إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب الإشارة في الطلاق والأمور

          ░24▒ (بابُ) حكمِ (الإِشَارَةِ) المفهمة للأصلِ والعدد من الأخرسِ وغيره (فِي الطَّلَاقِ وَ) غيره من (الأُمُورِ) الشَّرعيَّة، وقد ذهبَ الجمهور إلى أنَّ الإشارة إذا(1) كانت مُفهمةً تقومُ مقام النُّطق، فلو قال لزوجتهِ: أنت طالقٌ، وأشار بأصبعين أو ثلاثٍ لم يقع عددٌ إلَّا مع نيَّته عند قوله: طالقٌ، ولا اعتبارَ بالإشارة هنا، ولا بقوله: أنت هكذا، وأشار بما ذكر، أو مع قوله هكذا وإن لم ينوِ عددًا، فتطلَّق في إصبعين طلقتين وفي ثلاث ثلاثًا لأنَّ ذلك صريحٌ فيه، ولا بدَّ أن تكون الإشارةُ مفهمةً لذلك _كما نقله في «الروضة» عن الإمام وأقرَّه_ فلو قالت له: طلِّقني فأشارَ بيدهِ أن اذهبِي وكان غير أخرسٍ فالإشارة لغوٌ لأنَّ عُدولَه إليها عن العبارة يُفهم أنَّه غير قاصدٍ للطَّلاق، وإن قصده بها فهي لا تقصد للإفهام إلَّا نادرًا ولا هي موضوعةٌ له، بخلاف الكتابة فإنَّها حروفٌ موضوعةٌ للإفهام كالعبارة، ويعتدُّ بإشارة الأخرس، وإنْ قدر على الكتابة في طلاقٍ وغيره كبيعٍ ونكاحٍ وإقرارٍ ودعوى وعتقٍ لأنَّ إشارتَهُ قامتْ مقام عبارتهِ إلَا في الصَّلاة فلا تبطل بها، ولا(2) في الشَّهادة فلا تصحُّ بها، ولا حنث(3) بها فلا يحصلُ في الحلف على عدمِ الكلام، فإن فَهِمَها كلُّ أحدٍ فصريحةٌ‼، وإن اختصَّ بها فَطِنُون، فكنايةٌ تحتاج إلى النِّيَّة.
          ثمَّ أخذ المؤلِّف يذكرُ آثارًا وأحاديث تتضمَّن ذكر إشاراتٍ لأحكامٍ مختلفة تنبيهًا منه على أنَّ الإشارةَ بالطَّلاق وغيره قائمةٌ مقامَ النُّطق، وأنَّه إذا اكتفَى بها عن النُّطق مع القدرةِ عليه فمع عدم القدرةِ عليه أَولى، فقال ☼ : (وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ) ☻ فيما وصله في «الجنائز» مطولًا [خ¦1304]: (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : لَا يُعَذِّبُ اللهُ بِدَمْعِ العَيْنِ وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا، فَأَشَارَ) بالفاء، ولأبي ذرٍّ وابن عساكرَ: ”وأشار“ (إِلَى لِسَانِهِ) فيه: أنَّ الإشارة المفهمة كنطق اللِّسان.
          (وَقَالَ كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ) فيما وصله في «الملازمة» [خ¦2424]: (أَشَارَ النَّبِيُّ صلعم إِلَيَّ) في دَينٍ كان لي على عبد الله بن أبي حَدْرد الأسلميِّ بيده (أَيْ) وللكُشميهنيِّ: ”أن“ (خُذِ النِّصْفَ) أي: واتركْ ما عداهُ (وَقَالَتْ أَسْمَاءُ) بنت أبي بكرٍ الصِّدِّيق ☻ فيما وصله في «الكسوف» [خ¦1053]: (صَلَّى النَّبِيُّ صلعم فِي الكُسُوفِ) فأطال القيام (فَقُلْتُ لِعَائِشَةَ) وهي قائمة تصلِّي مع النَّاس: (مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ فَأَوْمَأَتْ) وللكشميهنيِّ(4): ”فأشارتْ“ (بِرَأْسِهَا إِلَى الشَّمْسِ، فَقُلْتُ) لها / : (آيَةٌ؟ فَأَوْمَأَتْ) وللكُشميهنيِّ: ”فأشارت“ (بِرَأْسِهَا وَهِيَ تُصَلِّي(5) أَنْ) ولأبي ذرٍّ: ”أي“ (نَعَمْ) آيةٌ (وَقَالَ أَنَسٌ) ممَّا سبق موصولًا في «باب أهل العلم والفضل أحقُّ بالإمامة» من «كتاب الصَّلاة» [خ¦681]: (أَوْمَأَ) أي: أشار (النَّبِيُّ صلعم بِيَدِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ أَنْ يَتَقَدَّمَ) إلى الصَّفِّ في الصَّلاة... الحديثَ إلى آخره، (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصله في «كتاب العلم» في «باب الفتيا بإشارة اليد والرَّأس» [خ¦84]: (أَوْمَأَ النَّبِيُّ صلعم ) لمَّا سُئل في حجَّته عن(6) الذَّبح قبل الرَّمي (بِيَدِهِ لَا حَرَجَ) في التَّقديم ولا في التَّأخير (وَقَالَ أَبُو قَتَادَةَ) فيما سبق موصولًا في «الحج» في «باب لا يشير المحرم إلى الصَّيد» [خ¦1824]: (قَالَ النَّبِيُّ صلعم ) لأصحابه (فِي الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ) لمَّا رأوا حُمرَ وحشٍ في مسيرهم لحجَّة الوداع، وحمل عليها أبو قتادة فعقرها: هل (أَحَدٌ مِنْكُمْ أَمَرَهُ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهَا، وأَشَارَ إِلَيْهَا) وفي «اليونينيَّة»: ”آحد(7)“ بمد فوق الهمزة للاستفهام (قَالُوا: لَا، قَالَ: فَكُلُوا) ما بقي من لحمها.


[1] في (د): «إن».
[2] في (د): «وإلا».
[3] في (د): «ولا في حنث».
[4] «وللكشميهني»: ليست في (م) و(ب).
[5] «وهي تصلي»: ليست في (م).
[6] في (د): «على».
[7] في (د): «آجد».