الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب: تكون فتنة القاعد فيها خير من القائم

          ░9▒ (باب: قَول النَّبيِّ صلعم: تَكُونُ فِتْنَةٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ...) إلى آخره
          في «هامش المصريَّة»: المراد بالخيريَّة أن يكون المفضَّل أقلَّ شرًّا مِنَ المفضَّل عليه إذ القاعد عن الفتنة أقلُّ شرًّا مِنَ القائم لها، والقائم [لها] أقلُّ شرًّا مِنَ الماشي لها، والماشي لها أقلُّ شرًّا مِنَ السَّاعي في إثارتها. انتهى.
          قالَ العلَّامةُ القَسْطَلَّانيُّ تحتَ حديثِ الباب: وفيه التَّحذير مِنَ الفتن، وأنَّ شرَّها يكون بحسب الدُّخول فيها، والمراد بالفتن جميعها، أو المراد ما ينشأ عن الاختلاف في طلب الملك حيث لا يعلم المحقُّ مِنَ المبطِل، وعلى الأوَّل فقالت طائفة بلزوم البيوت، وقال آخرون بالتَّحوُّل عن بلد الفتنة أصلًا، ثمَّ اختلفوا فمنهم مَنْ قال: إذا هجم عليه [في] شيء مِنْ ذلك يكفُّ يده ولو قُتل، ومنهم مَنْ قال: يدافع عن نفسه وماله وأهله، وهو معذور إن قَتل أو قُتل. انتهى.
          وذكره الحافظ في «الفتح» بشيء مِنَ البسط.
          وذكر النَّوويُّ فيه ثلاثة مذاهب، وأجاد إذ قال في «شرح مسلم» تحتَ حديثِ الباب: وهذا الحديث والأحاديث قبله وبعده ممَّا يَحتجُّ به مَنْ لا يرى القتال في الفتنة بكلِّ حال، وقد اختَلف العلماء في قتال الفتنة، فقالت طائفة: لا يقاتَل في فتن المسلمين، وإن دخلوا عليه بيته، وطلبوا قتله، فلا يجوز له المدافعة عن نفسه، لأنَّ الطَّالب متأوِّل، وهذا مذهب أبي بكرة الصَّحابيِّ وغيره، وقالَ ابنُ عمر وعمران بن الحُصين ♥ وغيرهما: لا يدخل فيها، لكن إن قُصد دَفَعَ عن نفسه، فهذان المذهبان متَّفقان على ترك الدُّخول في جميع / فتن الإسلام. وقال معظم الصَّحابة والتَّابعين وعامَّة علماء الإسلام: يجب نصر المحقِّ في الفتن، والقيام معه لمقاتلة الباغين، كما قال تعالى: {فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي} الآية [الحجرات:9]، وهذا هو الصَّحيح، وتُتأوَّل الأحاديث على مَنْ لم يظهر له المحقُّ أو على طائفتين ظالمتين لا تأويل لواحدة منها(1) ولو كان كما قال الأوَّلون تظهر(2) الفساد واستطال أهل البغي والمبطلون، والله أعلم. انتهى.
          قالَ الحافظُ: وذهب جمهور الصَّحابة والتَّابعين إلى وجوب نصر الحقِّ وقتال الباغين، وحمل هؤلاء تلك الأحاديث على مَنْ ضَعُفَ عن القتال، أو قصر نظره عن معرفة صاحب الحقِّ، واتَّفق أهل السُّنة على وجوب منع الطَّعن على أحد مِنَ الصَّحابةِ بسبب ما وقع لهم مِنْ ذلك، ولو عُرف المحقُّ منهم، لأنَّهم لم يقاتلوا في تلك الحروب إلَّا عن اجتهاد، وقد عفا الله تعالى عن المخطئ في الاجتهاد... إلى آخر ما بسط.


[1] في (المطبوع): ((منهما)).
[2] في (المطبوع): ((لظهر)).