مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم

          ░6▒ باب قتل الخوارج والملحدين بعد إقامة الحجة عليهم
          وقول الله تعالى: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا} الآية [التوبة:115]. وكان عبد الله ابن عمر [بن] إبراهيم.. إلى آخره / .
          تبويب (خ) هذا معناه أنه لا يجب قتل خارجي ولا غيره إلا بعد الإعذار عليه، ودعوته إلى الحق وتبيين ما التبس عليه، فإن أبى من الرجوع إلى الحق وجب قتاله أن يبين له وجه الصواب ويدعى إليه.
          ثم ساق (خ) في الباب أحاديث.
          والتعليق الذي ذكره عن ابن عمر ذكره (م) في ((صحيحه)) معناه مسنداً، وفيه دلالة على أنهم ليسوا بكفار؛ لأن الكافر لا يتأول كتاب الله بل يرده ويكذب به.
          وفي كتاب ((التبصير)) للإسفراييني: كان عبد الله بن عمر وابن عمر وابن عباس وابن أبي أوفى وجابر وأنس وأبو هريرة وعقبة بن عامر وأقرانهم يوصون إلى أخلافهم بأن لا يسلموا على القدرية ولا يعودوهم، ولا يصلوا خلفهم، ولا يصلوا عليهم إذا ماتوا.
          1- حديث سويد بن غفلة قال: قال علي.. إلى آخره.
          أخرجه (خ) عن عمر بن حفص بن غياث، وساقه في باب علامات النبوة عن محمد بن كثير.
          قال الإسماعيلي: خالف عيسى بن يونس فقال: عن الأعمش، حدثني عمرو بن مرة، عن خيثمة به. وهذا يبين أن في رواية (خ) انقطاعاً؛ لكنه صرح بالتحديث في خيثمة، فلعله سمعه من خيثمة مرة، ومرة من عمرو بن مرة.
          وقد روي هذا المتن عن رسول الله من وجوه، رواه أبو سعيد وأبو هريرة وسهل بن حنيف وأبو بكرة.
          2- حديث أبي سلمة وعطاء بن يسار، أنهما أتيا أبا سعيد الخدري الحديث وسلف.
          3- حديث ابن وهب: حدثني عمر أن أباه حدثه، عن عبد الله بن عمر.. إلى آخره.
          وعمر هذا هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أخو أبي بكر وعاصم وزيد وواقد، مدني عسقلاني اتفقا عليه(1).
          وفي الباب أحاديث غير من عددنا:
          ولابن ماجه من حديث عبد الله بن أبي أوفى مرفوعاً: ((الخوارج كلاب النار)).
          فصل
          كل من خرج على الإمام الحق الذي اتفقت الجماعة عليه يسمى خارجيًّا، سواء كان في زمن الصحابة أو بعدهم، كما نبه عليه الشهرستاني في ((نحله)) والحرورية: هم الذين قال فيهم الشارع: ((يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم)) وهم المارقة الذين قال فيهم ((سيخرج من ضئضئ هذا قوم يمرقون من الدين)) إلى آخره، وأولهم ذو الخويصرة وآخرهم ذو الثدية وخروجهم قسمان: بدعتهم في الإمامة إذ جوزوها في غير قريش وكل من ينصبونه برأيهم، وهم أشد الناس قولاً بالقياس، وجوزوا أن لا يكون في العالم إمام أصلاً، وإن احتيج إليهم فيجوز ولو عبدا، وتخطيئهم عليًّا في التحكيم، وزادوا إلى الكفر واللعن وطعنوا على عثمان للأحداث التي عدوها، وطعنوا في أصحاب الجمل وصفين.
          وقال الإسفراييني في ((تبصيره)): يزعمون أن عليا وعثمان وأصحاب الجمل والحكمين وكل من رضي بالحكمين كفروا كلهم، وأن من أذنب ذنباً من المسلمين فهو كافر ويخلد في النار، وهم عشرون فرقة.
          وقال الآجري: لم يختلف العلماء قديماً وحديثاً أن الخوارج قوم سوء عصاة لله ولرسوله، وهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون، وهم الشراة الأرجاس الأنجاس.
          وعن المبرد قال: جاء في الحديث أن علياً تلي بحضرته {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا} الآية [الكهف:103] فقال علي: أهل حروراء منهم.
          وقام الإجماع على أن الخوارج إذا خرجوا على الإمام العدل وشقوا عصى المسلمين ونصبوا راية الخلاف أن قتالهم واجب، وأن دماءهم هدر، وأنه لا يتبع منهزمهم ولا يجهز على جريحهم / .
          وقد أسلفنا سبب تسميتهم خوارج، وأن سببه قوله ◙: ((سيخرج في آخر الزمان)) وأول خارج خرج أهل النهروان، خرجوا على علي حين حكم الحكمين بينه وبين معاوية، وقالوا: لا حكم إلا لله، فقال علي: كلمة حق أريد بها باطل. وشهدوا على علي بالكفر، وقالوا له: شككت في أمرك، وخلعت نفسك من الخلافة، وتركت قتال أهل البغي، فإن تبت رجعنا إليك، فناشدهم الله.
          قوله: (يمرقون من الدين) المروق عند أهل اللغة: الخروج، يقال: مرق من الدين مروقاً خرج ببدعة أو ضلالة، ومرق السهم من الغرض: إذا أصابه ثم نفذه، ومرق السهم من الرمية؛ أي: المرمية، فعيلة بمعنى مفعولة.
