إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا أبا أسيد اكسها رازقيتين وألحقها بأهلها

          5255- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ) الفضل بنُ دكينٍ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ ابْنُ غَسِيلٍ) هو عبد الرَّحمنِ بنُ / سليمان بنِ عبد الله بنِ حنظلةَ الأنصاريُّ، وحنظلةُ هو غسيلُ الملائكة لمَّا استشهد بأُحدٍ وهو جُنب (عَنْ حَمْزَةَ بْنِ أَبِي أُسَيْدٍ) بضم الهمزة وفتح السين المهملة (عَنْ) أبيه (أَبِي أُسَيْدٍ) مالكِ بن ربيعةَ الأنصاريِّ السَّاعديِّ ( ☺ ) أنَّه (قَالَ: خَرَجْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلعم ) من المسجد، أو من منزلهِ (حَتَّى انْطَلَقْنَا إِلَى حَائِطٍ) بستان عليه جدارٌ (يُقَالُ لَهُ: الشَّوْطُ) بفتح الشين المعجمة وبعد الواو الساكنة طاء مهملة (حَتَّى انْتَهَيْنَا إِلَى حَائِطَيْنِ فَجَلَسْنَا) ولأبي ذرٍّ: ”جَلسنا“ (بَيْنَهُمَا) بإسقاط الفاء (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : اجْلِسُوا هَهُنَا، وَدَخَلَ) إلى الحائط (وَقَدْ أُتِيَ بِالجَوْنِيَّةِ) بضم الهمزة وفتح الجيم فيهما، نسبة لقبيلةٍ من الأَزد، فيما قاله ابنُ الأثير، وقال الرُّشَاطيُّ: الجَوْن في كندة والأزد، فالَّذي في كندةِ الجون هو معاويةُ بن حجرٍ، آكلُ المِرَار، ثمَّ قال: ومنهم أسماء بنت النُّعمان بن الأسودِ بن الحارثِ بنِ شراحيل بنِ كِندةَ تزوَّج بها النَّبيُّ صلعم ، فتعوَّذتْ منه فطلَّقها. وقال ابنُ حبيب: الجونيَّة امرأةٌ من كِندة وليست بأسماء، والذي في الأَزدِ الجَوْن بن عوف بن مالكٍ. وقال الكِرمانيُّ: وقيل: اسم الجَونية أمامة (فَأُنْزِلَتْ) بضم الهمزة (فِي بَيْتٍ فِي نَخْلٍ) بالتنوين فيهما، وسقط لفظ «في» لأبي ذرٍّ (فِي بَيْتِ أُمَيْمَةَ بِنْتِ النُّعْمَانِ بْنِ شَرَاحِيلَ) بإضافة بيتٍ لأميمة، كذا في الفرع وأصله وغيرهما‼ ممَّا رأيته في الأصول. وقال الحافظ ابن حجرٍ وتبعه العينيُّ _كالكِرمانيِّ_ بالتَّنوين في الكلِّ، وأميمةُ بالرفع إمَّا بدلًا من(1) الجونيَّة، وإمَّا عطفُ بيانٍ، وزاد في «الفتح» فقال: وظنَّ بعض الشُّرَّاح أنَّه بالإضافة، فقال في الكلامِ على الرِّواية التِّي بعدها: «تزوَّج رسولُ الله صلعم أميمةَ بنت شَرَاحيل»: لعلَّ الَّتي نزلتْ في بيتها بنت أخيها وهو مردودٌ، فإنَّ مخرج الطَّريقين واحدٌ، وإنَّما جاء الوهمُ من إعادةِ لفظ: «في بيت». وقد رواه أبو بكر ابنُ أبي شيبةَ في «مسنده»: عن(2) أبي نعيمٍ شيخ البخاريِّ فيه: فقال: في بيتٍ في النَّخل أميمةَ... إلى آخره. انتهى. فليتأمَّل.
