إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ما جاء في العلم وقوله تعالى: {وقل رب زدني علمًا}

           ░6▒ (بابُ مَا جَاءَ فِي العِلْمِ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا }[طه:114]) أي: سلِ الله تعالى زيادة العلم، وهذا ساقطٌ في رواية ابن عساكر والأَصيليِّ وأبوي ذَرٍّ والوقت، والباب التَّالي له(1) ساقطٌ عند الأَصيليِّ وأبي ذرٍّ وابن عساكر(2).
          (بابٌ: القِرَاءَةُ وَالعَرْضُ عَلَى المُحَدِّثِ) وفي نسخةٍ: ”القراءة والعرض على المحدِّث“ بحذف «الباب» أي(3): بأن يقرأ عليه الطَّالب من حفظه أو كتابٍ، أو يسمعه عليه بقراءة غيره من كتابٍ أو حفظٍ، والمحدِّث / حافظٌ للمقروء أو غير حافظٍ، لكن مع تتبُّع أصله بنفسه أو ثقةٍ ضابطٍ غيره، واحتُرِز به عن عرض المُناوَلَة؛ وهو العاري عن القراءة، وصورته أن يعرض الطَّالب مرويَّ شيخه اليقظ العارف عليه، فيتأمَّله الشَّيخ ثمَّ يعيده إليه(4) ويأذن له في روايته عنه (وَرَأَى الحَسَنُ) البصريُّ (وَ) سفيان (الثَّورِيُّ وَمَالِكٌ) أي: ابن أنسٍ إمام الأئمَّة (القِرَاءَةَ) على المحدِّث (جَائِزَةً) في صحَّة النَّقل عنه؛ خلافًا لأبي عاصمٍ النَّبيل، وعبد الرَّحمن بن سلامٍ الجُمَحِيِّ، ووكيعٍ، والمُعتمَد الأوَّل، بل صرَّح القاضي عياضٌ بعدم الخلاف في صحَّة الرِّواية بها، وقد كان الإمام مالكٌ يأبى أشدَّ الإباء على المخالف، ويقول: كيف لا يجزيك هذا في الحديث ويجزيك في القرآنِ، والقرآنُ أعظم؟! وقال بعض أصحابه: صحبته سبع عشرة سنةً، فما رأيته قرأ «المُوطَّأ» على أحدٍ، بل يقرؤون عليه، وفي رواية غير الأَصيليِّ وأبي الوقت وابن عساكر: (قَالَ أَبُو عَبدِ اللهِ) أي: المؤلِّف(5) (سَمِعتُ أَبَا عَاصِمٍ يَذْكُرُ عَن سُفْيانَ الثَّورِيِّ وَمَالكٍ) الإمام(6) (أَنَّهُما كانا يَرَيانِ القِراءَةَ والسَّماعَ جائِزًا) وفي رواية أبي ذَرٍّ: ”جائزةً“ أي: القراءة؛ لأنَّ السَّماع لا نزاعَ فيه، ولغير أبي ذَرٍّ: (حدَّثنا عُبَيدُ اللهِ بنُ مُوسَى عن سُفْيانَ قالَ: إذا قُرِئَ عَلَى المُحَدِّثِ فَلا بأسَ أَنْ يَقُولَ: حدَّثني) _بالإفراد_ (وَسمعتُ)(7).
