إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من كذب علي فليتبوأ مقعده من النار

          107- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو الوَلِيدِ) هشام بن عبد الملك الطَّيالسيُّ البصريُّ (قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ) ابن الحجَّاج (عَنْ جَامِعِ بْنِ شَدَّادٍ) المحاربيِّ الكوفيِّ الثِّقة، المُتوفَّى سنة ثمانِ عشْرةَ ومئةٍ (عَنْ عَامِرِ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ الزُّبَيْرِ) بن العوَّام الأسديِّ القرشيِّ، اشترى نفسه من الله ستَّ مرَّاتٍ، المُتوفَّى سنة أربعٍ وعشرين ومئةٍ (عَنْ أَبِيهِ) عبد الله بن الزُّبَيْر الصَّحابيِّ، أوَّل مولودٍ وُلِدَ في الإسلام للمهاجرين بالمدينة، وكان أطلسَ لا لحيةَ له، وتُوفِّيَ سنة اثنتين وسبعين، أنَّه (قَالَ: قُلْتُ لِلزُّبَيْرِ) بن العوَّام؛ بتشديد الواو، حواريِّ رسول الله صلعم ، وأحد العشرة المُبشَّرة(1) بالجنَّة، المُتوفَّى بوادي السِّباع بناحية البصرة سنة ستٍّ وثلاثين، بعد منصرفه من وقعة الجمل، وله في «البخاريِّ» تسعة(2) أحاديث: (إِنِّي لَا أَسْمَعُكَ تُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم كَمَا يُحَدِّثُ فُلَانٌ وَفُلَانٌ) أي: كتحديث فلانٍ وفلانٍ، وسمَّى منهما في رواية ابن ماجه: عبد الله ابن مسعود (قَالَ) أي: الزُّبَيْر: (أَمَا) بفتح الهمزة وتخفيف الميم: حرف استفتاحٍ ولذا كُسِرَت همزة «إنَّ» بعدها في قوله: (إِنِّي لَمْ أُفَارِقْهُ) صلعم ، زاد الإسماعيليُّ: ”منذ أسلمت“ والمُرَاد: المُفَارَقة العرفيَّة الصَّادقة بأغلب الأحوال(3)، وإلَّا فقد هاجر إلى الحبشة ولم يكن مع النَّبيِّ صلعم في حال هجرته إلى المدينة، لكن أُجِيب عن هجرة الحبشة: بأنَّها كانت‼ قبل ظهور شوكة الإسلام، أي: ما فارقته عند ظهور شوكته (وَلَكِنْ) وللأَصيليِّ / وابن عساكر وأبي ذَرٍّ والحَمُّويي: ”ولكنِّي“ وفي روايةٍ ممَّا ليس في «اليونينيَّة»: ”ولكنَّني“ إذ يجوز في «إنَّ» وأخواتها إلحاق نون الوقاية بها وعدمه (سَمِعْتُهُ) صلعم (يَقُولُ: مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ فَلْـِـيَتَبَوَّأْ) بكسر اللَّام على الأصل، وبسكونها على المشهور، و«مَنْ»: موصولٌ متضمِّنٌ معنى الشَّرط، والتَّالي صلته، و«فليتبوَّأْ» جوابه، أمرٌ مِنَ التَّبوُّء، أي: فَلْيَتَّخِذْ (مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ) أي: فيها، والأمر هنا معناه الخبر، أي: أنَّ الله تعالى يبوِّئه مقعده من النَّار، أو أمرٌ على سبيل التَّهكُّم والتَّغليظ، أو أمر تهديدٍ، أو دعاءٌ على معنى: بوَّأه الله، وإنَّما خشيَ الزُّبَيْر من الإكثار أن يقع في الخطأ وهو لا يشعر لأنَّه وإن لم يأثم بالخطأ لكن(4) قد يأثم بالإكثار؛ إذِ الإكثار مظنَّة الخطأ، والثِّقة إذا حدَّث بالخطأ فَحُمِلَ عنه وهو لا يشعر أنَّه خطأٌ يُعمَل به على الدَّوام للوثوق بنقله، فيكون سببًا للعمل بما لم يقله الشَّارع، فمن خشيَ من الإكثار الوقوع في الخطأ لا يُؤمَن عليه الإثمُ إذا تعمَّد الإكثار، فمن ثمَّ توقَّف الزُّبير وغيره من الصَّحابة عن الإكثار من التَّحديث، وأمَّا من أكثر منهم فمحمولٌ على أنَّهم كانوا واثقين من أنفسهم بالتَّثبُّت، أو طالت أعمارهم فاحتِيج إلى ما عندهم، فسُئلوا فلم يُمْكِنْهُمُ الكتمانُ، قاله الحافظ ابن حجرٍ.


[1] في غير (د) و(س): «المُبشَّرين».
[2] في (ب) و(ص): «سبعة»، وهو خطأٌ.
[3] في (ب) و(س): «الأوقات».
[4] في (ب) و(س): «لكنَّه».