          وعند ابن سعدٍ: أنَّ النُّعمان بن الجَوْن الكنديَّ أتى النَّبيَّ صلعم فقال: أَلا أزوِّجكُ أجمل أيِّمٍ في العرب، فتزوَّجها وبعثَ معه أبا أسيد السَّاعديَّ، قال أبو أسيد: فأنزلتها في بني ساعدةَ، فدخلَ عليها نساء الحيِّ فرحينَ بها، وخرجنَ فذكرْنَ من جمالها.
          (وَمَعَهَا دَايَتُهَا حَاضِنَةٌ لَهَا) بالرفع، ولأبي ذرٍّ بالنَّصب. قال في «الفتح» كـ «الكواكب»: الدَّاية الظِّئر المرضعُ وهي معرَّبةٌ. وقال العينيُّ: ليس كما قالا، وإنَّما الدَّاية: المرأة التي تولِّد الأولاد، وهي القابلةُ وهو لفظٌ معرَّبٌ، ولم يعرفْ اسمها الحافظ ابن حجرٍ (فَلَمَّا دَخَلَ عَلَيْهَا النَّبِيُّ صلعم قَالَ) لها: (هَبِي نَفْسَكِ لِي) أمرٌ للمؤنَّث، وأصلُه: أوهبِي، حذفت الواو تبعًا لمضارعِهِ واستُغني عن الهمزةِ فصارَ: هَبِي، بوزن علي، قالَ لها ذلك تطييبًا لقلبهَا واستمالةً لها، وإلَّا فقد كانَ له صلعم أن يزوِّج من نفسهِ بغير إذنِ المرأة وبغير إذن وليِّها، وكان مجرَّد إرساله إليها وإحضارها ورغبته فيها كافيًا في ذلك (قَالَتْ) لسوء حظِّها وشقائهَا، وعدم معرفتهَا بجلالة قدره الرَّفيع: (وَهَلْ تَهَبُ المَلِكَةُ) بكسر اللام (نَفْسَهَا لِلسُّوقَةِ؟) بضم السين المهملة، لواحدٍ من الرَّعيَّة. وقال في «القاموس»: والسُّوقة: الرَّعيَّة، للواحد والجمع والمذكَّر والمؤنث، ولأبي ذرٍّ: ”لسوقة“ (قَالَ: فَأَهْوَى بِيَدِهِ) الشَّريفة، أي: أَمالها (يَضَعُ يَدَهُ عَلَيْهَا لِتَسْكُنَ، فَقَالَتْ: أَعُوذُ بِاللهِ مِنْكَ. فَقَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”قال“: (قَدْ عُذْتِ بِمَعَاذٍ) بفتح الميم، أي بالذي يُستعاذ به. قال أبو أسيد: (ثُمَّ خَرَجَ عَلَيْنَا) صلعم (فَقَالَ: يَا أَبَا أُسَيْدٍ، اُكْسُهَا) بضم السين، ثَوبين (رَازِقِيَّتَيْنِ) براء ثمَّ زاي فقاف مكسورتين بالتثنية، صفةُ موصوفٍ محذوفٍ للعلم به، والرَّازقيَّة: ثيابٌ من كتَّانٍ بيضٍ طوالٍ‼. قال السَّفاقسيُّ: أي: متِّعها بذلك إمَّا وجوبًا وإمَّا تفضُّلًا، وسيأتي _إن شاء الله تعالى_ بعون الله حُكم المتعة (وَأَلْحِقْهَا بِأَهْلِهَا) بهمزة قطع مفتوحة وكسر الحاء وسكون القاف، أي: ردَّها إليهم لأنَّه هو الذي كان أحضرها. وعند ابنِ سعدٍ: قال أبو أسيد: «فأمرني فرددتُها إلى قومها». وفي أخرى له: «فلمَّا وصلتُ بها تَصايحوا، وقالوا: إنَّكِ / لغير مباركةٍ، فما دَهاكِ؟ قالت: خُدعتُ». قال: وحدَّثني هشام بن محمَّدٍ، عن(3) أبي خيثمةَ زُهير بن معاويةَ: أنَّها ماتت كمدًا.


[1] في (د): «عن».
[2] في (د): «عند».
[3] في (د): «بن».