-
المقدمة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
كتاب الجمعة
-
أبواب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
باب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
أبواب صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
كتاب الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب المظالم
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
كتاب المناقب
-
كتاب فضائل الصحابة
-
كتاب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
كتاب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
-
باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى
-
باب قول الله تبارك وتعالى: {قل ادعوا الله أو ادعوا الرحمن}
-
باب قول الله تعالى: أنا {الرزاق ذو القوة المتين}
-
قول الله تعالى: {عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدًا}
-
قول الله تعالى: {السلام المؤمن}
-
قول الله تعالى: {ملك الناس}
-
قول الله تعالى: {وهو العزيز الحكيم}
-
قول الله تعالى: {وهو الذي خلق السموات والأرض بالحق}
-
قول الله تعالى: {وكان الله سميعًا بصيرًا}
-
باب قول الله تعالى: {قل هو القادر}
-
مقلب القلوب
-
إن لله مائة اسم إلا واحدًا
-
السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها
-
باب ما يذكر في الذات والنعوت وأسامي الله
-
قول الله تعالى: {ويحذركم الله نفسه}
-
قول الله تعالى: {كل شيء هالك إلا وجهه}
-
قول الله تعالى: {ولتصنع على عيني}
-
{هو الله الخالق البارئ المصور}
-
قول الله تعالى: {لما خلقت بيدي}
-
قول النبي: «لا شخص أغير من الله»
-
{قل أي شيء أكبر شهادة قل الله}
-
باب: {وكان عرشه على الماء}
-
باب قول الله تعالى: {تعرج الملائكة والروح إليه}
-
قول الله تعالى: {وجوه يومئذ ناضرة*إلى ربها ناظرة}
-
باب ما جاء في قول الله تعالى: {إن رحمت الله قريب من المحسنين}
-
قول الله تعالى: {إن الله يمسك السموات والأرض أن تزولا}
-
ما جاء في تخليق السموات والأرض وغيرها من الخلائق
-
باب:{ولقد سبقت كلمتنا لعبادنا المرسلين}
-
باب قول الله تعالى: {إنما قولنا لشيء}
-
قول الله تعالى: {قل لو كان البحر مدادًا لكلمات ربي}
-
قول الله تعالى: {تؤتي الملك من تشاء}
-
باب قول الله تعالى: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}
-
باب كلام الرب مع جبريل ونداء الله الملائكة
-
باب قول الله تعالى: {أنزله بعلمه والملائكة يشهدون}
-
باب قول الله تعالى: {يريدون أن يبدلوا كلام الله}
-
باب كلام الرب عز وجل يوم القيامة مع الأنبياء وغيرهم
-
باب قوله: {وكلم الله موسى تكليمًا}
-
باب كلام الرب مع أهل الجنة
-
باب ذكر الله بالأمر وذكر العباد بالدعاء والتضرع
-
باب قول الله تعالى: {فلا تجعلوا لله أندادًا}
-
باب قول الله تعالى {وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم}
-
باب قول الله تعالى: {كل يوم هو في شأن}
-
باب قول الله تعالى: {لا تحرك به لسانك}
-
باب قول الله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به}
-
باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: رجل أتاه الله القرآن
-
باب قول الله تعالى: {يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك}
-
باب قول الله تعالى: {قل فأتوا بالتوراة فاتلوها}
-
باب: وسمى النبي الصلاة عملًا
-
باب قول الله تعالى: {إن الإنسان خلق هلوعًا}
-
باب ذكر النبي وروايته عن ربه
-
باب ما يجوز من تفسير التوراة وغيرها من كتب الله بالعربية وغيرها
-
