التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: عجبت من هؤلاء اللاتي كن عندي فلما سمعن صوتك ابتدرن الحجاب

          3683- قوله: (وَعِنْدَهُ نِسْوَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ يُكَلِّمْنَهُ وَيَسْتَكْثِرْنَهُ) يريد العطاء، وقال النَّوويُّ: أي يطلبن كثيرًا من كلامه وجوابه لحوائجهنَّ.
          قوله: (عَالِيَةً أَصْوَاتُهُنَّ) هو برفع عالية ونصبه، قال القاضي عياض: ويحتمل أنَّ هذا كان قبل النَّهي عن رفع الصَّوت فوق صوته، ويحتمل أنَّ علوَّ أصواتهنَّ إنَّما كان لاجتماعهنَّ في الصَّوت لأنَّ (1) كلام كلِّ واحدة بانفرادها أعلى من صوته صلعم .
          قوله: (فَقَالَ: يَا عَدُوَّاتِ أَنْفُسِهِنَّ تَهَبْنَنِي) بفتح الهاء، أي: تُوَقِّرنَنِي ولا تُوَقِّرن رسول الله صلعم .
          قوله: (فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : إِيهًا يَا ابْنَ الخَطَّابِ) هي بكسر الهمزة اسم الفعل، تقول للرَّجل إذا استزدته من حديث أو عمل (إيهِ) بكسر الهاء، أي: هات، وإن وصلت نَوَّنت، فرسول الله صلعم استزاد منه توقير جانبه صلعم ، ولذلك عقبه بما يمدحه رضًى منه بفعاله كلِّها لا سيَّما هذه الفعلة.وقال التُّوْرِبِشْتيُّ: إنَّها اسم سُمِّيَ به الفعل لأنَّ معناه الأمر، تقول للرَّجل إذا استزدته في حديث أو عمل: إيهٍ بكسر الهاء، فإن وصلت نَوَّنت وقلت: إِيهٍ حَدِّثْنَا، وإذا سكَّنته وكففته قلت: إيهًا عنَّا، وفي حقِّه في هذا الحديث أن يكون إيهًا، أي: كفَّ يا ابن الخطَّاب عن هذا الحديث، ورواية البخاريِّ في كتابه مجرورًا مُنوَّنًا.
          وقال السَّفاقسيُّ: ضُبِطَ بكسر واحدة، وصوابه بفتحة واحدة، أي: كُفَّ عن لومهنَّ، وذلك أنَّ إيهٍ بالكسر والتَّنوين لا تبتدئنا، وبغير تنوين: كفَّ عن حديث عَهِدْنَاهُ.وقال القاضي في «المشارق»: إنَّها بكسر الهمزة كلمة تصديق وارتضاء، ومنه قول ابن الزُّبير وقد قيل له: يا ابن ذات النِّطاقين إِيهًا والْإِلَهِ، وإيه مكسورة منوَّنة كلمة استزادة من حديث لا نعرفه، وغير منوَّنة استزادة من حديث نعرفه.وقال يعقوب: يُقَالُ للرَّجل إذا استزدته من عمل أو حديث: إِيه، فإن وصلت قلت: إِيهٍ حَدِّثْنَا منوَّن.قال ثابت: ويُقَالُ: إيهًا عنَّا، أي: كفَّ، ويْهًا إذا غريته أو زجرته، واهًا إذا تعجَّبت.وقال اللَّيث: إيهٍ كلمة استزادة واستنطاق، وقد تُنَوَّنُ، وإيهَ كلمة زجر، وقد تُنَوَّنُ فيُقَالُ: إيهًا.
          وفي «نهاية» ابن الأثير أنَّه لمَّا أنشد شعر أميَّة بن أبي الصَّلت قال عند كلِّ بيت: إيه، وهي كلمة استزادة مبنيَّة على الكسر، فإذا وصلت نوَّنت فقلت: إِيهٍ حَدِّثْنَا، وإذا قلت: إيهًا بالنَّصب فإنَّما تأمره بالسُّكوت.قال: ومنه قول ابن الزُّبير لمَّا قيل له: يا ابن ذات / النِّطاقين إِيهًا والْإِلَهِ، أي: صدقت ورضيت بذلك.ويُروَى إيه بالكسر، أي: زدني من هذه المنقبة.
          تنبيه: قال الطِّيبيُّ: معنى قول عمر: (تَهَبْنَنِي وَلَا تَهَبْنَ رَسُوْلَ اللهِ صلعم) أي: تُوَقِّرنَنِي ولا توقِّرن رسول الله كما قدَّمناه من قولهم: هبت الرجل إذا وقَّرته وعظَّمته، ويُقَالُ: هبِ النَّاس يهابوك، أي: وقِّرهم يُوَقِّروك.
          ولا شكَّ أنَّ الأمر بتوقير رسول الله صلعم مطلوب لذاته يجب الاستزادة منه فكان قول رسول الله صلعم : ((إيهًا)) استزادة منه في طلب توقيره وتعظيم جانبه، ولذلك عقب بقوله: ((وَالذِيْ نَفْسِيْ بِيَدِهِ)) إلى آخره، فإنَّه يدلُّ على استرضاء ليس بعده استرضاء، إحمادًا منه صلعم لفعاله كلِّها لا سيَّما هذه الفعلة.انتهى.وهذا هو الذي قلنا أوَّل الكلام.
          قوله: (فَقُلْنَ نَعَمْ أَنْتَ أَفَظُّ وَأَغْلَظُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلعم) الأفظُّ: إمَّا بمعنى الفظُّ، وإمَّا باعتبار القدر الذي في النَّبيِّ صلعم من إغلاظه على الكفَّار وعلى المنتهكين لحرمات الله تعالى.
          قوله: (مَا لَقِيَكَ الشَّيْطَانُ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيْرَ فَجِّكَ) الفجُّ: الطَّريق الواسع، ويُطلَقُ أيضًا على المكان المنخرق بين الجبلين.قال النَّوويُّ: والحديث محمول على ظاهره وأنَّ الشَّيطان متى رأى عمر سالكًا فجًّا هرب لرهبته منه وشدَّة بأسه من خوف أن يفعل فيه عمر شيئًا، ويحتمل أنَّه مثلٌ لبعد الشَّيطان عنه وأنَّه في جميع أموره سالك مسالك الشَّدائد، وفي هذا الحديث أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض: صالح والزُّهريُّ وعبد الحميد ومحمَّد بن سعد.


[1] كذا صورتها في الأصل، والسياق ينسابه:((لا أن)).