الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب الدليل على أن الخمس لنوائب رسول الله والمساكين

          ░6▒ (باب: الدَّليل على أنَّ الخُمُس لنَوائِب رسول الله صلعم...) إلى آخره
          أي: خمس الغنيمة، والنَّوائب: جمع نائبة وهو ما ينوب الإنسان مِنَ الأمر الحادث، [قوله] (وإيثار النَّبيِّ) [أي] ولأجل إيثاره، وقوله: (حين سألته) ظرف للإيثار. انتهى مِنَ «الفتح» والعينيِّ.
          وقالَ السِّنْديُّ: الظَّاهر أنَّ (الدَّليل) مبتدأ، خبره قوله: (حين سَأَلَتْه) بتقدير ما فعله حين سألته، فإنَّه حين ذلك ما أعطاها، بل وَكَلها إلى الله تعالى، فهذا دليل على أنَّ الخُمُس له أن يصرفه في أيِّ مصرفٍ مِنْ مصارف الخُمُس، ولا يلزم إعطاء المصارف الخمس كلَّها، بل له أن يعطى بعضها. انتهى.
          وقال صاحب «الفيض»: واعلم أنَّ أربعة أخماس مِنَ الغنيمة للغانمين بالاتِّفاق، بقي الخُمُس، فقد تكفَّل القرآن ببيان مستحقِّيه، وذكرها في ستَّة، فخرَّجها الحنفيَّة على أنَّ ذكر اسم الله تعالى لمجرد التَّبرُّك، بقي رسوله، فسقط سهمه بعد وفاته، وأمَّا ذو قرابته، فإنَّما يُعطَون مِنْ أجل الفقر.
          وكونهم(1) مِنْ أقربائه صلعم ليس بمعتبر في باب الإعطاء، فيقدِّمون فقراء ذوي القرابة على غيرهم.
          وإذن لم يبقَ مِنَ السِّتَّة إلَّا ثلاثة، وذهب مالك إلى أنَّهم ليسوا بمستحقِّين، ولكنَّهم مصارف، فيصرفه الإمام مِنْ ولايته كيف شاء وكم شاء، وأمَّا(2) الفيء فلم يذهب أحد إلى إيجاب الخُمُس فيه إلَّا الشَّافعيُّ، ولا خُمس فيه عند الجمهور، فإنَّه مالٌ حصل بدون إيجاف خيلٍ ولا ركاب، فيستبدُّ بصرفه الإمام، ولا يُخرج منه الخُمُس، ومذهب الشَّافعيِّ مرجوحٌ في ذلك، ولعلَّ المصنِّف رجَّح مذهب مالك، واختار أنَّ قسمته الخُمُس إلى الإمام يقسمه كيف شاء، وترجم لذلك أربعة تراجم:
          الأولى: هذه التَّرجمة، وأخرج تحتها حديث شكاية فاطمة، وما كانت تجد مِنَ الطَّحن والرَّحى، واستدلَّ منه على أنَّ ذوي القرابة لو كانوا مستحقِّين لأعطاها النَّبيُّ صلعم غلامًا مِنَ الخُمُس ألبتَّة.
          والثَّانية: باب قول الله: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَللرَّسُولِ} إلى آخره [الأنفال:41]، ثمَّ فسره بقوله: يعني: للرَّسول قَسْم ذلك فجعل القسمة إليه يقسمه كيف يشاء.
          والثَّالثة: ما سيأتي بعد سبعة أبواب: (باب: مَنْ قال: ومِنَ الدَّليل على أنَّ الخمس لنوائب المسلمين...) إلى آخره حيث جعله في النوائب ولم يخصَّه بصنف دون صنف، واستدلَّ عليه بأنَّه صلعم أعطى الأنصار وجابرًا مِنْ تمر خيبر مع أنَّهما لم يكونا مِنْ ذوي القرابة.
