الأبواب والتراجم لصحيح البخاري

باب أوقاف أصحاب النبي وأرض الخراج ومزارعتهم ومعاملتهم

          ░14▒ (باب: أوقاف أصحاب النَّبيِّ صلعم وأرضِ الخراج...) إلى آخره
          كتبَ الشَّيخ في «اللَّامع»: دلالة الرِّواية على هذا المعنى مِنْ حيثُ إنَّه لمَّا قسم خيبر ولم يَقسِم عمرُ بعض البلاد المفتوحة كان ذلك دليلًا على جواز الوقف، كيف ولا سبيل إذا لم يُقسم إلَّا إلى الوقف، فلا بدَّ أن يزرعه أحد، وبهذا المعنى يصحُّ إيراد وقف عمر هاهنا، وإثبات مزارعة أرض الخراج بالقياس عليه. انتهى.
          قال الحافظ: ذكر المصنِّف فيه طرفًا مِنْ حديث عمر: في وقف أرض خيبر، وذكر قول عمر: لولا آخر المسلمين... إلى آخره، وأخذ المصنِّف صدر التَّرجمة مِنَ الحديثِ الأوَّل ظاهر، ويؤخذ أيضًا مِنَ الحديثِ الثَّاني لأنَّ بقيَّة الكلام محذوف تقديره: لكنَّ النَّظر لآخر المسلمين يقتضي ألَّا أقسمها بل أجعلها وقفًا على المسلمين، وقد صنع ذلك عمر في أرض السَّواد، وأمَّا قوله: (وأرض الخراج...) إلى آخره، فيؤخذ مِنَ الحديثِ الثَّاني، فإنَّ عمر لمَّا وقف السَّواد ضرب على مَنْ به مِنْ أهل الذِّمَّة الخراج، فَزَارعهم وعامَلهم، فبهذا يظهر مراده مِنْ هذه التَّرجمة، ودخولها في أبواب المزارعة.
          وقال ابن بطَّالٍ: معنى هذه التَّرجمة أنَّ الصَّحابة كانوا يزارعون أوقاف النَّبيِّ صلعم بعد وفاته على ما كان عامَل عليه يهود خيبر... إلى آخر ما قال في «الفتح».
          قلت: وما يظهر لهذا العبد الضَّعيف أنَّ الإمام البخاريَّ أشار بالتَّرجمة إلى أنَّه صلعم لم يفعل الوقف بنفسه الشَّريفة، بل الأوقاف كانت مِنَ الصَّحابة ♥، ويؤيِّده ما قال القَسْطَلَّانيُّ في صدقة عمر المذكورة: حكى الماورديُّ أنَّها أوَّل صدقة تُصُدِّق بها في الإسلام. انتهى.
          وعلى هذا فلا يبعد أن يكون الإمام البخاريُّ أشار بالتَّرجمة إلى ردِّ ما حُكيَ عن أبي عبد الله بن المعلم إمام الإماميَّة(1) في قوله صلعم: ((لَاْ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)) أنَّ لفظ: ((صدقة)) بالنَّصب على الحال(2)، فيقتضي ذلك أنَّ ما تركه النَّبيُّ صلعم على وجه الصَّدقة لا يورث منه، كما ذكر في «الأوجز»، وبسط أيضًا المباحث الكثيرة في حديث: ((لَاْ نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ)).
          وفي «الفيض»: اعلم أنَّ الوقف عندنا لا يجري إلَّا في العقار إلَّا أن يكون تابعًا، وأمَّا عند محمَّد فيصحُّ بكلِّ منقول جرى فيه التَّعامل بوقفه، ثمَّ قالوا: إنَّ الوقف عندنا تصدُّق بالمنفعة مع حبس الأصل على ملك الواقف، وعند صاحبيه: هو حبس الأصل على ملك الله تعالى، لا يملك ولا يورث... إلى آخر ما بسط مِنَ الكلام.


[1] الشَّيخ المُفِيد، محمَّد بن محمَّد بن النعمان بن عبد السَّلام العكبريّ، أبو عبد الله، ويعرف بابن المعلم: محقق إمامي، انتهت إليه رئاسة الشيعة في وقته، كثير التصانيف في الأصول والكلام والفقه ت:413 هـ (الأعلام للزركلي:7/21)
[2] فند الحافظ ابن حجر هذا القول ورد عليه في الفتح فليراجع فيه: ج12/ص7