إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينا أنا عند البيت بين النائم واليقظان فأتيت بطست من ذهب

          3207- وبه قال / : (حَدَّثَنَا هُدْبَةُ بْنُ خَالِدٍ) بضمِّ الهاء وسكون المهملة وفتح المُوحَّدة، القيسيُّ البصريُّ _ويُقال له: هَدَّابٌ_ قال: (حَدَّثَنَا هَمَّامٌ) بفتح الهاء وتشديد الميم الأولى، ابن يحيى بن دينارٍ العَوْذيُّ، بفتح العين المهملة(1) وسكون الواو وبالذَّال المعجمة (عَنْ قَتَادَةَ) بن دعامة.
          (وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ) أي: ابن خيَّاطٍ العصفريُّ مذاكرةً، ولفظ المتن: ”الخليفة“ وفي نسخةٍ: ”ح“؛ لتحويل السَّند ”وَقَالَ لِي خَلِيفَةُ“: (حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ) بزايٍ مضمومةٍ فراءٍ مفتوحةٍ مُصغَّرًا، العيشيُّ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدٌ) هو ابن أبي عَروبة، واسمه مهران اليشكريُّ (وَهِشَامٌ) هو الدَّستُـَوائيُّ (قَالَا: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ) قال: (حَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ) الأنصاريِّ ( ☻ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم : بَيْنَا) بغير ميمٍ (أَنَا عِنْدَ البَيْتِ) الحرام (بَيْنَ النَّائِمِ وَاليَقْظَانِ) هو محمولٌ على ابتداء الحال، ثمَّ استمرَّ يقظان في القصَّة كلِّها، وأمَّا ما وقع في رواية شريكٍ في «التَّوحيد» [خ¦7517] في آخر الحديث: «فلمَّا استيقظ» فإن قلنا بالتَّعدُّد فلا إشكال، وإلَّا حُمِل على أنَّ المراد بـ «استيقظت»: أنَّه أفاق ممَّا كان فيه من شغل البال بمشاهدة الملكوت، ورجع إلى العالم الدُّنيويِّ، وقال عبد الحقِّ في «الجمع بين الصَّحيحين»: رواية شريكٍ _أنَّه كان نائمًا_ زيادةٌ مجهولةٌ(2)، ثمَّ قال: وشريكٌ ليس بالحافظ (وَذَكَرَ) صلعم (يَعْنِي: رَجُلًا بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ) وهذا مختصرٌ أوضحته رواية مسلمٍ من طريق سعيدٍ عن قتادة بلفظ: «إذ سمعتُ قائلًا يقول: أحد الثَّلاثة بين الرَّجلين، فأتيت فانطلقوا بي» وقد ثبت أنَّ المراد بالرَّجلين: حمزة وجعفرٍ، فإنَّ النَّبيَّ صلعم كان نائمًا بينهما. وقال الكِرمانيُّ: «ثلاثة رجالٍ(3) وهم الملائكة تصوَّروا بصورة الإنسان» فليُنظَر، وسقط لغير الأَصيليِّ وأبي الوقت قوله «يعني: رجلًا» (فَأُتِيتُ بِطَسْتٍ) بضمِّ الهمزة مبنيًّا للمفعول، والطَّست، بفتح الطَّاء وسكون السِّين المهملتين مُؤنَّثٌ (مِنْ ذَهَبٍ مُلِئَ حِكْمَةً وَإِيمَانًا) بضمِّ الميم وكسر اللَّام فهمزةٍ مبنيًّا للمفعول في الماضي، كذا في الفرع وضَبْطِ(4) الدِّمياطيِّ، والتَّذكير باعتبار الإناء، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”مَلْآن“ بفتح الميم وسكون اللَّام وزيادة نونٍ بعد الهمزة، ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”مَلْأَى“ بفتح الميم وسكون اللَّام وفتح(5) الهمزة، ولعلَّه من باب‼ التَّمثيل، أو مُثِّلت له المعاني كما مُثِّلت له أرواح الأنبياء الدَّارجة بالصُّور الَّتي كانوا عليها (فَشَقَّ) المَلَك، وفي الفرع بضمِّ الشِّين للمفعول (مِنَ النَّحْرِ إِلَى مَرَاقِّ البَطْنِ) بفتح الميم وتخفيف الرَّاء بعدها ألفٌ فقافٌ مُشدَّدةٌ، وأصله: «مراقق» بقافين فأُدغِمت الأولى في الثَّانية، وهو ما سَفُل من البطن ورقَّ من جلده (ثُمَّ غُسِلَ البَطْنُ) المُقدَّس، بضمِّ الغين مبنيًّا للمفعول (بِمَاءِ زَمْزَمَ) الَّذي هو أفضل المياه على ما اختير. وهذا الشَّقُّ غير الَّذي وقع له في زمن حليمة السَّعديَّة (ثُمَّ مُلِئَ) القلب (حِكْمَةً وَإِيمَانًا، وَأُتِيتُ بِدَابَّةٍ أَبْيَضَ) لم يقل: «بيضاء» نظرًا إلى المعنى(6) أي: بمركوبٍ أبيض (دُونَ البَغْلِ وَفَوْقَ الحِمَارِ) هو (البُرَاقُِ) ويجوز جرُّه بدلًا(7) من دابَّةٍ، واشتقاقه من البرق لسرعة مشيه، وكان الأنبياء يركبونه (فَانْطَلَقْتُ مَعَ جِبْرِيلَ حَتَّى أَتَيْنَا(8) السَّمَاءَ الدُّنْيَا) لم يذكر مجيئه لبيت المقدس كما في التَّنزيل: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى}[الإسراء:1] وليس صعوده إلى السَّماء كان على البراق، بل نُصِب له المعراج فرقي فيه(9) كما سيأتي _إن شاء الله تعالى_ ولعلَّ الرَّاوي اختصر(10)، أو وقع تعدُّد المعراج (قِيلَ: مَنْ هَذَا؟) ولأبي ذرٍّ: ”فلمَّا جئت إلى السَّماء الدُّنيا قال جبريل لخازن السَّماء: افتح. قال: من هذا؟“ (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”قيل“: (جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ) ولأبي الوقت: ”قال“: (مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ) للعروج به إلى السَّموات؟ (قَالَ) جبريل: (نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ) أي: لقي رحبًا وسعةً (وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ) قال المظهريُّ: المخصوص بالمدح محذوفٌ، وفيه تقديمٌ وتأخيرٌ تقديره: جاء فَنِعْمَ المجيءُ مجيئُه. وقال في «التَّوضيح»: فيه شاهدٌ على جواز الاستغناء بالصِّلة عن الموصول في «نِعْمَ» إذ التَّقدير: نِعْمَ المجيءُ الَّذي جاءه (فَأَتَيْتُ عَلَى آدَمَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّانِيَةَ / ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ: جِبْرِيلُ، قِيلَ: مَنْ) وللأصيليِّ: ”ومن“ (مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ صلعم ) سقطت التَّصلية لغير أبي ذرٍّ (قِيلَ: أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ) جبريل: (نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى عِيسَى وَيَحْيَى) ابني الخالة (فَقَالَا: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الثَّالِثَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ(11): جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قَالَ: مُحَمَّدٌ، قِيلَ) ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”قال“: (وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ) جبريل: (نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْتُ يُوسُفَ) ولأبي ذرٍّ: ”فأتيت على يوسف“ (فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ) سقط لأبي ذرٍّ لفظ «عليه» (قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال“: (مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَأَتَيْنَا(12) السَّمَاءَ الرَّابِعَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ) ولأبي