إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله حبس عن مكة القتل

          112- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ الفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ) بضمِّ الدَّال المُهمَلَة وفتح الكاف (قَالَ: حَدَّثَنَا شَيْبَانُ) بفتح المُعجَمَة وسكون المُثنَّاة التَّحتيَّة، ابن عبد الرَّحمن، النَّحويُّ المؤدِّبُ البصريُّ الثِّقة، المُتوفَّى سنة أربعٍ وستِّين ومئةٍ في خلافة المهديِّ (عَنْ يَحْيَى) بن أبي كثيرٍ صالح بن المتوكِّل الطَّائيِّ مولاهم العطَّار، أحد الأعلام الثِّقات العُبَّاد، المُتوفَّى سنة تسعٍ وعشرين ومئةٍ، وقيل: سنة اثنتين وثلاثين (عَنْ أَبِي سَلَمَةَ) بفتح اللَّام، عبد الله بن عبد الرَّحمن بن عوفٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ ، وللمؤلِّف في «الدِّيات» [خ¦6880]: حدَّثنا أبو سلمة قال: حدَّثنا أبو هريرة: (أَنَّ خُزَاعَةَ) بضمِّ الخاء المُعجَمَة وبالزَّاي، غير مصروفٍ(1) للعلميَّة والتَّأنيث؛ وهم حيٌّ من الأزد (قَتَلُوا رَجُلًا مِنْ بَنِي لَيْثٍ عَامَ فَتْحِ مَكَّةَ بِقَتِيلٍ مِنْهُمْ قَتَلُوهُ) في السِّيرة: أنَّ خِراش بن أميَّة الخُزاعيَّ قتل جندب بن الأَثْوع الهذليَّ بقتيلٍ قُتِل في الجاهليَّة يُقال له: أحمرُ، وعلى هذا فيكون قوله: «أنَّ خزاعة قتلوا» أي: واحدًا منهم، فأُطلِقَ عليه اسم «الحيِّ» مجازًا (فَأُخْبِرَ) بضمِّ الهمزة وكسر المُوحَّدة (بِذَلِكَ النَّبِيُّ) بالرَّفع نائبٌ عنِ الفاعل ( صلعم ، فَرَكِبَ رَاحِلَتَهُ) النَّاقة التي تصلح أن يُرحَل عليها (فَخَطَبَ) رسول الله صلعم (فَقَالَ: إِنَّ اللَّهَ) ╡ (حَبَسَ) أي: منع (عَنْ مَكَّةَ القَتْلَ) بالقاف المفتوحة والمُثنَّاة الفوقيَّة (_أَوِ الفِيلَ) بالفاء المكسورة والمُثنَّاة التَّحتيَّة: الحيوان المشهور (شَكَّ أَبُو عَبْدِ اللهِ_) أي: البخاريّ، وسقط قوله «شَكَّ أبو عبد الله» عند أبي ذَرٍّ وابن عساكر والأَصيليِّ، وللأربعة: ”قال أبو عبد الله: كذا قال‼ أبو نُعيمٍ“ هو الفضل بن دُكَينٍ، وأراد به أنَّ الشَّكَّ فيه من شيخه(2) ”واجعلوا“ بصيغة الأمر، وللأَصيليِّ: ”واجعلوه“ بضمير النَّصب، أي: اجعلوا اللَّفظ ”على الشَّكِّ: الفيل _بالفاء_ أوِ القتل / _بالقاف_، وغيره _أي: غير أبي نُعيمٍ ممَّن رواه عن الشَّيبانيِّ(3) رفيقًا لأبي نُعيمٍ، وهو عبيد الله بن موسى، ومن رواه عن يحيى رفيقًا لشيبان، وهو حرب بن شدَّادٍ، كما سيأتي إن شاء الله تعالى في «الدِّيات» [خ¦6880]_، يقول: الفيل“ _بالفاء_ من غير شَكٍّ، والمُرَاد بـ «حبس الفيل»: أهل الفيل الذين غزَوا مكَّة، فمنعها الله تعالى منهم كما أشار إليه تعالى في القرآن، وهذا(4) تصريحٌ من المصنِّف بأنَّ الجمهور على رواية «الفيل» بالفاء، وفي بعض النُّسخ ممَّا ليس في «اليونينيَّة»(5): ”إنَّ الله حبس عن مكَّة القتل أو الفيل؛ كذا قال أبو نُعيمٍ، واجعلوا على الشَّكِّ: القتل أو الفيل“ وفي روايةٍ: ”قال محمَّد“ أي: البخاريُّ ”وجعلوه“ أي: الرُّواة ”على الشَّكِّ، كذا قال أبو نُعيم: الفيل أو القتل“ وقال البرماويُّ كالكِرمانيِّ: «الفتك» بالفاء والكاف، أي: سفك الدَّم على غفلةٍ، أي: بدل