التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

باب مناقب المهاجرين وفضلهم

          ░2▒ (بَابُ مَنَاقِبِ المُهَاجِرِينَ وَفَضْلِهِمْ).
          المنقبة ضدُّ المَثْلَبَةِ.
          (مِنْهُمْ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ عَبْدُ اللهِ بْنُ أَبِي قُحَافَةَ التَّيْمِيُّ).
          اسم أبي قحافة عثمان بن عامر القُرشيُّ، أسلم عام الفتح وعاش إلى خلافة عمر، مات سنة أربع عشرة، قيل: كان اسم الصِّدِّيق في الجاهليَّة عبد الكعبة فسمَّاه النَّبيُّ عبد الله، وإنَّما سُمِّيَ عتيقًا لأنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى عَتِيقٍ مِنَ النَّارِ فَلْيَنْظُرْ إِلَى أَبِيْ بَكْرٍ)) وقيل: بل أمُّه سمَّته عتيقًا، وقيل: بل سُمِّيَ بذلك لجمال وجهه، والعتيق الحسن، كأنَّه أُعْتِقَ من الذَّم والعيب، وقيل: بل كان له أخ قبله يُسمَّى عتيقًا فسُمِّيَ به، وقيل: لأنَّه قديم في الخبر، وقيل: غير ذلك.
          يجتمع مع النَّبيِّ صلعم في مُرَّة، وسُمِّيَ الصِّدِّيق لتصديقه رسول الله صلعم ، وذكر ابن المنيِّر (1) أنَّه لمَّا أُسرِيَ برسول الله قال لجبريل: ((إنَّ قومي لا يُصدِّقوني، قال: يصدِّقك أبو بكر وهو الصِّدِّيق)) كان أوَّل (2) الرِّجال إسلامًا، بل في مدح حسَّان الذي قاله فيه وسمعه رسول الله صلعم ولم ينكر عليه أنَّه أوَّل مسلم إذ قال:
إذا تذكَّرْتَ شجوًا من أخي ثقةٍ                     فاذكُر أخاكَ أبا بكرٍ بما فَعَلا
خيرَ البريَّةِ أتقاها وأفضلها                     بعد النَّبيِّ وأوفاها بما حَملا
والثَّاني التَّاليَ المحمودَ مشهدُهُ                     وأوَّل النَّاس منهم صدَّق الرُّسُلا
          كان ☺ أبيض نحيفًا خفيف العارضين، له ولأبويه وولده وولد ولده صحبة، ولم يجتمع هذا لأحد من الصَّحابة، وُلِدَ بمكَّة بعد الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلَّا / أيَّامًا، أمُّه أمُّ الخير سلمى، ولي الخلافة سنتين ونصف، وقيل: وأربعة أشهر إلَّا عشرة أيَّام، وقيل: إلَّا أربعة أيَّام، وقيل: غير ذلك، له عن رسول الله صلعم مائة حديث واثنان وأربعين حديثًا، اتَّفق الشَّيخان عنه في ستِّة أحاديث، وانفرد البخاريُّ بأحد وعشرين، وانفرد مسلم بحديث واحد، تُوفِّيَ بالمدينة ليلة الثُّلاثاء بين المغرب والعشاء لثمان بقين من جمادى الآخرة فيما ذكره ابن الأثير، وفي جمادى الأولى فيما ذكره العلائيُّ، وهو الذي ذكره غيره أيضًا سنة ثلاث عشرة، عن ثلاث وستِّين سنة، وقيل: عن خمس وستِّين سنة، والأَّول أصحُّ، وَدُفِنَ بالحُجْرَة الشَّريفة مع سيدنا رسول الله صلعم .
          فائدة: عن الإمام فخر الدِّين الرَّازيُّ أنَّه ذكر في تفسير سورة الفاتحة في الباب العاشر في بعض النُّكت المُستَخْرَجَة من قولنا: بسم الله الرَّحمن الرَّحيم؛ في النُّكتة التَّاسعة رُوِيَ عَنِ النَّبيِّ صلعم أَنَّهُ دَفَعَ خَاتَمَهُ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ فَقَالَ: اكْتُبْ فِيهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَدَفَعَهُ أَبُوْ بَكْرٍ إِلَى النَّقَّاشِ وَقَالَ: اكْتُبْ فِيهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ، فَكَتَبَ النَّقَّاشُ فِيهِ ذَلِكَ، فَأَتَى أَبُو بَكْرٍ بِالْخَاتَمِ إِلَى النَّبيِّ صلعم فَرَأَى فِيهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، مَا هَذِهِ الزَّوَائِدُ؟ فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا أَرَدْتُ أَنْ أُفَرِّقَ اسْمَكَ عَنِ اسْمِ اللهِ، وَأَمَّا الْبَاقِي فَمَا قُلْتُهُ، فَجَاءَ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ أَمَّا اسْمُ أَبِي بَكْرٍ فَكَتَبْتُهُ لِأَنَّهُ مَا رَضِيَ أَنْ يُفَرَّقَ اسْمَهُ عَنِ اسْمِكَ.انتهى كلامه.وحديث الصِّدِّيق في الهجرة تقدَّم قريبًا.


[1] صورتها في الأصل:((المني)).
[2] قوله:((أول)) ليس في الأصل والسِّياق يقتضيها.