مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب من ترك قتال الخوارج للتألف وأن لا ينفر الناس عنه

          ░7▒ باب من ترك قتل الخوارج للتآلف، وأن لا ينفر الناس عنه
          فيه حديث أبي سعيد الخدري قال: بينا النبي صلعم يقسم جاء عبد الله ابن ذي الخويصرة الحديث وسلف بطوله في باب: علامات النبوة.
          وحديث الشيباني وهو أبو إسحاق الشيباني سليمان ثنا يسير بن عمرو ويقال: بالهمزة بدل الياء المحاربي، قال: قلت لسهل بن حنيف.. الحديث.
          واعترض الإسماعيلي فقال: الحديث الأول إنما هو في ترك القتل لا القتال المنفرد الذي لا يقاتل كيف يقاتل؟ فإذا أظهروا رَأيتَهم ونصبوا للقتال فقتالهم حينئذ واجب، وإنما ترك قتل ذي الخويصرة؛ لأنه لم يكن أظهر ما قد يستدل به على ما رواه؛ لأن قتل من يظهر عند الناس العبادة والصلاح قبل استحكام أمر الإسلام ورسوخه في قلوب الأبعدين منفر لهم عن الدخول في الإسلام، وكذا قال الداودي.
          قوله: (باب: من ترك) ليس بشيء، لم يكن له يومئذ فيه مقاتل. ولو قال: لم يقتل لأصاب، وتسميتهم إياه من الخوارج لم يكن يومئذ هذا الاسم، إنما سموا به لخروجهم على علي.
          قال ابن بطال: لا يجوز ترك قتال من خرج على الأمة وشق عصاها، وأما ذو الخويصرة فإنما ترك الشارع قتله؛ لأنه عذره لجهله، وأخبر أنه من قوم يخرجون ويمرقون من الدين، فإذا خرجوا وجب قتالهم. وقد أخبرت عائشة أنه ◙ لم يكن ينتقم لنفسه، وكان يعرض عن الجاهلين.
          قال المهلب: والتآلف إنما كان في أول الإسلام؛ لحاجتهم إليه، فأما إذ أعلى الله الإسلام ورفعه على غيره، فلا يجب التآلف إلا أن تنزل بالناس ضرورة فللإمام ذلك.
          و(الرمية): الطريدة المرمية، فعيلة بمعنى مفعولة، يقال: شاة رمي إذا رميت، ويقال: بئس الرمية الأرنب. فتدخل الهاء كما ذكره ابن بطال، وهي / عبارة الأصمعي قال: هي الطريدة التي يرميها الصائد: وهي كل دابة مرمية.
          قال ابن سيدة: يذهب إلى أن الهاء غالباً إنما تكون للإشعار بأن الفعل لم يقع بعد بالمفعول، ولذلك يقولون: هذه ذبيحتك. للشاة التي لم تذبح بعد كالضحية، فإذا وقع عليها الفعل فهي ذبيح.
          وفي ((الصحاح)): إنما جاءت الهاء لأنها صارت في عداد الأسماء، وليس هو على رميت فهي مرمية، وعدل به إلى فعيل.
          و(القذذ): ريش السهم، كل واحدة قذة، وقال ثابت: قذتا الجناحان جانباه.
          وقال أبو حاتم: القذتان: الأذنان. وعبارة ابن التين: القذذ: الريش، وهو جمع قذة: وهي الريشة، وأصل القذة: قطع أطراف الريش على مثال القذة.
          وقال الداودي: القذذ عند الريش.
          والنضي بفتح النون وكسر الضاد على مثال فعيل كذا رويناه وحكي بكسر النون: وهو القدح قبل أن ينحت، قاله الأصمعي، وهو موافق للحديث؛ لأنه ذكر النصل قبل النضي في الحديث، وقال أبو عمرو الشيباني: هو أصل السهم، ويرده ما ذكرناه.
          وفي ((الصحاح)): هو ما بين الريش والنصل. وعبارته ما قارب الريش من العود، وقيل: إنه العود الذي عند أصل الأنبوب، وتنضى أي: تخلع وتقرع.
          قوله: (سبق الفرث والدم) يعني: أنه مر سريعاً في الرمية، وخرج لم يعلق به من الفرث والدم شيء، فشبه خروجهم من الدم ولم يتعلق منه بشيء بخروج ذلك السهم.
          قوله: (تدردر) يعني: تضطرب تذهب وتجيء، ومثله: تذبذب وتقلقل وتزلزل.
          الخطابي: ومنه: دردور الماء. قلت: وأصل تدردَر يتدَردَرُ، فحذفت إحدى التاءين؛ أي: تزحزح يجيء ويذهب. والثدي يذكر ويؤنث للمرأة والرجل، قاله الجوهري.
          وقال ابن فارس: هو للمرأة، والجمع: ثدى.
