إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يا بني عبد مناف اشتروا أنفسكم من الله

          3527- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكمُ بنُ نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابنُ أبي حمزةَ قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حدَّثنا“ (أَبُو الزِّنَادِ) عبدُ الله بنُ ذكوانَ (عَنِ الأَعْرَجِ) عبدِ الرحمن (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ : أَنَّ النَّبِيَّ صلعم قَالَ)‼ حين أَنزل الله تعالى: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ}[الشعراء:214]: (يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ) بفتح الميم والنون المخفَّفة (اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ) ╡ أي: باعتبار تخليصها من العذاب، كأنَّه قال: أسلموا تسلموا من العذاب فيكون ذلك كالشراء، كأنَّهم جعلوا الطاعة ثمن(1) النجاة، وأمَّا قوله تعالى: {إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ}[التوبة:111] فمعناه: أنَّ المؤمنَ بائعٌ باعتبار تحصيل الثواب والثمنُ الجنَّةُ (يَا بَنِي عَبْدِ المُطَّلِبِ، اشْتَرُوا أَنْفُسَكُمْ مِنَ اللهِ) تعالى (يَا أُمَّ الزُّبَيْرِ بْنِ العَوَّامِ) صفيةَ بنتَ عبد المطلب (عَمَّةَ رَسُولِ اللهِ) صلعم عطفُ بيانٍ (يَا فَاطِمَةُ) الزهراءُ(2) (بِنْتَ مُحَمَّدٍ اشْتَرِيَا أَنْفُسَكُمَا مِنَ اللهِ لَا أَمْلِكُ لَكُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا) لا أدفع أو لا أنفعكم، قال تعالى: {فَهَلْ أَنتُم مُّغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللّهِ مِن شَيْءٍ}[ابراهيم:21] (سَلَانِي مِنْ مَالِي مَا شِئْتُمَا) أُعطِكما، وعند مسلمٍ وأحمدَ من رواية موسى بن طلحةَ عن أبي هريرةَ: دعا رسول الله صلعم قُريشًا، فعَمَّ وخَصَّ فقال: «يا معشرَ قُريشٍ أنقذِوا أنفسَكم مِنَ النار، يا معشرَ بني كعبٍ كذلك، يا معشر بني هاشم كذلك، يا معشر بني عبد المطلب كذلك...» الحديثَ، وعند الواقديِّ: أنَّه قَصَرَ الدعوى على بني هاشم وبني المطلب، وهم يومئذٍ خمسةٌ وأربعون رجلًا، وفي حديث عليٍّ عند ابن إسحاق من الزيادة: أنَّه صنع لهم شاةً على ثريدٍ وقَعْبِ لَبَنٍ، وأنَّ الجميعَ أكلوا من ذلك وشربوا وفضلت فضلة، وقد كان الواحدُ منهم يأتي على جميع ذلك.
          تنبيهٌ: حديثُ ابن عبَّاسٍ وأبي هريرةَ من مراسيل الصحابة، وبذلك جزم الإسماعيليُّ، لأنَّ أبا هريرة إنَّما أسلم بالمدينة، وهذه القِصَّةُ كانت بمكَّةَ، وابنُ عبَّاس كان حينئذٍ إمَّا لم يولد، وإمَّا طِفلًا، ويَحتملُ أنْ تكونَ القِصَّةُ وقعت مرَّتين، لكن الأصل خلاف ذلك، وفي حديث أبي أُمامةَ عند الطبرانيِّ قال: لمَّا نزلت: {وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ }[الشعراء:214] جمعَ رسولُ الله صلعم بني هاشمٍ ونساءَه وأهلَه فقال: «يا بني هاشم اشتروا أنفسَكم من النار، واسعَوا في فَـِكا♣ك رِقابكم، يا عائشةُ بنتَ أبي بكرٍ، يا حفصةُ بنتَ عمرَ، يا أمَّ سلمةَ...» الحديث، فهذا إن ثبت دلَّ على تعدُّد القِصَّةِ، لأنَّ القِصَّةَ الأُولى وقعت بمكَّة لتصريحه في الحديث المسوق بـ «سورة الشعراء» [خ¦4770] أنَّه صَعِد الصَّفا، ولم تكن عائشةُ وحفصةُ وأمُّ سلمةَ عندَه من أزواجه إلَّا بالمدينة، وحينئذٍ فيَحتملُ حضورُ أبي هريرةَ و(3)ابن عبَّاس، ويحتمل(4) قوله: «لمَّا نزلت...جمعَ» أي: بعدَ ذلك لا أنَّ الجَمْعَ وقعَ على الفور، قاله في «الفتح».
          ووقع هنا في رواية أبي ذرٍّ: «بابُ ابنِ أُخْتِ القومِ ومولى القومِ منهم» وقد سبقَ [خ¦61/14-5360].


[1] في (ص): «عن».
[2] «الزهراء»: ليس في (د).
[3] في غير (د): «أو».
[4] في غير (د): «ويُحمل».