ذرٍّ: ”قال“: (جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ(13): مُحَمَّدٌ صلعم ) سقطت التَّصلية لغير أبي ذرٍّ (قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قِيلَ(14): نَعَمْ. قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ) ولأبي ذرٍّ: ”ونِعْمَ“ (المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِدْرِيسَ فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ: مَرْحَبًا(15) مِنْ) ولابن‼ عساكر وأبي الوقت: ”مرحبًا بك من“ (أَخٍ وَنَبِيٍّ) خاطبه بلفظ الأخوَّة وإن كان المناسب لفظ النُّبوَّة، تلطفًّا وتأدُّبًا، والأنبياء إخوةٌ (فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ الخَامِسَةَ، قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”قيل“: (جِبْرِيلُ. قِيلَ: وَمَنْ مَعَكَ؟) بالواو (قِيلَ: مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قِيلَ: مَرْحَبًا بِهِ، وَلَنِعْمَ المَجِيءُ جَاءَ. فَأَتَيْنَا عَلَى هَارُونَ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ) سقط لأبي ذرٍّ لفظ «عليه» (فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ، فَأَتَيْنَا عَلَى السَّمَاءِ السَّادِسَةِ. قِيلَ: مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيْلَ) وفي نسخةٍ: ”قال“: (مُحَمَّدٌ صلعم ) سقطت التَّصلية لأبي ذرٍّ (قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ؟(16) مَرْحَبًا بِهِ) سقط «قال: نعم، قيل» (وَلَنِعْمَ) ولأبي ذرٍّ: ”نِعْمَ“ (المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى مُوسَى فَسَلَّمْتُ(17)، فَقَالَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”فسلَّمت عليه، فقال“: (مَرْحَبًا بِكَ مِنْ أَخٍ وَنَبِيٍّ. فَلَمَّا جَاوَزْتُ) بحذف الضَّمير المنصوب (بَكَى) شفقةً على قومه حيث لم ينتفعوا بمتابعته انتفاع هذه الأمَّة بمتابعة نبيِّهم، ولم يبلغ سوادهم مبلغ(18) سوادهم (فَقِيلَ: مَا أَبْكَاكَ؟ قَالَ: يَا رَبِّ، هَذَا الغُلَامُ الَّذِي بُعِثَ بَعْدِي يَدْخُلُ الجَنَّةَ مِنْ أُمَّتِهِ أَفْضَلُ مِمَّا يَدْخُلُ مِنْ أُمَّتِي) أشار إلى تعظيم شأن(19) نبيِّنا ومنَّة الله تعالى عليه حيث أتحفه بتحف الكرامات، وخصوص(20) الزُّلفى والهبات، من غير طول عمر أفناه مجتهدًا في الطَّاعات، والعرب تسمِّي الرَّجل المستجمع السِّنَّ غلامًا ما دامت فيه بقيَّةٌ من القوَّة، فالمراد: استقصار مدَّته مع استكثار فضائله واستتمام سواد أمَّته (فَأَتَيْنَا السَّمَاءَ السَّابِعَةَ، قِيلَ مَنْ هَذَا؟ قِيلَ: جِبْرِيلُ. قِيلَ: مَنْ مَعَكَ؟ قِيلَ(21): مُحَمَّدٌ. قِيلَ: وَقَدْ أُرْسِلَ إِلَيْهِ(22)؟ مَرْحَبًا بِهِ) سقط هنا أيضًا «قال: نعم، قيل»: (وَنِعْمَ) بغير لامٍ، ولأبي ذرٍّ: ”وَلَنِعْمَ“ (المَجِيءُ جَاءَ، فَأَتَيْتُ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، فَسَلَّمْتُ) زاد أبو ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”عليه“ (فَقَالَ: مَرْحَبًا بِكَ مِنِ ابْنٍ وَنَبِيٍّ) سقط لفظ «بك» من بعض النُّسخ، كذا وقع هنا أنَّه رأى إبراهيم في السَّابعة. وفي أوَّل «كتاب الصَّلاة» [خ¦349]: في السَّادسة، فإن قيل بتعدُّد الإسراء فلا إشكال، وإلَّا فيحتمل أن يكون رآه في السَّادسة ثمَّ ارتقى هو أيضًا إلى السَّابعة (فَرُفِعَ) بضمِّ الرَّاء، أي(23): كُشِف (لِيَ) وقرب منِّي(24) (البَيْتُ المَعْمُورُ) المُسمَّى بالضُّرَاح _بضمِّ الضَّاد المُعجَمة وتخفيف الراء آخره حاءٌ مُهمَلةٌ_ حيال الكعبة، وعمارته بكثرة من يغشاه من الملائكة (فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ) أي: عنه (فَقَالَ: هَذَا البَيْتُ المَعْمُورُ، يُصَلِّي فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ، إِذَا خَرَجُوا لَمْ يَعُودُوا إِلَيْهِ آخِرَُ مَا عَلَيْهِمْ) بنصب «آخر» على الظَّرفيَّة، أو بالرَّفع بتقدير: ذلك آخرُ ما عليهم من دخوله (وَرُفِعَتْ لِي(25) سِدْرَةُ المُنْتَهَى) أي: كُشِف لي عنها، وقربت منِّي السِّدرة الَّتي ينتهي إليها ما يهبط‼ من فوقها وما يصعد من تحتها من أمر الله (فَإِذَا نَبِقُهَا) بفتح النُّون وكسر المُوحَّدة (كَأَنَّهُ قِلَالُ هَجَرَ) بكسر القاف جمع قُلَّةٍ، و«هَجَر» بفتحاتٍ لا ينصرف. وفي الفرع صرفُه (وَوَرَقُهَا كَأَنَّهُ آذَانُ الفُيُولِ) بضمِّ الفاء، جمع فيلٍ: الحيوان المشهور، أي: في الشَّكل لا في المقدار (فِي أَصْلِهَا أَرْبَعَةُ أَنْهَارٍ: نَهْرَانِ بَاطِنَانِ، وَنَهْرَانِ ظَاهِرَانِ، فَسَأَلْتُ جِبْرِيلَ) عنها (فَقَالَ: أَمَّا البَاطِنَانِ فَفِي الجَنَّةِ) نقل النَّوويُّ عن مقاتلٍ: أنَّ الباطنين: السَّلسبيل والكوثر (وَأَمَّا الظَّاهِرَانِ النِّيلُ / وَالفُرَاتُ) يخرجان من أصلها، ثمَّ يسيران حيث شاء(26) الله، ثمَّ يخرجان من الأرض ويجريان فيها (ثُمَّ فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً. فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جِئْتُ مُوسَى. فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: فُرِضَتْ عَلَيَّ خَمْسُونَ صَلَاةً. قَالَ: أَنَا أَعْلَمُ بِالنَّاسِ مِنْكَ، عَالَجْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَشَدَّ المُعَالَجَةِ) قال التُّورِبشتيُّ: أي: مارستهم ولقيت الشِّدَّة فيما أردتُ منهم(27) من الطَّاعة، والمُعالَجة مثل: المُزاوَلة والمُحاوَلة (وَإِنَّ أُمَّتَكَ لَا تُطِيقُ) ذلك، ولم يقل: إنَّك وأمَّتك لا تطيقون، لأنَّ العجز مقصورٌ على الأمَّة لا يتعدَّاهم إلى النَّبيِّ صلعم ، فهو لِمَا رزقه الله من الكمال يطيق أكثر من ذلك، وكيف لا؟ وقد جُعِلت قرَّة عينه في الصَّلاة (فَارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ) أي: إلى الموضع الَّذي ناجيت فيه ربَّك (فَسَلْهُ) أي: التَّخفيف (فَرَجَعْتُ فَسَأَلْتُهُ) أي: التَّخفيف (فَجَعَلَهَا أَرْبَعِينَ) أي: صلاة (ثُمَّ) قال موسى (مِثْلَهُ) أي: ما تقدَّم من المراجعة وسؤال التخفيف (ثُمَّ) جعلها الله تعالى (ثَلَاثِينَ) صلاةً (ثُمَّ) قال موسى أيضًا (مِثْلَهُ، فَجَعَلَـ)ـهَا الله تعالى (عِشْرِينَ) صلاةً (ثُمَّ) قال موسى (مِثْلَهُ، فَجَعَلَـ)ـهَا الله تعالى (عَشْرًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ مِثْلَهُ، فَجَعَلَهَا خَمْسًا، فَأَتَيْتُ مُوسَى فَقَالَ: مَا صَنَعْتَ؟ قُلْتُ: جَعَلَهَا) سبحانه وتعالى (خَمْسًا. فَقَالَ: مِثْلَهُ، قُلْتُ: سَلَّمْتُ) بتشديد اللَّام، من التَّسليم، أي: سلَّمت فلم أراجعه تعالى، لأنِّي استحييت منه جلَّ وعلا. وزاد في غير رواية أبي ذرٍّ هنا(28): ”بخيرٍ“ (فَنُودِيَ) من قِبَل الله تعالى: (إِنِّي) بكسر الهمزة (قَدْ أَمْضَيْتُ) أي(29): أنفذت (فَرِيضَتِي) بخمس صلواتٍ (وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي) من خمسين إلى خمسٍ (وَأَجْزِي الحَسَنَةَ عَشْرًا) ثواب كلِّ صلاةٍ عشرًا، وفيه: دليلٌ على جواز النَّسخ قبل الوقوع، وأنكره أبو جعفرٍ النَّحَّاس لأنَّ ذلك من البَدَاء، وهو محالٌ على الله تعالى، ولأنَّ النَّسخ وإن جاز قبل العمل عند من يراه فلا يجوز قبل وصوله إلى المخاطبين، فهو شفاعةٌ شفعها ╕ ، لا نسخٌ(30). وأُجيب بأنَّ النَّسخ إنَّما وقع فيما وجب على الرَّسول(31) من التَّبليغ، وبأنَّ الشَّفاعة لا تنفي النَّسخ فقد تكون‼ سببًا له، أو أنَّ(32) هذا كان خبرًا لا تعبُّدًا فلا يدخله النَّسخ، ومعناه: أنَّه تعالى أخبر رسوله ╕ أنَّ على أمَّته خمسين صلاةً في اللَّوح المحفوظ، ولذا قال في الحديث في روايةٍ: «هي خمسٌ وهي(33) خمسون، والحسنة بعشر أمثالها» فتأوَّله ◙ على أنَّها خمسون بالفعل، فلم يزل يراجع ربَّه حتَّى بيَّن له أنَّها في الثَّواب(34) لا بالعمل(35).
          (وَقَالَ هَمَّامٌ) بالإسناد السَّابق _بتشديد الميم الأولى_ ابن يحيى العوذيُّ(36): (عَنْ قَتَادَةَ) بن دعامة (عَنِ الحَسَنِ) البصريِّ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ عَنِ النَّبِيِّ صلعم : فِي البَيْتِ المَعْمُورِ) يريد: أنَّ سعيد بن أبي عَروبة وهشامًا الدَّستُـَوائيَّ أدرجا قصَّة البيت المعمور في قصَّة الإسراء، والصَّواب: رواية همَّامٍ هذه، حيث فَصَلها من قصَّة الإسراء، لكن قال يحيى بن معينٍ: لم يصحَّ للحسن سماعٌ من أبي هريرة.


[1] «المهملة»: ليس في (د).
[2] في (م): «مجهولٍ».
[3] في (ص) و(م): «الثَّلاثة رجالٍ».
[4] في غير (ب) و(س): «وضبطه».
[5] في (د): «وبفتح».
[6] في (ص): «للمعنى».
[7] في (ص) و(م): «بدلٌ».
[8] زيد في (م): «إلى»، وليس في «اليونينيَّة».
[9] في (ب) و(س): «عليه».
[10] في (ب) و(س): «اقتصر»، وفي (د): «اختصره».
[11] في (ص) و(م): «قال» والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[12] زيد في (م): «إلى» وليس في «اليونينيَّة».
[13] في (م): «قال».
[14] في (ب) و(س): «قال» والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[15] زيد في (ب) و(س): «به»، وفي (م): «بك» وليس في «اليونينيَّة».
[16] زيد في (د): «قال: نعم».
[17] «فَسَلَّمْتُ»: مثبتٌ من (د) وكذا في «اليونينيَّة».
[18] «مبلغ»: ليس في (ص).
[19] في (م): «أمر».
[20] «وخصوص»: ليس في (د).
[21] في (م): «قال» والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[22] زيد في (د): «قال: نعم، قيل».
[23] «أي»: ليس في (د).
[24] زيد في (د): «إليَّ».
[25] في (م): «إلى» وهو تحريفٌ.
[26] في (م): «يشاء».
[27] في (م): «عنهم».
[28] «هنا»: ليس في (م).
[29] «أي»: ليس في (ص) و(م).
[30] في غير (ب) و(س): «نسخًا» ولعلَّ المثبت هو الصَّواب.
[31] في (م): «الرُّسل».
[32] في (د) و(م): «وأنَّ».
[33] في (د): «وهنَّ».
[34] في (د): «بالثَّواب».
[35] في (ص): «في العمل».
[36] «العوذيُّ»: ليس في (د).