التلويح إلى معرفة ما في الجامع الصَّحيح

حديث: لا تسبوا أصحابي فلو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما بلغ

          3673- قوله صلعم : (لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي) قال النَّوويُّ: سبُّ الصَّحابة حرام من فواحش المحرَّمات سواء من لابس منهم الفتن وغيره، لأنَّهم مجتهدون في تلك الحروب متأوِّلون، ومذهبنا ومذهب الجمهور أنَّ من سبَّهم عُزِّرَ، وقال بعض المالكيَّة: يُقْتَلُ، وقال القاضي عياض: سبُّ أحدهم من الكبائر.
          قوله: (فَلَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ أَنْفَقَ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا بَلَغَ مُدَّ أَحَدِهِمْ) أي: في الثَّواب.قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ} الآية [الحديد:10].
          قوله: (وَلاَ نَصِيفَهُ) هو بفتح النُّون النِّصف وبضمِّها مصغَّر، وقيل: إنَّ النَّصيف مكيال دون المدِّ، وفيه أربع لغات: كسر النُّون وضمُّها وفتحها كما تقدَّم بزيادة الياء.قال الخطَّابيُّ: يعني أنَّ المدَّ من التَّمر يتصدَّق به الواحد من الصَّحابة مع الحاجة إليه أفضل من الكثير الذي ينفقه غيرهم مع السَّعة، وقد يُروَى: (مَدَّ أَحَدِهِم) بفتح الميم، يريد الطُّول والفضل، وليس المعنى أنَّه لا ينال أحد من غير الصَّحابة بإنفاق مثل أحد ذهبًا من الفضيلة والأجر ما نال أحد الصَّحابة بإنفاق مدِّ طعام أو نصفه، بل المعنى أنَّ ما قال به أحدهم من / مزيَّة الإخلاص وصدق النِّيَّة وكمال النَّفس والسَّابقة والتَّصدق بالقليل مع الحاجة كما قدَّمناه لا يساويه من لم يقرَّ بذلك وإن تصدَّق بمثل أحد ذهبًا.وقال الطِّيبيُّ: يمكن أن يُقَالُ: فضيلتهم بحسب إنفاقهم وعظم موقعه كما قال تعالى: {لَا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ أُولَئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ (1) وَقَاتَلُوا}[الحديد:10] أي: قبل فتح مكَّة وقبل عزِّ الإسلام وقوَّة أهله ودخول النَّاس في دين الله أفواجًا وقلَّة الحاجة إلى القتال والنَّفقة فيه، هذا في الإنفاق فكيف بمجاهدتهم وبذل أرواحهم ومهجهم وفراغهم بين يدي رسول الله صلعم وغير ذلك.
          تنبيه: إن قلت: من المخاطبون بلفظ: ((لاَ تَسُبُّوا أَصْحَابِي)) والصَّحابة هم الحاضرون؟ قال الكِرْمَانِيُّ: لغيرهم من المسلمين المفروضين في العقل، جعل من سيُوجَدُ كالموجود الحاضر وجودهم المرتقب.
          قوله في المتابعة: (وَأَبُو مُعَاوِيَةَ) يعني الضَّرير محمَّد بن حازم بحاء وزاي معجمتين، تُوفِّيَ في صفر سنة خمس وتسعين ومائة.


[1] زاد في الأصل:((الفتح)) وهو خطأ وزيادة في الآية.