التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: أن رسول الله مات وأبو بكر بالسنح

          3667- 3668- قوله: (مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلعم وَأَبُو بَكْرٍ بِالسُّنْحِ) بضم السِّين المهملة وسكون النُّون وبحاء مهملة، وقيل: بضمِّ النُّون أيضًا، وهو موضع بعوالي إلى المدينة فيه منازل بني الحارث بن الخزرج، بينه وبين منزل رسول الله صلعم ميل، وبِالسُّنْحِ وُلِدَ عبد الله بن الزُّبير، وكان أبو بكر هناك نازلًا، قاله البكريُّ.قال القاضي: وكان أبو ذرٍّ يقوله: بإسكان النُّون.
          قوله: (فَقَامَ عُمَرُ يَقُولُ: وَاللهِ مَا مَاتَ رَسُولُ اللهِ صلعم ، وَلَيَبْعَثَنَّهُ اللهُ) أي: من مرضه صحيحًا.وقول عمر هذا قد يُظَنُّ أنَّه حصل له من شدَّة ما دهمه من سماع أنَّه قد مات وعظم المصاب، وقد وقع في «سيرة ابن إسحاق» ما يزيل الإشكال فقال: وحدَّثني حسين بن عبد الله عن عكرمة عن ابن عبَّاس قال: فوالله إنِّي لأمشي مع عمر في خلافته وهو عامدٌ إلى حاجةٍ له وفي يده الدُّرة وما معه غيري، قال: وهو يحدِّث نفسه ويضرب وحشي قدمه بِدُرَّتِهِ، قال: إذ التَفَتَ إليَّ فقال: يا ابن عبَّاس هل تدري ما كان حملني على مقالتي التي قلت حين تُوفِّيَ رسول الله صلعم ؟ قال: قلت لا، قال: فوالله إن كان الذي حملني على ذلك إلَّا أنَّي كنت أقرأ هذه الآية: / {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا}[البقرة:143] فوالله إن كنت لأظنَّ أنَّ رسول الله صلعم سيبقى في آخر أمَّته حتَّى يشهد عليها في آخر أعمالها، فإنَّه الذي حملني على أن قلت ما قلت.
          قوله: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ يُذِيقَنَّكَ اللهُ المَوْتَتَيْنِ أَبَدًا).
          إن قلت: فذهب أهل السُّنَّة أنَّ في القبر حياة وموتًا فلا بدَّ من ذوق الموتتين.قال الكِرْمَانِيُّ: قلت: المراد منه نفي الموت اللَّازم من الذي أثبته عمر من قوله: ليبعثنَّه الله في الدُّنيا لقطع أيدي القائلين بموته.وليس فيه نفي موت عالم البرزخ، ويحتمل أن يراد أنَّ حياتك (1) في القبر لا يتعقَّبه موت فلا يذوق مشقَّة الموت مرَّتين بخلاف سائر الخلائق فإنَّهم يموتون في القبر ثمَّ يحيون يوم القيامة، وإنَّما جاز لعمر أن يحلف على مثل هذا الأمر بناء على ظنِّه حيث أدَّى اجتهاده إليه، وفيه فضيلة عظيمة لأبي بكر ورجحان علمه على علم عمر وغيره.
          قوله: (عَلَى رِسْلِكَ) بكسر الرَّاء، أي: على هَيْنَتكَ، يُقَالُ: افعل كذا على رسلك، أي: اتَّئد فيه وتأنَّى، كما يُقَالُ: على هَيْنَتَكَ، قاله الجوهريُّ، أي: اتَّئد في الحلف أو كن على التَّؤدة فيه ولا تستعجل.
