إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: لا تحلين لزوجك الأول حتى يذوق الآخر عسيلتك

          5265- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدٌ) هو ابنُ سلامٍ قال: (حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ) محمَّد بن حازمٍ قال: (حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ) ♦ أنَّها (قَالَتْ: طَلَّقَ رَجُلٌ) اسمه رِفاعة (امْرَأَتَهُ) تسمَّى تميمة بنت وهبٍ، ثلاثًا (فَتَزَوَّجَتْ زَوْجًا غَيْرَهُ) اسمه عبد الرَّحمن بن الزَّبير(1) (فَطَلَّقَهَا وَكَانَتْ مَعَهُ) جارحة مُسترخية (مِثْلُ الهُدْبَةِ، فَلَمْ تَصِلْ مِنْهُ إِلَى شَيْءٍ تُرِيدُهُ) من الوطء التَّامِّ (فَلَمْ يَلْبَثْ) أي: الزَّوج الثَّاني (أَنْ طَلَّقَهَا فَأَتَتِ النَّبِيَّ صلعم ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّ زَوْجِي) رِفاعة (طَلَّقَنِي) ثلاثًا (وَإِنِّي تَزَوَّجْتُ زَوْجًا غَيْرَهُ فَدَخَلَ بِي، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُ إِلَّا مِثْلُ الهُدْبَةِ) في الارتخاءِ (فَلَمْ يَقْرَبْنِي إِلَّا هَنَةً وَاحِدَةً) بفتح الهاء والنون المخففة، وحُكي تشديدها.
          قال السَّفاقسيُّ: أي(2): لم يطأني إلَّا مرةً واحدةً. يقال: هنَّى امرأتهُ إذا غشيها. وفي رواية ابنِ السَّكن فيما ذكره في «المشارق»: ”إلَّا هبَّةً“ بالموحدة المشدَّدة، أي: مرةً، أو وقعةً واحدةً (لَمْ يَصِلْ مِنِّي إِلَى شَيْءٍ) قال(3) في «المصابيح»: قولها(4): لم يصل منِّي إلى شيءٍ، صريحٌ في أنَّه لم يطأها أصلًا لا مرَّةً ولا فوقها، فيُحمل قولها: إلَّا هنةً واحدةً، على أنَّ معناه: فلم يرد أن يقربَ منِّي بقصد الوطء إلَّا مرةً واحدةً. انتهى. نعم إذا قلنا: المراد فلم تصل منه إلى شيءٍ تريدُه من الوطء التَّامِّ، أي: لارتخائهِ وعدمِ قدرتهِ انتظم الكلام (فَأَحِلُّ) بحذف همزة الاستفهام، ولأبي ذرٍّ: ”أفأحلُّ“ (لِزَوْجِي الأَوَّلِ؟) رِفاعة (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَا تَحِلِّينَ لِزَوْجِكِ الأَوَّلِ حَتَّى يَذُوقَ الآخَرُ) عبد الرَّحمن بن الزَّبير (عُسَيْلَتَكِ وَتَذُوقِي) ولأبي ذرٍّ: ”أو تذوقي“ (عُسَيْلَتَهُ) شبَّه ╕ لذَّة الجماع بذوق العسلِ فاستعارَ لها ذوقًا، والعملُ على هذا عند عامَّة أهل العلمِ من الصَّحابة وغيرهم: أنَّه إذا طلَّق ثلاثًا لا تحلُّ له حتَّى تنكحَ غيره ويصيبها الثَّاني، ولا تحلُّ بإصابة شُبهةٍ ولا ملك يمينٍ، وكان ابنُ المنذر يقول: في الحديث دَلالةٌ على أنَّ الثَّاني إن واقعَها وهي نائمةٌ أو مُغمًى عليها لا تحسُّ(5) باللَّذة أنَّها لا تحلُّ للأوَّل لأنَّ الذَّوق أن تحسَّ باللَّذة، وعامَّة أهلِ العلم‼ على أنَّها تحلُّ، قال النَّوويُّ: اتَّفقوا على أنَّ تغييبَ الحشفةِ في قُبلها كافٍ في ذلك من غير إنزالٍ، وشَرَطَ الحسنُ الإنزال لقوله: «حتَّى تذوقِي(6) عُسيلته» وهي النُّطفة. انتهى.


[1] الزَّبير: بفتح الزاي المشددة باتفاق.
[2] في (ب): «أني».
[3] في (م) و(ص): «وقال».
[4] في (س): «قوله».
[5] في (ص): «تحل».
[6] في (م): «تذوق».