الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

حديث: أن فاطمة سألت أبا بكر الصديق بعد وفاة رسول الله

          3092- 3093- قوله: (فغضبت فاطمة...) إلى آخره
          وكتب عليه الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع»: وهذا ظنٌّ مِنَ الرَّاوي حيث استنبط مِنْ عدم تكلُّمها إيَّاه أنَّها غضبت عليه مع أنَّها كانت نادمة فيما بدرت إليها، وكان عدم التَّكلُّم لأجل النَّدامة، أو المنفيُّ التَّكلُّم في هذا الباب، أو المعنى غضبت على نفسها حيث ذهبت إلى الخليفة تطلب شيئًا مِنَ الدُّنيا مع أنَّه رضي الله تعالى عنه كان بارًّا راشدًا غير ظلوم، ولو سلم أنَّها غضبت عليه لذلك ولم تتكلَّمه مُطْلقًا، فإنَّ الأمر والجناية عائد إليها لا إليه حيث غضبت على أبي بكر لأنَّه عمل بحديث النَّبيِّ صلعم وتركتْه لأجل الدُّنيا مع أنَّ هجران المسلم لا لوجه شرعيٍّ قد ورد فيه ما ورد. انتهى.
          وبسط في «هامشه» الكلام عليه، وفيه عن الحافظ: روى البَيْهَقيُّ مِنْ طريق الشَّعْبيِّ أنَّ أبا بكر عاد فاطمة، فقال لها عليٌّ رضي الله تعالى عنه: هذا أبو بكر يستأذن عليك، قالت: أتحبُّ أن آذن له؟ قال: نعم، فأذنت له، فدخل عليها، فترضَّاها حتَّى رَضِيَت، وهو وإن كان مرسلًا فإسناده إلى الشَّعبيِّ صحيح، وبه يزول الإشكال، إلى آخر ما ذكر في «هامش اللَّامع» مِنَ التَّوجيهات.
          والأوجَهُ عند هذا العبد الضَّعيف أنَّ ما يُتَوهَّم أنَّ سَخَطها كان لعدم حُصول مال الإرث بعيدٌ مِنْ شأنها وممَّا هو المعروف مِنْ حَالها مِنْ زهدها ومعالجة الفقر مدَّة عمرها وإيثارها الفقراء والمساكين على حاجتها وغير ذلك مِنْ أحوالها المعروفة رضي الله تعالى عنها وأرضاها، بل [كان] ذلك كلُّه عند هذا العبد الضَّعيف مِنَ التَّصلُّب في الدِّين وطلب الحقِّ الواجب شرعًا، ومعلوم مِنْ أحوال الصَّحابة ♥ أنَّهم كانوا في أمر الدِّين أشدَّ(1) على النَّاس لا يخافون في ذلك لومة لائم ولا مخالفة الأمراء، وكانت بَضْعَةُ رسول الله صلعم فَاطمةُ رضي الله تعالى عنها ظنَّت أنَّ حديث الإرث ليس بعامٍّ، وذلك حقٌّ لها شرعيٌّ بخلاف ما فهمه الصِّدِّيق ☺ ... إلى آخر ما في «هامش اللَّامع».


[1] في (المطبوع): ((أشداء)).