التلقيح لفهم قارئ الصحيح

حديث: من آمن بالله ورسوله كان حقًا على الله أن يدخله الجنة هاجر

          7423- قوله: (حَدَّثَنَا(1) مُحَمَّدُ بْنُ فُلَيْحٍ): تَقَدَّمَ مِرارًا أنَّ (فُلَيحًا) بضَمِّ الفاء، وفتح اللام، و(هِلَالٌ): هو ابنُ عليٍّ، وهو هلال بن أبي ميمونة، وهو هلال ابن أسامة، منسوب إلى جدِّه، تَقَدَّمَ [خ¦2125].
          قوله: (وُلِدَ فِيهَا): (وُلِد): مَبْنيٌّ لِما لمْ يُسَمَّ فاعِلُهُ، وهذا ظاهِرٌ جدًّا.
          قوله: (إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِهِ): اعلم أنَّه ثبت في «البُخاريِّ» و«مسلمٍ» عنه ◙ أنَّه قال: «إِنَّ فِي الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ، مَا بَينَ كُلِّ دَرَجَتَينِ كَمَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ»، وهذا يدلُّ أنَّها في غاية العُلُوِّ والارتفاع، والحديثُ له لفظان: أحدهما هذا، والثاني: «إنَّ فِي الجَنَّةِ مِئَةَ دَرَجَةٍ، مَا بَينَ كُلِّ دَرَجَتَينِ كَمَا بَينَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ، أَعَدَّهَا اللهُ لِلْمُجَاهِدِينَ في سَبِيلِهِ»، وبعضُ الحُفَّاظ المحقِّقين من المُتَأخِّرين يرجِّح هذا اللَّفظَ، وهو لا ينفي أن يكونَ درجُ الجنَّة أكثرَ من ذلك، ونظيرُ ذلك قولُه في الحديث الصحيح: «إنَّ لله تسعةً وتسعين اسمًا، مَن أحصاها؛ دخل الجنَّة»؛ أي: من جملة أسمائه تعالى هذا العددُ، فيكون الكلامُ جملةً واحدةً في الموضعين، ويدلُّ على صحَّة هذا: أنَّ منزلةَ نبيِّنا مُحَمَّدٍ صلعم فوقَ هذا كلِّه في درجة الجنَّة، ليس فوقها درجةٌ، وتلك المئة ينالها آحاد أمَّته.
          وفي «المسند» عن أبي سعيد ☺، عنه ◙: «أنَّه يُقال لصاحب القرآن إذا دخل الجنَّة: اقرأْ واصعَدْ، فيقرأُ ويصعَدُ بكلِّ آيةٍ درجةً حتَّى يقرأَ آخرَ شيءٍ معه»، وهذا تصريحٌ في أنَّ درجَ الجنَّةِ يزيد على المئة، وقد جاء أنَّ درجَها عددُ آيِ القرآن؛ ستَّةِ آلافٍ ومئتين وستةَ عشرَ، وأمَّا في حديث أبي هريرة الذي رواه البُخاريُّ: «مئة درجة» [خ¦2790] [خ¦7423]؛ فإمَّا أن تكون هذه المئة درجةٍ من جملة الدَّرج، وإمَّا أن تكون نهايتُها هذه المئةَ، وفي ضمن كلِّ درجةٍ درجٌ دونها.
          ويدلُّ على المعنى الأوَّل حديثُ معاذٍ في «التِّرْمِذيِّ».
          وقد رُوِيَت هذه الأحاديثُ بلفظة: (في) وبدونها، فإن كان المحفوظَ ثبوتُها؛ فهي من جملة درجِها، وإن كان المحفوظَ سقوطُها؛ فهي الدرجُ الكبار المتضمِّنة للدرج الصغار، ولا تناقضَ بين تقدير الدَّرجتين بالمئة وتقديرها بالخمس مئة؛ لاختلاف السَّير في السُّرعة والبُطْء، والنَّبيُّ صلعم ذكر هذا تقريبًا لأفهامنا، وثَمَّ حديثٌ يدلُّ لذلك، والله أعلم، انتهى، أو أنَّ المجاهدَ له مئةُ درجةٍ، وحاملُ القرآن له درجٌ عدد آي القرآن، وقد صحَّ في درج المجاهد خمس مئة عام بين كلِّ درجتين، وجاء في درج حامل القرآن كذلك؛ فعلى هذا؛ حامل القرآن أفضلُ، والله أعلم. /
          قوله: (وَفَوْقَهُ عَرْشُ الرَّحْمَنِ): (فوقَه) هنا في أصلنا وفيما تَقَدَّمَ بالنصب، والصوابُ الرفعُ، وقد قَدَّمْتُ في (باب درجات المجاهدين) في (كتاب الجهاد) ما في ذلك [خ¦2790]، وذكرتُ كلامَ القاضي عياض وابنِ قُرقُول، وكلامَ المِزِّيِّ؛ فانظره، والصوابُ الرَّفع، كما قدَّمتُه عنهم.


[1] كذا في (أ)، وفي «اليونينيَّة» و(ق): (حَدَّثَنِي).