          والرَّابعة: ما سيأتي بعد تسعة أبواب: (باب: ومِنَ الدَّليل على أنَّ الخُمُس للإمام...) إلى آخره فهذه تراجم كلُّها كما ترى قريبة المعاني ومرمَاها واحد، وهو الموافقة لمذهب(3) مالك. انتهى.
          وقال صاحب «الجمل» في قوله تعالى: {فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ} الآية [الأنفال:41]: أضيف الخمس لهؤلاء السِّتَّة وظاهرها أنَّه يقسم ستَّة أقسام، وبه قال أبو العالية فقال: إنَّ الَّذِي لله يصرف إلى الكعبة، ثمَّ يقسم ما بقي على خمسة أقسام، وقيل: سهم الله لبيت المال، وقيل: مضموم إلى سهم الرَّسول، والجمهور على أنَّ ذكر الله للتَّعظيم، وقال أيضًا: وبعد وفاة النَّبيِّ صلعم يصرف خُمُس الخُمُس الَّذِي كان له صلعم إلى مصالح المسلمين، وهذا مذهب الشَّافعيِّ، وقال مالك: الرَّأي فيه إلى الإمام، وقال أبو حنيفة: سقط سهمه وسهم ذوي القربى لوفاته صلعم، وصار الكلُّ مصروفًا إلى الثَّلاثة الباقية. انتهى.
          قلت: ومذهب أحمد كمذهب الشَّافعيِّ كما في «المغني»، وهو كما قال الرَّازيُّ في «تفسيره»: أمَّا بعد وفاته صلعم فعند الشَّافعيِّ أنَّه يقسم على خمسة أسهم، سهم للرَّسول يصرف إلى ما كان يصرفه إليه مِنْ مصالح المسلمين كعُدَّة الغزاة، وسهم لذوي القربى مِنْ أغنيائهم / وفقرائهم يقسم بينهم للذَّكر مثل حظِّ الأنثيين. انتهى.
          وكتب الشَّيخ قُدِّس سرُّه في «اللَّامع» تحت التَّرجمة: ودلالة الرِّواية عليه مِنْ حيثُ إنَّ فاطمة رضي الله تعالى عنها سألته منه فعُلم أنَّه كان لنوائبه، وحاجة فاطمة رضي الله تعالى عنها إنَّما هي حاجته صلعم. انتهى.
          وقال الحافظ: قال إسماعيل القاضي: هذا الحديث يدلُّ على أنَّ للإمام أن يقسم الخُمُس حيث يرى، لأنَّ الأربعةَ الأخماسِ استحقاقٌ للغانمين، وَالَّذِي يختصُّ بالإمام هو الخمس، وقد منع النَّبيُّ صلعم ابنته وأعزَّ النَّاسِ عليه مِنْ أَقْرَبِيه وصرفَهُ إلى غيرهم. انتهى.
          وتعقَّب عليه الحافظ نصرةً لمذهب الشَّافعيِّ، وقد تقدَّم ميل الإمام البخاريِّ في هذه المسألة إلى مسلك الإمام مالك.
          وقال الحافظ أيضًا: ليس في الحديث ذكر أهل الصُّفَّة ولا الأرامل، وكأنَّه أشار بذلك إلى ما ورد في بعض طرق الحديث كعادته، وهو ما أخرجه أحمد مِنْ وجه آخر(4) عن عليٍّ في هذه القصَّة مطوَّلًا، وفيه: ((والله لا أُعْطيكم وأَدَعَ أهل الصُّفَّة تُطْوَى بُطُونهم مِنَ الجُوع)) الحديث. انتهى.
          


[1] قوله: وكونهم مِنْ أقربائه صلعم... إلى قوله: على غيرهم، عبارة تداخلت مع النص المنقول من ((فيض الباري)) ░5/216▒ وربما هي مِنْ كلام المؤلف، والله أعلم.
[2] في (المطبوع): ((أما)).
[3] في (المطبوع): ((بمذهب)).
[4] قوله: ((من وجه آخر)) ليس في (المطبوع).