باب قول النبي: «الماهر بالقرآن مع الكرام البررة»
-
باب قول الله تعالى: {فاقرؤوا ما تيسر من القرآن}
-
باب قول الله تعالى: {ولقد يسرنا القرآن للذكر}
-
باب قول الله تعالى: {بل هو قرآن مجيد فى لوح محفوظ}
-
باب قول الله تعالى: {والله خلقكم وما تعملون}
-
باب قراءة الفاجر والمنافق وأصواتهم وتلاوتهم لا تجاوز حناجرهم
-
باب قول الله تعالى: {ونضع الموازين القسط}
-
باب ما جاء في دعاء النبي أمته إلى توحيد الله تبارك وتعالى
قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[الأنبياء:47]): ذكر ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (جمع البُخاريُّ في هذه الترجمةِ بين فوائدَ؛ منها: وصفُ الأعمال بالوزن، ومنها: إدراجُ الكلام في الأعمال؛ لأنَّه وصفَ الكلمتين بالخِفَّة على اللسان والثِّقَل في الميزان، دلَّ أنَّ الكلامَ يوزن، ومنها: أنَّه ختم كتابه بهذا التسبيح، وقد ورد في الحديث ما يدلُّ على استحباب خَتْمِ المجالس بالتسبيح، وأنَّه كفَّارةٌ لِما لعلَّه يتَّفق في أثناء الكلام ممَّا ينبغي محوُه، وهو نظيرُ كونه بدأ كتابه بحديث: «الأعمال بالنيَّات»، فكأنَّه تأدَّب في فاتحته وخاتمته بآداب السُّنَّة والحقِّ، والأدب في الابتداء: إخلاصُ القصد والنِّيَّةِ، [و] في الانتهاء: مراقبةُ الخواطر، ومناقشةُ النفس على الماضي، والاعتمادُ في تكفير ما لعلَّه يحتاج إلى التكفير بما جعله الشرع مكفِّرًا للهَفَوات، مُخْلِّصًا للحسنات من النَّزَغَات، الداخلة في حيِّز الهَفَوات، والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب)، انتهى.
اعلم أنَّه روى التِّرْمِذيُّ في «جامعه» وغيرُه من حديث أبي هريرة ☺ قال: قال رسول الله صلعم: «مَن جلس في مجلسٍ، فكثر فيه لَغَطُه، فقال قبل أن يقوم: سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلَّا أنت، أستغفرك وأتوب إليك؛ إلَّا غُفِرَ له ما كان في مجلسه ذلك»، قال التِّرْمِذيُّ: حديثٌ حسنٌ صحيحٌ، وفي «أبي داود» وغيرِه: عن أبي بَرْزَة ☺ قال: (كان رسول الله صلعم يقول بأَخَرَةٍ إذا أراد أن يقوم من مجلسه: «سبحانك اللهمَّ وبحمدك، أشهد أن لا إله إلَّا أنت، / أستغفرك وأتوب إليك»، فقال رجلٌ: يا رسول الله؛ إنَّك لتقول قولًا ما كنتَ تقوله فيما مضى، قال: «ذلك كفَّارةٌ لِما يكون في المجلس»)، ورواه الحاكم في «المستدرك» من حديث عائشة ♦، وقال: (صحيح الإسناد)، وفي «الحِلْيَة» لأبي نُعَيم أحمدَ بنِ عبد الله بن إسحاق الحافظِ عن عليٍّ ☺، قال: (مَن أحبَّ أن يكتال بالمكيال الأوفى؛ فليقل في آخر مجلسه، أو حين يقوم: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ. وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ. وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}[الصافات:180-182])، فهذا الظاهر الذي أشار إليه ابن المُنَيِّر وقبلَه البُخاريُّ، والله أعلم.
قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ تَعَالَى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[الأنبياء:47]...) إلى آخر كلامه: قال ابن فَوْرَك: قد أنكرتِ المعتزلةُ الميزانَ؛ بناءً على أنَّ الأعراضَ يستحيل وزنُها؛ إذ لا تقوم بأنفسها، ومن المتكلِّمين مَن يقول ذلك، ورُوِيَ عن ابن عَبَّاس: أنَّ الله يقلب الأعراضَ أجسامًا، فيزنُها يوم القيامة، وقد تَقَدَّمَ مثلُه في ذبح الموت [خ¦4730]: أنَّ الله يُجَسِّدُ المعانيَ أجسادًا، والصحيحُ أنَّ الموازينَ تثقل بالكتب فيها الأعمال مكتوبةٌ، وبها تخفُّ، كما دلَّ عليها الحديثُ والكتابُ العزيز.