          قوله: (فَنَشَجَ النَّاسُ يَبْكُونَ) بنون وشين معجمة وجيم، يُقَالُ: نشج الباكي إذا غصَّ في حلقه البكاء من غير انتحاب، قاله ابن فارس، قال: والنَّحيب بكاء معه صوت وأعوال، وكذا قال الجوهريُّ: نَشَجَ الباكي يَنْشِجُ نَشْجًا إذا غصَّ بالبكاء في حلقه من غير انتحاب، وقال الخطَّابيُّ: النَّشِيْجُ بكاء معه صوت.
          قوله: (وَاجْتَمَعَتِ الأَنْصَارُ إِلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ) هي موضع كالسَّاباط كان مجتمع الأنصار ودار ندوتهم.
          قوله: (ثُمَّ تَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ أَبْلَغَ النَّاسِ) هو بنصب (أَبْلَغَ) قال السُّهيليُّ: ليس له وجه إلَّا الحال وحيث هنا ليرتبط الكلام بما قبله تأكيدًا لمدحه، وصرف الوهم عن أبي بكر، والممدوح بالبلاغة غيره.وقال القاضي: ضبطناه بالنَّصب ويصحُّ فيه الرَّفع على الفاعل، أي: تكلَّم به عن حال هذه الصِّفة.
          قوله: (فَقَالَ حُبَابُ بْنُ المُنْذِرِ) بضمِّ الحاء المهملة وتخفيف الباء الموحَّدة الأولى، كان يُقَالُ له ذو الرَّأي، وهو الذي أشار على رسول الله صلعم أن ينزل يوم بدر على مائه للقاء العدوِّ، ونزل جبريل فقال: الرَّأي ما أشار به حُبَابُ، مات ☺ في خلافة عمر.
          قوله: (هُمْ أَوْسَطُ العَرَبِ) يعني قريش أشرف قبيلة والدَّار مكَّة.قال الخطَّابيُّ: أراد سِطْةَ النَّسب، ومعنى الدَّار القبيلة.
          قوله: (وَأَعْرَبُهُمْ أَحْسَابًا) أي: أحسنهم شمائلَ وأفعالًا، والحسب مأخوذ من الحساب، كانوا إذا / حسبوا مناقبهم فمن عُدَّ له مناقب أكثر كان أحسب، يعني أنَّهم أشبه شمائل وأفعالًا بالعرب.ويُقَالُ: ألبست فلانًا والحسب للفعال، وقول حُبَاب: (مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ) كان على جاري عادة العرب بينهم أن لا يسوَّد القبيلة إلَّا رجل منهم، فلمَّا ثبت عنده أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((الأَئِمَّةُ مِنْ قُرِيْشٍ)) ادعيت (2) الأنصار وتابعوا أبا بكر.وقال ابن الملقِّن: أَعْرَقَهُم أحسابًا بعين مهملة وقاف، قال: وفي بعض النُّسخ بالباء الموحَّدة، وعليها مشى ابن التِّين وقال ما قدَّمناه.
          قوله: (فَقَالَ قَائِلُهُمْ: قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ) هو كناية عن الإعراض عنه والخذلان له.
          قوله: (فَقَالَ عُمَرُ: قَتَلَهُ اللهُ) هذا إمَّا إخبار عمَّا قدَّر الله من إهماله وعدم نصرته للحقِّ، إذ رُوِيَ أنَّه تخلَّف عن البيعة وخرج عن المدينة ولم يعد إليها حتَّى مات بالشَّام في ولاية عمر (3) وجد ميتًا في مغتسله وقد اخْضَرَّ جسده، ولم يشعروا بموته حتَّى سمعوا هاتفًا يقول ولا يُرَىَ شخصه:
قَتَلْنَا سَيِّدَ الخَزْرَجِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةْ                     رَمَيْنَاهُ بِسَهْمَيْنِ فَلَمْ نُخْطِ فُؤَادَه


[1] كذا هي في الأصل، ولعل الصواب:((حياته)).
[2] كذا هي في الأصل، ولعل الصواب:((دُعِيَتْ)).
[3] قوله:((عمر)) ليس في الأصل والسِّياق يقتضيها.