتحل دينا. وادعى بعضهم أن المشهور الأول، لكن هذا هو المنافق والأقرب الثاني.