          (وَاحْتَجَّ بَعْضُهُمْ) هو الحميديُّ شيخ المؤلِّف، أو أبو سعيدٍ الحدَّاد، كما في «المعرفة» للبيهقيِّ من طريق ابن خزيمة (فِي القِرَاءَةِ عَلَى العَالِمِ) أي: في صحَّة النَّقل عنه (بِحَدِيثِ ضِمَامِ بْنِ ثَعْلَبَةَ) بكسر الضَّاد المُعجَمَة، و«ثعلبة»: بالمُثلَّثة ثمَّ المُهمَلَة وبعد اللَّام مُوحَّدةٌ، زاد في رواية الأَصيليِّ وأبي ذَرٍّ: ”أنَّه“ وسقطت لغيرهما كما في فرع «اليونينيَّة» كهي(8) (قَالَ لِلنَّبِيِّ صلعم : آللهُ) بهمزة الاستفهام مرفوعٌ مبتدأٌ، خبره قوله: (أَمَرَكَ أَنْ) أي: بأن (تُصَلِّيَ) بالمُثنَّاة الفوقيَّة، وفي فرع «اليونينيَّة» كهي(9): ”أن نصلِّي“ بنون الجمع (الصَّلَوَاتِ؟) وفي رواية أبوي الوقت وذَرٍّ عن الكُشْمِيهَنيِّ: ”الصَّلاة“ بالإفراد (قَالَ) صلعم : (نَعَمْ) أمرنا أن نصلِّيَ، قال الحميديُّ: (فَهَذِهِ قِرَاءَةٌ عَلَى النَّبِيِّ صلعم ) وفي رواية الأَصيليِّ كما في الفرع: ”فهذه قراءةٌ على العالِم“ (أَخْبَرَ ضِمَامٌ قَوْمَهُ بِذَلِكَ، فَأَجَازُوهُ) أي: قبلوه من ضِمَامٍ، وليس في الرِّواية الآتية [خ¦63] من حديث أنسٍ في قصَّته أنَّه أخبر قومه بذلك. نعم؛ رُوِيَ ذلك من طريقٍ أخرى(10) عند أحمد من حديث ابن عبَّاسٍ قال: بعث بنو سعد بن بكرٍ ضمامَ بن ثعلبة... الحديثَ، وفيه: أنَّ ضِمَامًا قال لقومه عندما رجع إليهم: إنَّ الله قد بعث رسولًا، وأنزل عليه كتابًا، وقد جئتكم من عنده بما أمركم به ونهاكم عنه، قال: فوالله ما أمسى من ذلك اليوم وفي حاضره رجلٌ ولا امرأةٌ إلَّا مسلمًا.
          (وَاحْتَجَّ مَالِكٌ) الإمام (بِالصَّكِّ) بفتح المُهمَلَة وتشديد الكاف: الكتاب، فارسيٌّ مُعرَّبٌ، يُكتَب فيه إقرار المقرِّ (يُقْرَأُ عَلَى القَوْمِ) بضمِّ المُثنَّاة التَّحتيَّة مبنيًّا للمفعول (فَيَقُولُونَ) أي: الشَّاهدون لا القوم؛ لأنَّ المُرَاد منهم من يعطي الصَّكَّ، وهم المقرُّون بالدُّيون أو غيرها، فلا يصحُّ لهم أن يقولوا(11): (أَشْهَدَنَا فُلَانٌ وَيُقْرَأُ) بضمِّ المُثنَّاة التَّحتيَّة مبنيَّا للمفعول(12) (ذَلِكَ قِرَاءَةً عَلَيْهِمْ) أي: والحال أنَّ ذلك بصيغة القراءة لا بصيغة الإقرار(13) وفي رواية أبوي ذَرٍّ والوقت(14): ”وإنَّما ذلك قراءة عليهم“ فتسوغ الشَّهادة عليهم بقولهم: «نعم» بعد قراءة المكتوب عليهم مع عدم تلفُّظهم بما هو مكتوبٌ، قال ابن بطَّالٍ: وهذه حجَّةٌ قاطعةٌ لأنَّ الإشهاد أقوى حالات الإخبار (وَيُقْرَأُ) بضمِّ أوَّله أيضًا (عَلَى المُقْرِئِ) المعلِّم للقرآن (فَيَقُولُ القَارِئُ) عليه: (أَقْرَأَنِي فُلَانٌ) روى الخطيب البغداديُّ في «كفايته» من طريق ابن وهبٍ قال: سمعت مالكًا ☼ وقد سُئِل عنِ الكتب التي تُعرَض: أيقول الرَّجل: حدَّثني؟ قال: نعم، كذلك القرآن، أليس الرَّجل يقرأ على الرَّجل فيقول: أقرأني فلانٌ؟ فكذلك إذا قرأ على العالم؛ صحَّ أن يرويَ عنه. انتهى.
