الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب ذكر الدجال

          ░26▒ (باب: ذِكْر الدَّجَّال)
          قالَ القَسْطَلَّانيُّ: بتشديد الجيم فَعَّال مِنْ أبنية المبالغة، أي: يكثر منه الكذب والتَّلبيس، وهو الَّذِي يظهر في آخر الزَّمان يدَّعي الإلهيَّة، ابتلى الله به عباده، وأقدره على أشياء مِنْ مخلوقاته كإحياء الميِّت الَّذِي يقتلُه، وإمطار السَّماء، وإنبات الأرض بأمره، ثمَّ يعجزه الله بعد ذلك، فلا يقدر على شيء، ثمَّ يقتله عيسى ◙، وفتنته عظيمة جدًّا تدهش العقول وتحيِّر الألباب. انتهى.
          قالَ الحافظُ: قالَ القُرْطُبيُّ في «التَّذكرة»: اختلفت(1) في تسميته دجالًا على عشرة أقوال، وممَّا يحتاج إليه في أمر الدَّجَّال: أصلُه، وهل هو ابن صيَّاد وغيره؟ وعلى الثَّاني فهل [هو] كان موجودًا في عهد رسول الله صلعم أو لا؟ ومتى يخرج؟ وما سبب خروجه؟ ومِنْ أين يخرج؟ وما صفتُه؟ وما الَّذِي يدَّعيه؟ وما الَّذِي يظهر عند خروجه مِنَ الخوارق حَتَّى تكثر أتباعه؟ ومتى يهلك؟ ومَنْ يقتله؟
          فأمَّا الأول، فيأتي بيانه في كتاب الاعتصام في شرح حديث جابر أنَّه كان يحلف أنَّ ابن صيَّاد هو الدَّجَّال، وأمَّا الثَّاني: فمقتضى حديث فاطمة بنت قيس في قصَّة تميم الدَّاري الَّذِي أخرجه مسلم أنَّه كان موجودًا في العهد النَّبويِّ، وأنَّه محبوس في بعض الجزائر، وأمَّا الثَّالث: ففي حديث النَّوَّاس عند مسلم أنَّه يخرج عند فتح المسلمين القسطنطينيَّة، وأمَّا سبب خروجه فأخرج مسلم في حديث ابن عمر عن حفصة أنَّه يخرج مِنْ غضبة يغضبها، وأمَّا مِنْ أين يخرج؟ فمِنْ قِبل المشرق جزمًا، ثمَّ جاء في رواية، أنَّه يخرج مِنْ خراسان، أخرج ذلك أحمد والحاكم مِنْ حديث أبي بكر، وفي أخرى: أنَّه يخرج مِنْ أصبهان، أخرجها مسلم، وأمَّا صفته فمذكورة في أحاديث الباب.
          وأمَّا الَّذِي يدعيه فإنَّه يخرج أوَّلًا فيدَّعي الإيمان والصلاح، ثمَّ يدَّعي النُّبوَّة، ثمَّ يدَّعي الإلهيَّة، كما أخرجَ الطَّبَرانيُّ. وأمَّا ما(2) يظهر على يده مِنَ الخوارق فيُذكر هاهنا.
          وأمَّا متى يهلك؟ ومَنْ يقتله؟ فإنَّه يهلك بعد ظهوره على الأرض كلِّها إلَّا مكَّةَ والمدينة، ثمَّ يقصد بيت المقدس، فينزل عيسى فيقتله، أخرجه مسلم أيضًا، وفي حديث هشام بن عامر: سمعت رسول الله صلعم يقول: ((ما بين خلق آدم إلى قيام السَّاعة فتنةٌ أعظم من الدَّجَّال)) أخرجه الحاكم، وأخرج أبو نُعيم في ترجمة حسَّان بن عطيَّة أحد ثقات التَّابعين مِنَ «الحلية» بسند حسن صحيح إليه قال: لا ينجو مِنَ الفتنة(3) الدَّجَّال إلَّا اثنا عشر ألف رَجل وسبعة آلاف امرأة، وهذا لا يقال مِنْ قبل الرَّأي، فيحتمل أن يكون مرفوعًا أرسله، ويحتمل أن يكون أخذه عن بعض أهل الكتاب. انتهى مختصرًا مِنَ «الفتح».
          وحديث فاطمة بنت قيس في قصَّة / تميم الدَّاريِّ الَّذِي عزاه الحافظ إلى مسلم، أخرجه أيضًا أبو داود والتِّرمذيُّ والنَّسَائيُّ وابن ماجَهْ، كذا قال الدُّمَّيْريُّ.


[1] في (المطبوع): ((اختلف)).
[2] في (المطبوع): ((وأما الذي)).
[3] في (المطبوع): ((فتنة)).