القتل، ووجهه ظاهرٌ، لكن لا أعلمه رُوِيَ كذلك، ولا يبعد أن يكون تصحيفًا، ثمَّ عطف على السَّابق قوله: (وَسُلِّطَ عَلَيْهِمْ) بضمِّ السِّين بالبناء للمفعول (رَسُولُ اللهِ) نائبٌ عنِ الفاعل ( صلعم وَالمُؤْمِنونَ) رُفِعَ بالواو عطفٌ عليه، كذا في رواية أبي ذَرٍّ، ولغيره: ”وسَلَّط“ بفتح السِّين، أي: الله ”عليهم رسولَ الله“ مفعوله ”والمؤمنين“ نُصِبَ بالياء عطفًا عليه (أَلَا) بفتح الهمزة مع(6) تخفيف اللَّام، إنَّ الله قد حبس عنها (وَإِنَّهَا) ولأبي ذَرٍّ: ”فإنَّها“ بالفاء (لَمْ تَحِلَّ) بفتح أوَّله وكسر ثانيه (لأَحَدٍ قَبْلِي، وَلَا تَحِلُّ) بضمِّ اللَّام، وفي رواية الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”ولم تحلَّ“(لأَحَدٍ بَعْدِي) واستُشكِلت هذه الرِّواية فإنَّ «لم» تقلبُ المضارع ماضيًا، ولفظ «بعدي» للاستقبال، فكيف يجتمعان؟ وأُجِيب: بأنَّ المعنى: لم يحكم الله في الماضي بالحلِّ في المُستقبَل (أَلَا) بالتَّخفيف مع الفتح أيضًا (وَإِنَّهَا) بالعطف على مُقدَّرٍ كالسَّابقة (حَلَّتْ(7) لِي سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، أَلَا) بالتخفيف أيضًا (وَإِنَّهَا) بواو العطف كذلك (سَاعَتِي) أي: في ساعتي (هَذِهِ) التي أتكلَّم فيها بعد الفتح (حَرَامٌ) بالرَّفع على الخبريَّة؛ لقوله: إنَّها، أي مكَّة، واستُشكِل بكون «مكَّةَ» مُؤنَّثَةٌ، فلا تَطابقَ بين المُبتدَأ والخبر المذكور، وأُجِيب: بأنَّه مصدرٌ في الأصل يستوي فيه التَّذكير والتَّأنيث، والإفراد والجمع (لَا يُخْتَلَى) بضمِّ أوَّله وبالمُعجَمَة؛ أي(8) لا يُقطَع ولا يُجَزُّ (شَوْكُهَا) إلَّا المؤذي كالعوسج، واليابس كالحيوان المؤذي والصَّيد الميت(9) (وَلَا يُعْضَدُ) بضمِّ أوَّله وفتح ثالثه المُعجَم؛ أي(10) لا يُقطَع (شَجَرُهَا، وَلَا تُلْتَقَطُ(11)) بالبناء للمفعول (سَاقِطَتُهَا) أي: ما سقط فيها بغفلة مالكه (إِلَّا لِمُنْشِدٍ) أي: معرِّفٍ، فليس لواجدها غير التَّعريف، ولا يملكها، هذا مذهبنا، كذا في «الأصل» (فَمَنْ قُتِلَ) بضمِّ أوَّله وكسر ثانيه، أي: قُتِلَ له قتيلٌ، كما في «الدِّيات» عند المصنِّف [خ¦6880] (فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ) أي: أفضلهما، ولغير الكُشْمِيْهَنِيِّ: ”بخيرٍ“ بالتَّنوين، وإسقاط: «النَّظرين»، وفي نسخة الصَّغَانيِّ: ”فمن قُتِلَ له قتيلٌ“ وصُحِّح على قوله: «له قتيلٌ»(12)، كذا قدَّر المحذوف هنا الحافظ ابن حجرٍ كالخطَّابيِّ، وتعقَّبه العينيُّ: بأنَّه يلزم منه حذف الفاعل، وقال البرماويُّ: أي: المستحقُّ لِدِيَتِه مخيَّرٌ(13)، وهو معنى قول البدر الدَّمامينيِّ: يمكن جعل الضَّمير من قوله: «فهو» عائدًا إلى الوليِّ المفهوم من السِّياق، وقال العينيُّ: التَّحقيق أن يُقدَّر فيه مُبتدَأٌ محذوفٌ، وحذفه سائغٌ، والتَّقدير: فمن أهله قُتِلَ فهو بخير النَّظرين، فـ «مَنْ» مبتدأٌ، و«أهلُه قُتِلَ» جملةٌ من المُبتدَأ والخبر وقعت صلةً للموصول، وقوله: «فهو» مُبتدَأٌ، وقوله: «بخير النَّظرين» خبره، والجملة خبر المبتدأ الأوَّل، والضَّمير في «قُتِلَ» يرجع إلى «الأهل»‼ المُقدَّر، وقوله: «هو» يرجع إلى «مَنْ»، و«الباء» في «بخير النَّظرين» مُتعلِّقٌ بمحذوفٍ تقديره: فهو مرضيٌّ بخير النَّظرين، أو عاملٌ أو مأمورٌ (إِمَّا أَنْ يُعْقَلَ وَإِمَّا أَنْ يُقَادَ) أي: يُمكَّن (أَهْلُ القَتِيلِ) من القتل(14)، يُقَال: أقدت القاتل بالمقتول، أي: اقتصصته منه، فالنَّائب عن الفاعل ضميرٌ فيه يعود للمفعول، أي: يُؤخَذ له القَوَدُ أو نحو ذلك، وبهذا يزول الإشكال؛ إذ لولا التَّقدير كان المعنى: وإمَّا أن يُقتَل أهل القتيل، وهو باطلٌ، قال الدَّمامينيُّ: ولعلَّ معنى «يُقَاد»: يُمكَّن من القَوَد وهو القتل، أي: وإمَّا أن يُمكَّن أهلُ القتيل مِنَ القَوَد، فيستقيم المعنى(15)، والفعلان مبنيَّان للمفعول، وهمزة «إمَّا» التَّفصيليَّة مكسورةٌ، و«أن» المصدريَّة مفتوحةٌ في الأربعة (فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اليَمَنِ) هو أبو شَاهٍ؛ بشينٍ مُعجَمَةٍ وهاءٍ منوَّنةٍ، كما في «فتح الباري» (فَقَالَ: اكْتُبْ لِي) أي: الخطبة التي سمعتها منك (يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ) صلعم : (اكْتُبُوا لأَبِي / فُلَانٍ) أي: لأبي شَاهٍ (فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ) هو العبَّاس بن عبد المُطَّلِب: قل يا رسول الله: «لا يُختلَى شوكُها ولا يُعضَدُ شجرُها» (إِلَّا الإِذْخِرَ يَا رَسُولَ اللهِ) بكسر الهمزة وسكون الذَّال وكسر الخاء المُعجَمَتين؛ وهو نبتٌ معروفٌ طيِّب الرَّائحة، ويجوز فيه: الرَّفعُ على البدل من السَّابق، والنَّصبُ على الاستثناء لكونه واقعًا بعد النَّفي (فَإِنَّا نَجْعَلُهُ فِي بُيُوتِنَا) للسّقف فوق الخشب، أو يخلط بالطِّين لئلَّا ينشقَّ(16) إذا بُنِيَ به (وَقُبُورِنَا) نسدُّ به فُرَجَ اللَّحد المتخلِّلة بين اللَّبِنَات (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم ) بوحيٍ في الحال أو قبل ذلك، أو أنَّه إن طلب منه أحدٌ استثناءَ شيءٍ منه فاستَثْنِه (إِلَّا الإِذْخِرَ) وللأَصيليِّ(17): ”إلَّا الإِذْخِرَ _مرَّتين_“، فتكون الثَّانية للتَّأكيد، وفي فرع «اليونينيَّة» هنا زيادةٌ؛ وهي: ”قَالَ أَبُو عَبْدِ اللهِ“ أي: البخاريّ: ”يُقَالُ: يُقَادُ؛ بِالقَافِ، فَقِيلَ لأَبِي عَبْدِ اللهِ: أَيُّ شَيْءٍ كَتَبَ لَهُ؟ قَالَ(18): كَتَبَ لَهُ هَذِهِ الخُطْبَةَ“ وليس هذا التَّفسير عند أبي ذَرٍّ والأَصيليِّ وأبي الوقت وابن عساكر.


[1] (ب) و(س): «منصرف».
[2] قوله: «وأراد به أنَّ الشَّكَّ فيه من شيخه» سقط من (د).
[3] هو شيبان المذكور في أول الحديث.
[4] في (د): «وهو».
[5] قوله: «ممَّا ليس في اليونينيَّة» سقط من (ص).
[6] في (ب) و(س): «و».
[7] في (ب) و(س): «أحلت».
[8] في (ص): «إذ».
[9] «والصَّيد الميت»: سقط من (م).
[10] في (ص): «الذي».
[11] في (ص) و(م): «يلتقط»، وهو خطأ.
[12] قوله: «ولغير الكُشْمِيْهَنِيِّ: بخيرٍ...وصُحِّح على قوله: له قتيلٌ» سقط من (د).
[13] في (ب) و(س): «بخير»، وفي (د): «بخير النَّظرين».
[14] في (م): «القاتل».
[15] قوله: «قال الدَّمامينيُّ: ولعلّ معنى...فيستقيم المعنى» سقط من (د) و(ص).
[16] في (ص) و(م): «يتشقَّق».
[17] قوله: «بوحيٍ في الحال أو قبل ذلك...فاستثنه إِلَّا الإِذْخِرَ وللأَصيليِّ» سقط من (ص).
[18] في (ب) و(س): «فقال».