الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب من قاتل للمغنم هل ينقص من أجره؟

          ░10▒ (باب: مَنْ قاتل للمَغْنَم هل يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِه ؟...) إلى آخره
          قالَ ابن المنيِّر: أراد البخاريُّ أنَّ قصد الغنيمة لا يكون منافيًا للأجر ولا منقصًا إذا قُصد معه إعلاء كلمة الله، لأنَّ السَّبب لا يستلزم الحصر، ولهذا يثبت الحكم الواحد بأسباب متعدِّدة، ولو كان قصدُ الغنيمة ينافي قصد الإعلاء لما جاء الجواب عامًّا، ولقال مثلًا: مَنْ قاتل للمغنم فليس هو في سبيل الله.
          قال الحافظ: وما ادَّعى أنَّه مراد البخاريِّ فيه بُعْد، وَالَّذِي يظهر أنَّ النَّقص مِنَ الأجر أمرٌ نسبيٌّ كما تقدَّم تحرير ذلك في أوائل الجهاد، فليس مِنْ قصد إعلاء كلمة الله محضًا في الأجر مثل مَنْ ضمَّ إلى هذا القصد قصدًا آخر مِنْ غنيمة أو غيرها.
          وقالَ ابن المنيِّر في موضع آخر: ظاهر الحديث أنَّ مَنْ قاتل للمغنم_يعني خاصَّةً_ فليس في سبيل الله، وهذا لا أجر له ألبتَّة، فكيف يترجم له بنقص الأجر؟! وجوابه ما قدَّمته. انتهى مِنَ «الفتح».
          قلت: واختار العلامة القَسْطَلَّانيُّ في بيان ميل المصنِّف ما اختاره ابن المنيِّر، أي: لا ينقص مِنْ أجره شيء، ولكن اختار هو بنفسه ما حقَّقه الحافظ أنَّه نقصٌ نسبيٌّ، كما تقدَّم في كلام الحافظ، وقالَ العلَّامةُ العينيُّ تحت الباب: أي: مَنْ قاتل لأجل حصول الغنيمة هل ينقص أجره؟ وجوابه أنَّه ليس له أجرٌ فضلًا عن النُّقصان، لأنَّ المجاهد الَّذِي يجاهد في سبيل الله هو الَّذِي يجاهد لإعلاء كلمة الله. انتهى.
          فالعلَّامة العينيُّ حمل التَّرجمة على مَنْ قاتل للغنيمة خاصَّة، ولذا قال: لا أجر له أصلًا، وترجم الإمام أبو داود في «سننه»: باب: في الرَّجل يغزو ويلتمس(1) الأجر والغنيمة، وأخرج فيه حديث عبد الله بن حَوَالة الأَزْديِّ: ((بعثَنا رسول الله صلعم لنَغْنَم على أقْدَامِنا، فرجَعْنَا [فلم] نَغْنَم شيئًا، وعَرَفَ الجُهد في وجوهنا، فقام فينا فقال: اللَّهمَّ لا تَكِلْهُم إليَّ فأضْعُف عنهم، ولا تَكِلْهُم إلى أنفسهم، فيعجزوا عنها))... الحديث، ويُستأنس منه ألَّا منافاة بين قصد الأجر وقصد الغنيمة، فيجتمعان، وإن لزم منه نقصُ الأجر، فإنَّه أمر آخر.


[1] في (المطبوع): ((يلتمس)).