الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب

          ░16▒ (باب) بغير ترجمةٍ
          قال(1) الحافظ: كذا فيه بغير ترجمة، وهو كالفصل مِنَ الباب الَّذِي قبله، وقد أورد فيه حديث ابن عمر، وحديث عمر، أشكل تعلُّقهما بالتَّرجمة، فقالَ المهلَّبُ: حاول البخاريُّ جعل موضع مُعَرَّس النَّبيِّ صلعم موقوفًا أو متملَّكًا له لصلاته فيه ونزوله به، وذلك لا يقوم على ساق لأنَّه قد ينزل في غير ملكه ويصلِّي فيه، فلا يصير بذلك ملكه، كما صلَّى في دار عِتْبَان بن مالك وغيره.
          وأجاب ابن بطَّالٍ بأنَّ البخاريَّ أراد أنَّ المعَرَّس نُسب إلى النَّبيِّ صلعم بنزوله فيه، ولم يُرِدْ أنَّه يصير بذلك مِلكه، ونفى ابن المنيِّر وغيره أن يكون البخاريُّ أراد ما ادَّعاه المهلَّب، فإنَّما أراد التَّنبيه على أنَّ البطحاء الَّتِي وقع فيها التَّعريس والأمر بالصَّلاة فيها لا تدخل في الموات الَّذِي يُحيا ويملك إذ لم يقع فيها تحويط ونحوه مِنْ وجوه الأحياء، أو أراد أنَّها تلحق بحكم الإحياء لِما ثبت لها مِنْ خصوصيَّة التَّصرُّف فيها، فصارت كأنَّها أرصدت للمسلمين كمِنى مثلًا، فليس لأحد أن يبني فيها ويتحجَّرها لتعلُّق حقِّ المسلمين بها عمومًا.
          قال الحافظ: وحاصله أنَّ الوادي المذكور وإن كان مِنْ جنس الموات لكنَّ مكان التَّعريس منه مستثنًى لكونه مِنَ الحقوق العامَّة، فلا يصحُّ احتجاره لأحد، ولو عمل فيه بشروط الإحياء، ولا يختصُّ ذلك بالبقعة الَّتِي نزل بها النَّبيُّ صلعم، بل كلُّ ما وُجد مِنْ ذلك، فهو في معناه. انتهى.
          وقالَ العَينيُّ: وجه دخول هذا الحديث في هذا الباب مِنْ حيثُ إنَّه أشار إلى أنَّ ذا الحُلَيفَة لا يُملك بالإحياء لما فيه مِنْ منع النَّاس النُّزول فيه، وأنَّ الموات يجوز الانتفاع به، وأنَّه غير مملوك لأحد، وهذا المقدار كافٍ في وجه المطابقة، وقد تكلَّم المهلَّب فيه بما لا يُجدي، وردَّ عليه ابن بطَّالٍ بما لا ينفع، وجاء آخر نصر المهلَّب(2) في ذلك، والكلُّ لا يشفي العليل، ولا يروي الغليل. انتهى.
          وتبع القَسْطَلَّانِيُّ(3) العينيَّ، واقتصر على توجيهه بدون النِّسبة إليه، ولم يذكر قول المهلَّب وغيره، وسبقهما الكَرْمَانيُّ في ذلك، وقالَ العلَّامةُ السِّنْديُّ: لعلَّ ذكره في الباب لاستطراد إحياء الموات بالذِّكر. انتهى.
          والأوجه عند هذا العبد الضَّعيف ما أفاده الشَّيخ قُدِّس سرُّه مِنَ التَّوجيه في «اللَّامع» إذ قال: قوله: ((إنَّك ببطحاء مباركة)) ولعلَّ إيراد هذه الرِّواية بعد (باب: إحياء الموات) تنبيه منه على أنَّ الإحياء إنَّما يُعتبر إذا كانت الأرض الَّتِي أحياها بحيث يُستغنى عنها، ولا يُفتقر إليها في قضاء مآرب العامَّة، كالنُّزول في تلك الوادي، فإنَّه دليل الحاجة إليه، فلا يمكن إحياء مثله لِما فيه مِنَ الإضرار بالعامَّة، وهم أصحاب استحقاق فيه، وقد قالَ النَّبيُّ صلعم: (في غَير حق مُسْلم)، كما تقدَّم.
          ثمَّ ذكر توجيهًا آخر، فارجع إليه لو شئت.
          وبسط الكلام على «هامشه»: أيضًا، ورقم عليه شيخ الهند ☼ رمز < بنـ > _نقطة واحدة_ فكان رأيه ☼ فيه أنَّ المؤلِّف ترك التَّرجمة تشحيذًا للأذهان، فتأمَّلْ.


[1] في (المطبوع): ((وقال)).
[2] في (المطبوع): ((نصرًا لمهلب)).
[3] أنظر إرشاد الساري:4/185