إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أما ما ذكرت من صحبة رسول الله ورضاه

          3692- وبه قال: (حَدَّثَنَا الصَّلْتُ بْنُ مُحَمَّدٍ) بفتح الصَّاد المهملة وسكون اللَّام بعدَها فوقيَّة، الخارِكيُّ؛ بالخاء المعجمة والرَّاء المكسورة، البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ) هو ابنُ عُليَّة قال: (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) السَّختيانيُّ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) عبد الله (عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ) بكسر الميم وسكون السِّين المهملة في الأوَّل، وبفتح الميم وسكون الخاء المعجمة في الثَّاني، أنَّه (قَالَ: لَمَّا طُعِنَ عُمَرُ) ☺ ، وكان الذي طعنَه أبا لؤلؤةَ عبدَ المغيرةِ بن شعبةَ في خاصرته، وهو في صلاة الصُّبح يوم الأربعاء لأربعٍ بقين مِن ذي الحجَّة سنة ثلاثٍ وعشرين (جَعَلَ يَأْلَمُ) بتحتيَّة بعدَها همزة ساكنة (فَقَالَ لَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَكَأَنَّهُ يُجَزِّعُهُ) بضمِّ التَّحتيَّة وفتح الجيم وتشديد الزَّاي المكسورة، أي: يُزيلُ جَزَعَهَ: (يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ؛ وَلَئِنْ كَانَ ذَاكَ) بغير لام، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ كما في الفرع وأصله: ”ولا كل ذلك“ بـ «لا» النَّافية، وإسقاط «كان» وزيادة «كل»، و«ذلك» باللَّام، وللكُشْمِيْهَنيِّ: ”ذاك“ بإسقاط اللَّام، أي: لا تُبالغ فيما أنت فيه مِنَ الجَزَع، ونسب هذه الكِرمانيُّ إلى بعض روايات غير البخاريِّ، وتبعه البِرماويُّ، فلم يقفا عليها‼ معزوَّةً للكُشْمِيْهَنيِّ، ولبعضهم كما في «الفتح» كـ «الكواكب»: ”ولا كان ذلك“، وكأنَّه دعا ألَّا يكون الموتُ بتلك الطعنة، أو لا يكون ما تخافه (لَقَدْ صَحِبْتَ رَسُولَ اللهِ صلعم فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ، ثُمَّ فَارَقْتَهُ) ولأبي ذَرٍّ عن(1) الحَمُّويي والمُستملي: ”ثم فارقت“ بحذف الضمير (وَهْوَ) صلعم (عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ أَبَا بَكْرٍ فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُ ثُمَّ فَارَقْتَهُ) ولأبي ذَرٍّ: ”فارقت“ (وَهْوَ) ☺ (عَنْكَ رَاضٍ، ثُمَّ صَحِبْتَ صَحَبَتَهُمْ) بفتح الصَّاد والحاء والموحَّدة، جمع صاحبٍ، ومرادُه: أصحابَ النَّبيِّ صلعم وأبو(2) بكر، قال في «الفتح»: وفيه نظرٌ؛ لأنَّه أتى(3) بصيغة الجمع موضعَ التَّثنية، واعترضه العينيُّ فقال: لا يتوجَّه النَّظر فيه أصلًا، بل الموضع موضع جمعٍ؛ لأنَّ المرادَ أصحابُ النَّبيِّ صلعم وأبي بكر، وأجاب في «الانتقاض»: بأنَّه مسلَّمٌ أنَّ «أصحاب» صيغةُ جمعٍ، لكن لم يُضِف إلى هذا الجمع إلَّا اثنان، وهو النَّبيُّ / صلعم وأبو بكرٍ، فالنَّظرُ موجَّهٌ. انتهى. وقال عياضٌ: أو تكون «صَحِبْتَ»(4) زائدة، وللمروزيِّ والجرجانيِّ كما في هامش الفرع و«اليونينيَّة»: ”ثمَّ صَحِبْتَهُم“ أي: المسلمين، وهي التي بدأ بها في «الفتح»، وعزا الرِّواية الأولى لرواية بعضِهم، ورجَّح هذِه الأخيرة عياضٌ (فَأَحْسَنْتَ صُحْبَتَهُمْ، وَلَئِنْ فَارَقْتَهُمْ لَتُفَارِقَنَّهُمْ) بالنُّون المشدَّدة (وَهُمْ عَنْكَ رَاضُونَ، قَالَ) عمرُ لابنِ عبَّاس، ولأبي ذرٍّ: ”فقال“: (أَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ رَسُولِ اللهِ صلعم ) لي (وَرِضَاهُ) عنِّي (فَإِنَّمَا ذَاكَ) ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”فإنَّ ذلك“ بإسقاط «ما» وزيادة لامٍ قبل الكاف (مَنٌّ) بفتح الميم(5) وتشديد النُّون؛ عطاءٌ (مِنَ اللهِ تَعَالَى) وفي نسخةٍ: ”جلَّ ذِكْرُه“ وسقط هذا ولفظ «تعالى» لأبي ذَرٍّ (مَنَّ بِهِ عَلَيَّ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ مِنْ صُحْبَةِ أَبِي بَكْرٍ وَرِضَاهُ؛ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مَنٌّ مِنَ اللهِ جَلَّ ذِكْرُهُ مَنَّ بِهِ عَلَيَّ) وسقط لفظ «جلَّ ذِكْره» لأبي ذَرٍّ (وَأَمَّا مَا تَرَى مِنْ جَزَعِي فَهْو مِنْ أَجْلِكَ وَأَجْلِ) ولأبي الوقت: ”ومِنْ أجل“ (أَصْحَابِكَ) ولأبي ذَرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”أُصيحابك“ بضمِّ الهمزة مصغَّرًا؛ خاف الفتنة عليهم بعدَه (وَاللهِ لَو أَنَّ لِي طِلَاعَ الأَرْضِ) بكسر الطَّاء وتخفيف اللَّام، أي: ملأَها (ذَهَبًا؛ لَافْتَدَيْتُ بِهِ مِنْ عَذَابِ اللهِ ╡ قَبْلَ أَنْ أَرَاهُ) أي: العذاب، والهمزة مفتوحة، وعند أبي حاتم من حديث ابن عبَّاس ☻ : أنَّه دخل على عمر حين طعن فقال: «أبشر يا أمير المؤمنين؛ أسلمتَ مع رسول الله صلعم حين كفر النَّاسُ، وقاتلتَ معه حين خذله النَّاس، ولم يختلف في خلافتك رجلانِ، وقُتلتَ شهيدًا، فقال: أَعِدْ، فأعاد، فقال: المغرورُ مَن غررتموه، لو أنَّ لي ما على ظهرها من بيضاء وصفراء؛ لافتديتُ به مِن هول المطلع» وإنَّما قال ذلك لغلبةِ الخوف الذي وقع له حينئذٍ مِنَ التَّقصير فيما يجبُ عليه مِن حقوق الرَّعيَّة، ومِنَ الفتنة بمدحِهِم.
          (قَالَ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) ممَّا وصله الإسماعيليُّ: (حَدَّثَنَا أَيُّوبُ) السَّختيانيُّ‼ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) عبدِ الله (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ ) أنَّه قال: (دَخَلْتُ عَلَى عُمَرَ بِهَذَا) الحديث السَّابق، ولم يذكر المِسوَر بن مَخْرمة، فيَحتملُ _كما قال في «الفتح»_ أن يكون محفوظًا عن الاثنين، ويأتي مزيدٌ لفوائد هذا الحديث إن شاء الله تعالى في آخر «مناقب عثمان» [خ¦3700].


[1] زيد في (ب) و(م): «الكُشْميهَنيِّ و».
[2] في الأصل: «وأبي» وهو سبق قلم.
[3] في (م) وهامش (ل) من نسخة: «لإتيانه».
[4] في (م): «صحبة».
[5] «الميم»: مثبتٌ من (س).