إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب فضل العلم

          ( ╖ ) كذا في رواية الأَصيليِّ وكريمة، وفي رواية أبي ذرٍّ وغيره: ثبوتها قبل «كتاب».
           ░1▒ (باب فَضْلِ العِلْمِ) وكِلَا ”كتاب العلم“ و”باب فضل العلم“ ثابتٌ عند ابن عساكر(1) (وَقَوْلِ اللهِ تَعَالَى) وفي رواية أبي ذَرٍّ: ” ╡ “ و«قول»: بالجرِّ عطفًا على المُضَاف إليه في قوله: «باب فضلِ العلمِ» على رواية من أثبت «الباب»، أو على «العِلْم» في قوله: «كتاب العلم»، على رواية من حذفه، وقال الحافظ ابن حجرٍ: ضبطناه في الأصول بالرَّفع على الاستئناف، وتعقَّبه العينيُّ، فقال: إن أراد بالاستئناف الجواب عن السُّؤال فذا لا يصحُّ؛ لأنَّه ليس في الكلام ما يقتضي هذا، وإن أراد ابتداء الكلام فذا أيضًا لا يصحُّ؛ لأنَّه على تقدير الرَّفع لا يتأتَّى الكلام؛ لأنَّ قوله: «وقولِ الله» ليس بكلامٍ، فإذا رُفِعَ لا يخلو: إمَّا أن يكون رفعه بالفاعليَّة، أو بالابتداء، وكلٌّ منهما لا يصحُّ؛ أمَّا الأوَّل فواضحٌ، وأمَّا الثَّاني فلعدم الخبر، فإن قلت: الخبر محذوفٌ، قلت: حذف الخبر لا يخلو إمَّا أن يكون جوازًا أو وجوبًا؛ فالأوَّل: فيما إذا قامت قرينةٌ كوقوعه(2) في جواب الاستفهام عن المُخبَر به، أو بعد «إذا» الفجائيَّة، أو يكون الخبر فعل قولٍ، وليس شيءٌ من ذلك ههنا، والثَّاني: فيما إذا التزم في موضعه غيره، وليس هذا أيضًا كذلك، فتعيَّن بطلان دعوى الرَّفع (▬يَرْفَعُ↨) برفع ▬يرفع↨ في الفرع، والتِّلاوة بالكسر للسَّاكنين، وأصلحها في «اليونينيَّة» بكشط الرَّفع وإثبات الكسر ({ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ }) بالنَّصر، وحُسْن الذِّكر في الدُّنيا، وإيوائِكم غُرَفَ الجنان في الآخرة ({وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ }) منصوبٌ بالكسر مفعول {يَرْفَعِ } أي: ويرفعِ العلماءَ منكم(3) خاصَّةً درجاتٍ؛ بما جمعوا من العلم والعمل، قال ابن عبَّاسٍ: للعلماء درجاتٌ(4) فوق المؤمنين بسبع مئة درجةٍ، ما بين الدَّرجتين مسيرة خمسِ مئةِ عامٍ ({وَاللهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ }[المجادلة:11]) تهديدٌ لمن لم يمتثلِ الأمر أو استكرهه (وَقَوْلِهِ ╡ : {رَّبِّ }) وللأَصيليِّ: ”{وَقُل رَّبِّ }“ ({زِدْنِي عِلْمًا }[طه:114]) أي: سَلْهُ الزِّيادة منه، واكتفى المصنِّف في بيان فضيلة العلم بهاتين الآيتين؛ لأنَّ القرآنَ العظيم أعظمُ الأدلَّة، أو لأنَّه لم يقع له حديثٌ من هذا النَّوع على شرطه، أو اخترمته المنيَّة قبل أن يُلْحِقَ بالباب حديثًا يناسبه؛ لأنَّه كَتَبَ الأبواب والتَّراجم، ثمَّ كان يُلْحِقُ فيها ما يناسبها من الحديث على شرطه، فلم يقع له شيءٌ من ذلك، ولو لم يكن من فضيلة العلم إِلَّا آية { شَهِدَ اللّهُ }[آل عمران:18] فبدأ الله تعالى بنفسه، وثَنَّى بملائكته، وثَلَّثَ بأهل العلم، وناهيك بهذا شرفًا، و«العلماء ورثة الأنبياء» كما ثبت في الحديث [خ¦3/10-123] وإذا كان لا رتبة فوق النُّبوَّة فلا شرف فوق شرف الوراثة لتلك الرُّتبة، وغايةُ العلمِ العملُ؛ لأنَّه ثمرتُه وفائدةُ العمر وزادُ الآخرة، فمن ظفر به سَعِد، ومن فاته خَسِر، فإذًا: العلم أفضل من العمل به؛ إذ(5) شرفه بشرف معلومه، والعمل بلا علمٍ لا يُسمَّى عملًا، بل هو ردٌّ وباطلٌ، وينقسم العلم بانقسام المعلومات، وهي لا تُحصَى:
          فمنها العلم(6) الظَّاهر، والمُرَاد به العلم الشَّرعيُّ المُقيَّد بما يلزم المُكلَّف في أمر دينه عبادةً ومُعامَلَةً، وهو يدور على التَّفسير والفقه والحديث، وقد عدَّ الشَّيخ عزُّ الدِّين بن عبد السَّلام تعلُّم النَّحو، وحفظ غريب الكتاب والسُّنَّة، وتدوين أصول الفقه، من البدع الواجبة.