قال ابن عمر: (تُوزن صحائف الأعمال)، وإذا ثبت هذا؛ فالصُّحُف أجسام، فيجعل الله رُجْحان إحدى الكِفَّتين على الأخرى دليلًا على كثرة أعماله بإدخاله الجنَّة والنَّار، ورُوِيَ عن مجاهد والضَّحَّاك والأعمش: أنَّ «الميزان» هنا بمعنى: العدل والقضاء، وذِكْرُ الوزن والميزان ضربُ مَثَلٍ _وقد نقل الذَّهَبيُّ في «الميزان»: أنَّه العدل عن عثمان بن مِقْسَم البُرِّيِّ، وهو أحد الأئمَّة على ضَعْفٍ فيه، وروى البُرِّيُّ عن منصور، وقتادة، والمقبريِّ، والكبار، وكان يُنكِر الميزانَ، ويقول: هو العدل_ وهذا ليس بشيءٍ وإن كان سائغًا في اللغة؛ للسُّنَّة الثابتة في الميزان الحقيقيِّ، ووصفه بكِفَّتين ولسان، وأنَّ كلَّ كِفَّة طباقُ السماوات والأرض، وقد جاء أنَّ كِفَّة الحسنات من نور، والأخرى من ظلام، والكِفَّة النيِّرة للحسنات، والكِفَّة المظلمة للسيِّئات.
ورُوِيَ عن سلمان أنَّه قال: (توضع الموازين يوم القيامة، فلو وُضِعت فيهنَّ السماوات والأرض؛ لوسعتهنَّ، فتقول الملائكة: يا ربَّنا؛ ما هذا؟ فيقول: أزِنُ به لمن شئتُ من خلقي، فتقول الملائكة عند ذلك: يا ربَّنا؛ ما عبدناك حقَّ عبادتك)، قال ابن عَبَّاس: (تُوزَن الحسناتُ والسيِّئاتُ في ميزانٍ له لسانٌ وكِفَّتان).
قال القرطبيُّ في «تذكرته»: (قال علماؤنا: لو جاز حمل الميزان على ما ذكروه؛ لجاز حملُ [الصراطِ](1) على الدِّين الحقِّ، والجنَّةِ والنَّارِ على ما يرد على الأرواح دونَ الأجساد من الأحزان والأفراح، والشياطين والجنِّ على الأخلاق المذمومة، والملائكةِ على القوى المحمودة، وهذا كلُّه فاسدٌ؛ لأنَّه ردٌّ لما جاء به الصادق، وفي «الصحيحين»: «فيُعطَى صحيفةَ حسناته» [خ¦4685]، وقولُه: «فتُخرَج له بطاقةٌ...»؛ الحديث؛ فهذا يدلُّ على الميزان الحقيقيِّ، وأنَّ الموزونَ صحفُ الأعمال، والله أعلم).
قوله: (وَإِنَّ أَعْمَالَ بَنِي آدَمَ): (إنَّ): بكسر الهمزة، كما في أصلنا، وفي نسخةٍ صحيحةٍ مقابَلةٍ بعِدَّة نسخٍ مقروءَةٍ: بالفتح ليس غير، ولكلٍّ وجهٌ.
قوله: (يُوزَنُ): قد اعتُرِض على البُخاريِّ بأنَّ الموزونَ الصحفُ التي تُكتَب فيها الأعمال _كما نُصَّ عليه في حديثِ التِّرْمِذيِّ في حديث البطاقة، وقال: (حسنٌ غريبٌ)، ورواه ابن ماجه_ لا الأعمال؛ إذ هي أعراضٌ عند أهل السُّنَّة لا ثقلَ لها ولا جسم، لكن قيل: إنَّ الله تعالى يُحَلِّيها في جواهرَ وأجسامٍ، فتصير أعمالُ المطيعين في صورةٍ حسنةٍ، وأعمالُ العاصين في صورةٍ قبيحةٍ، ثُمَّ يزنها، فصحَّ قوله: (يُوزَنُ)، وقد تَقَدَّمَ أعلاه الكلامُ في وزن الأعمال.