          قال: وثندؤة الرجل كثدي المرأة، وهو مهموز إذا ضم أوله، فإذا فتح لم يهمز، ويقال: هو طرف الثدي.
          قوله: (على حين فرقة) قد أسلفنا هناك أنه روي بالنون، وبالخاء المعجمة والراء.
          قال ابن التين: رويناه بالحاء المهملة والنون.
          وضم الفاء من فرقة؛ أي: افتراق.
          قال الداودي: يعني ما كان يوم صفين، وروي بالمعجمة، وكان النعتان جميعاً قال: ويحتمل أن يقولهما.
          وقول عمر: (دعني أضرب عنقه) ولم ينكر الشارع عليه، فيه دليل أن قتله مباح وإن إبقاءه جائز لعلة وتأتي الفوائد سلف.
          قال والدي ⌂:
          (باب إذا عرض) التعريض خلاف التصريح وهو نوع من الكناية، واتفقوا على أن سب النبي صلعم صريحاً كفر يقتل به المسلم والذمي، وأما عدم قتل هذا اليهودي القائل بالسام فلأنه كان أول الإسلام وهو صلعم يؤلف القلوب فلم يقتله كما لم يقتل المنافقين أو لأنه كان يلوي لسانه فيه كما عادتهم أو لأنه كان دعاءً بما لا بد منه وهو الموت مع أنه ليس من المبحث إذ هو تعريض لا تصريح.
          قوله: (السام) بتخفيف الميم وهو الموت وقيل: هو بمعنى السآمة من الدين أي الملالة.
          فإن قلت: الواو في وعليك تقتضي التشريك؟ قلت: معناه وعليك ما تستحق من اللعنة والعذاب أو ثمة مقدر؛ أي: وأنا أقول وعليك أو الموت مشترك أي: نحن وأنتم كلنا نموت مر الحديث في كتاب الأدب في باب الرفق.
          قوله: (فقل) فإن قلت: المقام يقتضي أن يقال فليقل أمراً غائباً؟ قلت: أحدكم فيه معنى الخطاب لكل أحد.
          و(سام) في هذا / الطريق نكرة، و(عليكم) بدون الواو وفي بعضها: سامٌ عليك فقل عليك بلفظ المفرد في الخطاب والجواب.
          قوله: (شقيق) بفتح المعجمة وبالقافين، و(أدموه) أي: جرحوه بحيث جرى عليه الدم.
          قال القرطبي: بضم القاف وإسكان الراء وضم الطاء وبالموحدة، إن سيدنا صلعم هو الحاكي وهو المحكي عنه، وكأنه أوحى إليه بذلك قبل قصة يوم أحد ولم يعين له ذلك، فلما وقع تعين أنه المعني بذلك.
          قوله: (الخوارج) قال الشهرستاني في ((الملل والنحل)): كل من خرج على الإمام الحق فهو خارجي قال الفقهاء: الخوارج غير الباغية وهم الذين خالفوا الإمام بتأويل باطل ظنًّا والخوارج خالفوا لا بتأويل أو بتأويل باطل قطعاً، وقيل: هم طائفة من المبتدعة لهم مقالات خاصة مثل تكفير العبد بالكبيرة وجواز كون الإمام من غير قريش سموا به لخروجهم على الناس بمقالاتهم، و(الملحد) أي: العادل عن الحق المائل إلى الباطل.
          قوله: (خلق الله) أي: شرار المسلمين؛ لأن الكفار لا يؤولون كتاب الله، و(جعلوها) أي: أولوها وصيروها وكان ابن عمر يوصي بأن لا يسلم على القدرية حياة ولا يصلي عليهم مماتاً.
          قوله: (عمر بن حفص) بالمهملتين ابن غياث بكسر المعجمة وخفة التحتانية وبالمثلثة النخعي، و(خيثمة) بفتح المعجمة والمثلثة وسكون التحتانية بينهما ابن عبد الرحمن الجعفي الكوفي، و(سويد) مصغر السود ابن غفلة بفتح المعجمة وبالفاء واللام جعفي أيضاً عاش مائة وثلاثين سنة والرجال كلهم كوفيون، و(أخر) أي: أسقط.
          و(خدعة) بفتح الخاء وضمها وكسرها يعني: جاز فيها التعريض والتورية، و(حداث) بتشديد الدال أي: شبان والسن يطلق ويراد به مدة العمر، و(الأحلام) العقول، و(خير قول البرية) أي: خير أقوال الناس، أو خير من قول البرية يعني: القرآن، و(الرمية) فعيلة من الرمي يعني المرمية أي: الصيد مثلاً.
          فإن قلت: الفعيل بمعنى المفعول يستوي فيه المذكر والمؤنث فلم أدخل التاء فيه؟ قلت: هي لنقل الوصفية إلى الاسمية وقيل ذلك الاستواء إذا كان الموصوف مذكوراً معه وقيل ذلك الدخول غالباً للذي لم يقع بعد يقال: خذ ذبيحتك للشاة التي لم تذبح وإذا وقع عليها الفعل فهي ذبيح.