          ومنها علم الباطن؛ وهو نوعان: الأوَّل علم المُعامَلَة، وهو فرضُ عينٍ في فتوى علماء الآخرة، فالمُعْرِضُ عنه هالكٌ بسطوة / مالك الملوك في الآخرة، كما أنَّ المُعْرِضَ عن الأعمال الظَّاهرة هالكٌ بسيف سلاطين الدُّنيا بحكم فتوى فقهاء الدُّنيا(7)، وحقيقته: النَّظر في تصفية القلب وتهذيب النَّفس؛ باتِّقاء الأخلاق الذَّميمة التي ذمَّها الشَّارع كالرِّياء والعُجْب والغشِّ وحبِّ العلوِّ والثَّناء والفخر والطَّمع؛ ليتَّصِفَ بالأخلاق الحميدة المحمَّديَّة كالإخلاص والشُّكر والصَّبر والزُّهد والتَّقوى والقناعة؛ ليصلح عند إحكامه ذلك لعمله بعلمه ليرث ما لم يعلم، فَعِلْمُهُ(8) بلا عملٍ وسيلةٌ بلا غايةٍ، وعكسه جنايةٌ، وإتقانهما بلا ورعٍ كلفةٌ بلا أجرةٍ، فأهمُّ الأمور زهدٌ واستقامةٌ؛ لينتفع بعلمه وعمله، وسأُشير إلى نبذٍ(9) منثورةٍ في هذا الكتاب من مقاصد هذا النَّوع _إن شاء الله تعالى_ بألطف إشارةٍ، وأُعبِّر عن مهمَّاته الشَّريفة بأرشق عبارةٍ؛ جمعًا لفرائد الفوائد، وأمَّا النَّوع الثَّاني فهو علم المكاشفة وهو نورٌ يظهر في القلب عند تزكيته، فتظهر به المعاني المُجْمَلَة، فتحصل له المعرفة بالله تعالى وأسمائه وصفاته وكتبه ورسله، وتنكشف له الأستار عن مخبَّآت الأسرار، فافهم، وسلِّمْ تسلمْ، ولا تكن من المنكرين تهلكْ مع الهالكين، قال بعض العارفين: من لم يكن له من هذا العلم شيءٌ أخشى عليه سوءَ الخاتمة، وأدنى النَّصيب منه التَّصديقُ به وتسليمُه لأهله، والله تعالى أعلم.


[1] قوله: «وكِلَا كتاب العلم وباب فضل العلم ثابتٌ عند ابن عساكر» سقط من (ص).
[2] في (ص): «وهي وقوعه»، وفي (م) و(ج): «ولكن وقوعه».
[3] في (ص): «منهم».
[4] في (ب) و(س): «درجات العلماء».
[5] في (ب) و(س): «لأنَّ».
[6] «العلم»: سقط من (س).
[7] في (ص): «الدِّين».
[8] في (ب) و(س): «فعلم».
[9] في (ب) و(س): «نبذة».