تنبيهٌ: حكى بعضُهم _كما قاله بعضُهم_ خلافًا، وقال: (الراجح أنَّ الوزنَ في الآخرة يصعَد الراجحُ، عكس الوزن في الدنيا، وهو غريبٌ)، انتهى، وهذا قيل: إنَّ السُّهَيليَّ نقله أو قاله، وهو مصادِمٌ للنصِّ في قوله: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ}[القارعة:8]، {فَأَمَّا مَن ثَقُلَتْ}(2) [القارعة:6]، ولقوله: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}[الأعراف:8]، ولحديث البطاقة: «فثقلت البطاقةُ، وطاشت السِّجلَّاتُ»، ولغيره من الأحاديث.
تنبيهٌ: هذه البطاقة فيها: (أشهد أن لا إله إلَّا الله وأشهد أنَّ مُحَمَّدًا عبدُه ورسولُه)، ليست شهادةَ التوحيد، قاله الحكيم التِّرْمِذيُّ، قال: (لأنَّ من شأنِ الميزانَ أن يُوضَع في كِفَّةٍ شيءٌ، وفي الأخرى ضدُّه، فتوضع الحسنات في كِفَّة، والسيِّئات في كِفَّة، فهذا غير مستحيل؛ لأنَّ العبد قد يأتي بهما جميعًا، ويستحيل أن يأتيَ بالكفر والإيمان جميعًا، فلذلك استحال أن تُوضَعَ شهادةُ التوحيد في الميزان، وأمَّا بعد أن آمن العبدُ؛ فإنَّ النطقَ بـ «لا إله إلَّا الله» حسنةٌ تُوضَع في الميزان مع سائر الحسنات).
وقال غيره: (إنَّ النطقَ بها زيادةُ ذِكْرٍ على حُسْنِ طاعةٍ، وتكون طاعةً [مقبولة] قالها في خلوة وخفية من المخلوقين، فتكون له عند الله تعالى وديعةً يردُّها عليه في ذلك اليوم، فيعظم قدرها، ويجلُّ موقعُها، وترجح بخطاياه، والله يتفضَّل على مَن يشاء)، ويدلُّ على هذا قولُه في الحديث: «بلى إنَّ لك عندنا حسنةً»، ولم يقل: عندنا إيمانًا، وقد سُئِل ◙ عن (لا إله إلَّا الله)؛ هي من الحسنات؟ فقال: «من أعظم الحسنات»، خرَّجه البيهقيُّ وغيرُه، ويجوز أن تكون هذه الكلمةُ هي آخرَ كلامه، كما في حديث معاذ عنه ◙: «مَن كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله؛ دخل الجنَّة»، وقد قيل: يجوز حمل هذه الشهادة على الشهادة التي هي الإيمان، ويكون ذلك في حقِّ كلِّ مؤمنٍ ترجح حسناته، ويُوزَن إيمانُه؛ كما تُوزَن سائر حسناته، وإيمانه يرجح بسيِّئاته، ويُدخِله الله النارَ بعد ذلك، فتطهِّره من ذنوبه، ويُدخِله الجنَّةَ بعد ذلك، وهذا مذهبُ قومٍ يقولون: إنَّ كلَّ مؤمنٍ يُعطَى كتابَه بيمينه، وكلَّ مؤمنٍ يثقل ميزانه، ويتأوَّلون قولَه تعالى: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}[الأعراف:8]؛ أي: الناجون من الخلود، وقوله(3): {فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ}[الحاقة:21]؛ أي: يومًا ما، وكذلك قوله ◙: «مَن كان آخر كلامه لا إله إلَّا الله؛ دخل الجنَّة»؛ أي: صائرٌ إليها لا محالةَ أصابه قبل ذلك ما أصابه، وهذا تأويلٌ فيه نظرٌ، يحتاج إلى دليلٍ من خارج، والذي يدلُّ عليه الآيُ والأخبار: أنَّ مَن ثَقُل ميزانُه؛ فقد نجا وسَلِمَ، وبالجنَّة أيقن، وعَلِم أنَّه لا يدخل النار بعد ذلك.
