مجمع البحرين وجواهر الحبرين

باب: إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي

          ░4▒ باب إذا عرض الذمي وغيره بسب النبي صلعم
          فيه حديث أنس بن مالك: مر يهودي برسول الله.. الحديث.
          ثم ذكر [حديث] عائشة وابن عمر بمثله.
          وقد سلف في السلام والمقصود هنا ما عقد له (خ) الباب وهي مسألة السباب.
          واختلف فيمن سبه، فروى ابن القاسم عن مالك أن من سبه من اليهود والنصارى قتل إلا أن يسلم، وأما المسلم فيقتل بغير استتابة، وهو قول الليث وأحمد وإسحاق، وحكاه ابن المنذر عن الشافعي.
          وروى الوليد بن مسلم عن الأوزاعي ومالك فيمن سبه قالا: هي ردة يستتاب بها، فإن تاب نكل، وإن لم يتب قتل.
          وقال الكوفيون: من سبه أو عابه فإن كان ذميًّا عزر ولم يقتل، وهو قول الثوري، وقال أبو حنيفة: إن كان مسلماً صار مرتدًّا بذلك، واحتج الكوفيون بما ذكره (خ) في الباب.
          قال الطحاوي: وقول اليهودي لرسول الله: السام عليك، لو كان مثل هذا الدعاء من مسلم لصار به مرتدًّا يقتل، ولم يقتله الشارع بذلك؛ لأن ما هم عليه من الشرك أعظم من سبه.
          وحجة من رأى القتل على الذمي بسبه أنه قد نقض العهد الذي حقن دمه إذ لم يعاهده على سبه، فلما تعدى عهده إلى حال كفره يقتل إلا أن يسلم؛ لأن القتل إنما كان وجب عليه من أجل نقضه للعهد الذي هو من حقوق الله تعالى، فإذا أسلم ارتفع المعنى الذي من أجله وجب قتله.
          وقال محمد بن سحنون: وقولهم إن من دينهم سبه يقال لهم: وكذا من دينهم قتلنا وأخذ أموالنا، فلو قتل واحداً منا لقتلناه؛ لأنا لم نعطهم العهد على ذلك، فكذا سبه إذا أظهره فإن قيل: فهو إذا أسلم بعد سبه تركتموه، وإذا أسلم وقد قتل مسلماً قتلتموه. قيل: لأن هذا من حقوق العباد لا يزول بإسلامه، وذلك من حقوق الله تعالى يزول بالتوبة من دينه إلى ديننا.
          قلت: الآخر حق آدمي أيضاً، وحجة أخرى: وهو أنه ◙ قال: ((من لكعب بن الأشرف فإنه قد آذى الله ورسوله؟)) قتله محمد بن مسلمة. والسب من أعظم الأذى ولذلك قتل ◙ ابن خطل يوم الفتح والقينتين اللتين كانتا تغنيان بسبه ولم تنفع ابن خطل استعاذته بالكعبة.
          وقال محمد بن سحنون: وفرقنا بين من سبه من المسلمين وبين من سبه من الكفار فقتلنا المسلم ولم تقبل توبته؛ لأنه لم ينتقل من دينه إلى غيره، إنما فعل شيئاً حده عندنا القتل ولا عفو فيه لأحد، فكان كالزنديق الذي لا تقبل توبته؛ لأنه لم ينتقل من ظاهر إلى ظاهر، والكتابي كان على الكفر، فلما انتقل إلى الإسلام بعد أن سب غفر له ما قد سلف، كما قال تعالى: {إِن يَنتَهُواْ} [الأنفال:38] الآية.
          وفرق في ((المعونة)) بأن الكافر / يعلم منه اعتقاد ذلك، وإنما يقتل على إظهاره، والمسلم يعلم منه اعتقاد تعظيمه فسبه إياه دلالة على ردته.
          وقال ابن القاسم عن مالك: وكذا إن شتم نبيًّا من الأنبياء أو انتقصه قتل ولم يستتب لم يشتم نبيَّنا أو انتقصه، قال تعالى: {لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ} [البقرة:285] وكذلك حكم الذمي إذا شتم أحداً منهم يقتل إلا أن يسلم، وهذا كله قول مالك وابن القاسم وابن الماجشون وابن عبد الحكم وأصبغ، قال أهل هذه المقالة: وإنما ترك الشارع قتل اليهودي القائل: السام عليك كما ترك قتل المنافقين وهو يعلم نفاقهم، وذكر (خ) بعده.