الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: لا تقوم الساعة حتى يغبط أهل القبور

          ░22▒ (باب: لا تَقُومُ السَّاعة حَتَّى يُغْبَطَ أَهْلُ القُبُور)
          بضمِّ أوله وفتح ثالثه على البناء للمجهول مِنَ الغِبْطَة، وهي تمنِّي مثل حال المغبوط مع بقاء حاله، قاله الحافظ.
          وقال في شرح الحديث: قالَ ابنُ بطَّالٍ: تَغَبُّط أهل القبور وتمنِّي الموت عند ظهور الفتن إنَّما هُو خَوف ذهاب الدِّين بغَلَبَة الباطل وأَهْلِه، وظهور المعاصي والمنكر. انتهى.
          وليس هذا عامًّا في حقِّ كلِّ أحدٍ، وإنَّما هو خاصٌّ بأهل الخير، وأمَّا غيرهم فقد يكون لِما يقع لأحدهم مِنَ المصيبة في نفسه أو أهله أو دنياه، وإن لم يكن في ذلك شيء يتعلَّق بدينه، ويؤيِّده ما أخرجه مسلم عن أبي هريرة: ((لَاْ تَذْهَبُ الدُّنْيا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ، فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ(1) مَكَانَ صَاحِبِ هذَا الْقَبْرِ، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلاَّ الْبَلاَءُ)).
          ثمَّ قالَ الحافظُ: قالَ ابنُ عبد البرِّ: ظنَّ بعضهم أنَّ هذا الحديث معارض للنَّهي عن تمنِّي الموت، وليس كذلك، وإنَّما في هذا / أنَّ هذا القدر سيكون لشدَّة تنزل بالنَّاس مِنْ فساد الحال في الدِّين أو ضعفه أو خوف ذهابه لا لضرر ينزل في الجسم، كذا قال، وكأنَّه يريد أنَّ النَّهي عن تمنِّي الموت هو حيث يتعلَّق بضرر الجسم، وأمَّا إذا كان لضرر يتعلَّق بالدِّين فلا، وقال غيره: ليس بينهما معارضة لأنَّ النَّهي صريح، وهذا إنَّما فيه إخبار عن شدَّة ستحصل ينشأ عنها هذا التَّمنِّي، وليس فيه تعرُّض لحكمه، وإنَّما سيق للإخبار عمَّا سيقع.
          قلت: ويمكن أخذ الحكم مِنَ الإشارة في قوله: (وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إنَّما هو الْبَلاَءُ) فإنَّه سيق مساق الذَّمِّ والإنكار، وفيه إيماء إلى أنَّه لو فعل ذلك بسبب الدِّين لكان محمودًا، ويؤيِّده ثبوت تمنِّي الموت عند فساد أمر الدِّين عن جماعة مِنَ السَّلفِ.
          قالَ النَّوويُّ: لا كراهة في ذلك، بل فعله خلائق مِنَ السَّلفِ، منهم عمر بن الخطَّاب وعمر بن عبد العزيز وغيرهما... إلى آخر ما بسط.


[1] قوله: ((كنت)) ليس في (المطبوع).