          وبالسَّند السَّابق إلى المؤلِّف قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَامٍ) بتخفيف اللَّام، البيكنديُّ قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الحَسَنِ) بفتح الحاء؛ ابن عمران (الوَاسِطِيُّ) قاضيه، المُتوفَّى سنة تسعٍ وثمانين ومئةٍ، وليس له في «البخاريِّ» غير هذا (عَنْ عَوْفٍ) بفتح العين آخره فاءٌ(15) هو ابن أبي جميلة الأعرابيُّ (عَنِ الحَسَنِ) البصريِّ أنَّه (قَالَ: لَا بَأْسَ) في صحَّة النَّقل عن المحدِّث (بِالقِرَاءَةِ عَلَى العَالِمِ) أي: الشَّيخ. /
          وبه قال المؤلِّف: «حدَّثنا عبيد الله»(16) زاد في غير(17) رواية أبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر(18) ما هو ثابتٌ في فرع «اليونينيَّة» لا(19) في أصلها إلَّا في الهامش، وفوقه (هـ س ط)(20)، (وَأَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ الفَـِرَبْرِيُّ، وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ البُخَارِيُّ قَالَ(21): حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ) بضمِّ العين وفتح المُوحَّدة مُصغَّرًا (ابْنُ مُوسَى) بن باذام العبسيُّ، بالمُهمَلَتين (عَنْ سُفْيَانَ) الثَّوريِّ أنَّه (قَالَ: إِذَا قُرِئَ) بضمِّ القاف وكسر الرَّاء، وللأَصيليِّ وابن عساكر: ”إذا قرأت“ وفي رواية أبي الوقت: ”إذا قرأ“ (عَلَى المُحَدِّثِ فَلَا بَأْسَ) على القارئ (أَنْ يَقُولَ: حَدَّثَنِي) كما جاز أن يقول: «أخبرني» (قَالَ) أي: المؤلِّف: (وَسَمِعْتُ) وفي رواية ابن عساكر(22): ”قال أبو عبد الله: سمعت“ بغير واوٍ (أَبَا عَاصِمٍ) هو الضَّحَّاك بن مخلدٍ الشَّيبانيُّ البصريُّ النَّبِيْل؛ بفتح النُّون وكسر المُوحَّدة وسكون المُثنَّاة التَّحتيَّة، المُتوفَّى في ذي الحجَّة سنة اثنتي عشْرةَ ومئتين (يَقُولُ: عَنْ مَالِكٍ) إمام دار الهجرة (وَ) عن (سُفْيَانَ) الثَّوريِّ: (القِرَاءَةُ عَلَى العَالِمِ وَقِرَاءَتُهُ سَوَاءٌ) في صحَّة النَّقل وجواز الرِّواية. نعم؛ استحبَّ مالكٌ القراءة على الشَّيخ، وروى عنه الدَّارقطنيُّ: أنَّها أَثْبَتُ من قراءة العالِم، والجمهور على أنَّ قراءة الشَّيخ أرجح من قراءة الطَّالب عليه، وذهب آخرون إلى أنَّهما سواءٌ، كما تقدَّم من(23) مذهب المؤلِّف ومالك وغيرهما(24).


[1] في (ص): «وتاليه».
[2] «وأبي ذرٍّ وابن عساكر»: سقط من (م).
[3] «بحذف الباب أي»: سقط من (ص).
[4] في (ب) و(س): «عليه».
[5] قوله: «أي: المؤلف» سقط من (ص).
[6] «الإمام»: ليس في (م).
[7] قوله: «ولغير أبي ذَرٍّ: حدَّثنا عبيد الله بن موسى... أن يقول: حدَّثني _بالإفراد_ وسمعت» سقط من (ص).
[8] «كهي»: سقط من (ص).
[9] «كهي»: سقط من (ص).
[10] في (س): «آخر».
[11] قوله: «أي: الشَّاهدون لا القوم؛ لأنَّ المُرَاد... فلا يصحُّ لهم أن يقولوا»، سقط من (ص) و(م).
[12] قوله: «بضمِّ المُثنَّاة التَّحتيَّة، مبنيَّا للمفعول»، سقط من (س).
[13] قوله: «أي: والحال أنَّ ذلك بصيغة القراءة لا بصيغة الإقرار»، سقط من (س).
[14] «أبوي ذَرٍّ والوقت»: سقط من (ص).
[15] قوله: «بفتح العين، آخره فاءٌ»، سقط من (ص) و(م).
[16] قوله: «وبه قال المؤلِّف: حدَّثنا عبيد الله»، سقط من (م).
[17] «غير»: سقط من (س).
[18] قوله: «زاد في غير رواية أبوي ذَرٍّ والوقت وابن عساكر»، سقط من (ص).
[19] «لا»: سقط من (ص).
[20] قوله: «ما هو ثابتٌ في فرع اليونينيَّة لا في أصلها إلَّا في الهامش، وفوقه هـ س ط»، سقط من (م).
[21] في (ص): «و».
[22] «ابن عساكر»: سقط من (س).
[23] في (ب) و(س): «عن».
[24] «ومالك وغيرهما»: سقط من (ص).