          قوله: (محمد بن المثنى) ضد المفرد، و(عطاء بن يسار) خلاف اليمين، و(الحرورية) بفتح المهملة وضم الراء الأولى منسوبة إلى حروراء قرية بالكوفة نسبة على غير قياس، خرج منها نجدة بفتح النون وسكون الجيم والمهملة وأصحابه على علي ☺ وخالفوه في مقالات علمية وعصوه وحاربوه.
          قوله: (لم يقل منها) فيه إشعار بأنهم ليسوا من هذه الأمة، لكنه معارض بما في بعض الروايات يخرج من أمتي، و(حناجرهم) يعني: حلاقيمهم يريد: أنه لا يصعد في جملة الكلم الطيب إلى الله تعالى أو لا ينتفعون به كما لا ينتفع الرامي من رميه.
          قوله: (نصله) أي: حديدة السهم، و(الرصاف) بكسر الراء وبإهمال الصاد جمع الرصفة وهي القضيب الذي يلوى فوق مدخل النصل قال بعضهم: محتجين بهذا التركيب بوقوع بدل الغلط في كلام البليغ.
          و(يتمارى) أي: يشك، و(الفوقة) بضم الفاء هو موضع الوتر من السهم يريد أنهم لما تأولوه على غير الحق لم يحصل لهم بذلك أجر ولم يتعلقوا بسببه بالثواب لا أولاً ولا وسطاً ولا آخراً.
          قوله: (عمر) هو ابن محمد بن زيد بن عبد الله ابن عمر بن الخطاب، قال الغساني: في بعضها عمرو بالواو وهو وهم / روى عن أبيه عن جده.
          قوله: (يقسم) مالاً (عبد الله) هو(1) ذو الخويصرة تصغير الخاصرة بالمعجمة والمهملة وبالراء تقدم في باب علامات النبوة أنه يقسم قسماً فأتاه رجل من بني تميم، وفي جل النسخ بل في كلها عبد الله بن ذي الخويصرة بزيادة الابن، والمشهور في كتب أسماء الرجال هو ذو الخويصرة فقط وقد يقال اسمه حرقوص بضم المهملة وسكون الراء وبالقاف والمهملة.
          قوله: (عمر بن الخطاب) فإن قلت: سبق في المغازي في باب بعث علي ☺ إلى اليمن إن القائل به خالد بن الوليد؟ قلت: لا محذور في صدور هذا القول منهما.
          و(الدين) قيل: هو الطاعة وقيل: طاعة الأئمة، و(القذذ) جمع القذة بضم القاف وشدة المعجمة ريش السهم، و(النضي) بفتح النون وكسر المعجمة وشدة التحتانية عود السهم بلا ملاحظة أن يكون له نصل وريش، و(شيء) أي: من الصيد من دمه وغيره، و(الفرث) هو السرجين ما دام في الكرش، و(سبق) أي: لم يتعلق به أثر منهما فكذلك أصحابه لا يكون لهم من طاعتهم ثواب.
          قوله: (آيتهم) أي: علامتهم، و(البضعة) بفتح الموحدة القطعة من اللحم، و(تدردر) مضارع التفعلل حذف أحد التاءين منه تضطرب تجيء وتذهب، و(حين فرقة) أي: زمان افتراق الناس وفي بعضها: خير فرقة أي أفضل طائفة في عصره. القاضي عياض: هم علي وأصحابه أو خير القرون وهم الصدر الأول، و(الرجل) هو ذو الثدية بفتح المثلثة مكبرا وضمها مصغرًا والوصف هو بيان إحدى يديه وفي بعضها ذو اليُدية بالتحتانيتين تصغير، ومر في علامات النبوة إحدى عضديه.
          فإن قلت: كيف صح تعليل ترك قتله بأن له أصحاباً؟ قلت: ما قتله لأنه صلعم كان في ذلك الوقت يتآلف القلوب ولم يكن يقبل من يتلبس بالإسلام في الجملة لئلا يقال أنه يقتل أصحابه والفاء للتفريع لا للتعليل.
          قوله: (عبد الواحد) هو ابن زياد بالتحتانية، و(الشيباني) بفتح المعجمة وسكون التحتانية سليمان أبو إسحاق، و(يسير) ضد: العسر مصغراً، وفي بعضها أسير بالهمزة الكوفي مات سنة خمس وثمانين لم يتقدم ذكره.
          و(سهل بن حنيف) مصغر الحنف بالمهملة والنون، و(أهوى بيده) أي: مدها جهة العراق وهؤلاء القوم خرجوا من نجد موضع التميميين.


[1] في المخطوط: ((يقسم مالاً فأتاه)) ولعل الصواب ما أثبتناه من ((الكواكب)).