          وجمهور العلماء على أنهم في خروجهم ذلك غير خارجين من جملة المؤمنين؛ لقوله ◙: ((ويتمارى في الفوق)) لأن التماري: الشك، وإذا وقع الشك في ذلك لم يقطع عليهم بالخروج الكلي من الإسلام؛ لأن من بقيت له عقد الإسلام بيقين لم يحكم له بالخروج منه إلا بيقين.
          وقد روي عن علي من غير طريق أنه سئل عن الخوارج من أهل النهروان أكفار هم؟ قال: من الكفر فروا. قيل: فمنافقون؟ قال: المنافق لا يذكر الله إلا قليلاً. قيل: فما هم؟ قال: قوم ضل سعيهم وعموا عن الحق، بغوا علينا فقاتلناهم.
          وقد روي عن بعض أهل الكلام وأهل الحديث أن أهل البدع كفار ببدعتهم، وهو قول أحمد، وأئمة الفتوى بالأمصار على خلاف هذا.
          قوله: قتل عاد هو بالرفع على الأكثر أي: مثل قتلهم وروي بالفتح أي على مثل قتلهم وقتلهم إنما كان على الكفر.
          وقول علي ☺: ((فإذا حدثتكم فيما بيني وبينكم فإن الحرب خدعة)).
          قال ذلك في وقت قتاله للخوارج، معناه: أن المعاريض جائزة على ما جاء عن عمر أنه قال: في المعاريض مندوحة عن الكذب، وليس في هذا جواز إباحة الكذب الذي هو خلاف الحق؛ لأن ذلك منهي عنه في الكتاب والسنة، وإنما رخص في الحرب وغيره في المعاريض فقط؛ لأنه ◙ قال: ((إياكم والكذب فإنه يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار))، وسلف في الصلح في باب ليس بالكاذب الذي يصلح بين الناس.
          وفي باب الكذب في الحرب والجهاد، وشيء في باب المعاريض مندوحة عن الكذب في كتاب الأدب بما يقتضيه التبويب.
          ومعنى الحرب خدعة أي: ينقضي أمرها بخدعة واحدة، ولغة النبي صلعم بالفتح، ويروى: الضم وفيه الكسر أيضاً.
          قوله: (في آخر الزمان) يعني: زمن الصحابة، قاله ابن التين.
          قوله: (أحداث الأسنان) أي: شباب، يقال: رجل حدث، فإن ذكرت السن قلت: حديث السن، وجمع حديث: حداث ككريم وكرام.
          قال ابن التين: ورويناه بضم الحاء وتشديد الدال.
          قوله: (سفهاء الأحلام) أي: عقولهم رديئة، قال الداودي: ويقول أماثلهم سفهاء.
          وقولهم: (يقولون من خير قول البرية) أي: يحسنون القراءة ويحرفون التأويل.
          قال الجوهري: الحنجرة: الحلقوم، وقال الداودي: هي في الحلق عند المذبح، والمعنى: أنهم لما تأولوا القرآن على غير تأويله لم يرتفع إلى الله ولا أثابهم عليه، إذ كانت أعمالهم له مخالفة لسفك دماء من حرم الله دمه وأخافهم سبيله، ويشهد لهذا قوله تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} الآية [فاطر:10]، فبان بهذا أن / الكلم الطيب إنما يصعد إلى الله إذا صحبه عمل صالح يرفعه، ومتى لم يصحبه عمل لم يثب قائله ولا كان له في قوله غير العناء، وهذا يدل على أن الإيمان: قول وعمل.
          والحرورية، بفتح الحاء وضم الراء: منسوبون إلى قرية كانت أول مجتمعهم بها، ومنها حكموا وهي تمد وتقصر، والنصل: حديدة السهم، والرصاف: العقب الذي فوق مدخل السهم، كذا في ابن بطال.
          وعبارة ابن التين: إنه العصب يُشد فوق مدخل العقب، وعبارة الأحداني: العقب الذي فوق الرعظ، والرعظ: مدخل النصل في السهم، وقال الداودي: إنه ما قارب الحديد من العود، وقيل: هو الأنبوب، وهو بضم الراء وكسرها.
          قال ابن التين: رويناه بهما، وقال ابن سيده في ((مخصصه)) أبو عبيد: واحدته رصفة، ابن السكيت: رصفته، أرصفه رصفاً، شددت عليه الرصاف، أبو حنيفة: رصفه ورَصفة، والجمع رصف ورصيف ورصاف وأرصاف، وهي عقبة تشد على حمالة القوس العربية إلى عجسها.
          وفي ((المحكم)): هو العقب الذي يلوى فوق رعظ السهم إذا انكسر.
          والفوق من السهم: موضع الوتر من السهم، وهما فوقان، قال في ((المخصص)): وجمعه أفواق وفوق، وفوقة بكسر الفاء وفتحها مقلوب.
          وعن أبي حنيفة: فوق وفوقة، قال: وقيل: إن الفوق جمع فوقة، وقد يجعل الفوق واحداً والجمع أوفاقاً، وقال في ((المحكم)): أقفت السهم وأوقفته ووقفت به كلاهما على القلب: وضعته في الوتر للرامي به.
          وفي ((الجامع)): الفوق من السهم: مشتق رأس السهم حيث يقع الوتر.
          قوله: (هل علق بها شيء؟) هو بكسر اللام من علق.


[1] في هامش المخطوط: ((أقول: قال الغساني في بعضها عمرو بالواو، هو وهم روى عن أبيه عن قوم)).