فائدةٌ: خرَّج اللالكائيُّ في «سننه» عن حذيفة ☺ قال: (صاحب الميزان يوم القيامة جبريل ◙)، انتهى.
تنبيهٌ: جاء في الخبر _كما قاله القرطبيُّ_: «أنَّ الجنَّةَ توضع عن يمين العرش، والنارَ عن يسار العرش، ويؤتى بالميزان، فيُنصَب بين يدي الله تعالى، كِفَّة الحسنات عن يمين العرش مقابل الجنَّة، وكِفَّة السيِّئات عن يسار العرش مقابل النار»، ذكره الحكيم التِّرْمِذيُّ في «نوادر الأصول».
تنبيهٌ آخَرُ: إذا انقضى الحساب؛ كان بعده وزن الأعمال؛ لأنَّ الوزنَ للجزاء، فينبغي أن يكون بعد المحاسبة؛ فإنَّ المحاسبةَ لتقرير الأعمال، والوزنَ لإظهار مقاديرها ليكون الجزاء بحَسْبِها.
فائدةٌ: ذكر الله تعالى الميزانَ في القرآن بلفظ الجمع، وجاءت السُّنَّة بلفظ الإفراد والجمع، فقيل: يجوز أن يكون هناك موازينُ للعامل الواحد، يُوزَن بكلِّ ميزانٍ منها صِنفٌ من أعماله، ويمكن أن تكون ميزانًا واحدًا عبَّر عنه بلفظ الجمع؛ كما قال تعالى: {كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:123]، وكذا: {كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ}[الشعراء:105]، وإنَّما هو رسولٌ واحدٌ، ويُقال: أراد بـ {الْمَوَازِينَ}: جمعَ (موزون)؛ أي: الأعمال الموزونة، لا جمع (ميزان)، والله أعلم.
تنبيهٌ: الميزان حقٌّ، ولا يكون في حقِّ كلِّ أحد؛ بدليل قوله صلعم: «فيقال: يا مُحَمَّد؛ أَدخِل الجنَّة مِن أمَّتِك مَن لا حسابَ عليه...» الحديث، وقولِه تعالى: {يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيمَاهُمْ}...؛ الآية [الرَّحْمَن:41]، وإنَّما يكون لمن بقيَ من أهل المحشر ممَّن خَلَطَ عملًا صالحًا وآخَرَ سيِّئًا من المؤمنين، وقد يكون للكافرين؛ لقولِه تعالى: {وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ. فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ}[القارعة:8-9]، وقولِه: {وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَـئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم}...؛ الآية [الأعراف:9]، ولغيرِ ذلك.
والناسُ في الآخرة على ثلاث طبقات _كما قال العلماء_: مُنَقَّون لا كبائرَ لهم، ومُخَلِّطُون، وكفَّار، فأمَّا المنقَّون؛ فإنَّ حسناتِهم تُوضَع في الكِفَّة النيِّرة، وصغائرهم _إن كانت_ في الكِفَّة الأخرى، فلا يجعل لتلك الصغائر وزنًا، وتثقل الكِفَّة النيِّرة حتَّى لا تبرح، وترتفع الأخرى المظلمة ارتفاعَ الفارِغِ الخالي(4)، وأمَّا المُخَلِّطون؛ فحسناتهم توضع في النيِّرة، وسيِّئاتهم في المظلمة، فيكون لكبائرهم ثقل، فإن كانت الحسناتُ أثقلَ ولو بصُؤابةٍ؛ دخل الجنَّة، وإن كانتِ الأخرى أثقلَ ولو بصؤابةٍ؛ دخل النَّار إلَّا أن يعفوَ اللهُ تعالى، وإن تساوَتا؛ كان من أصحاب الأعراف؛ لما رواه خيثمة بن سليمان في «مسنده» عن جابر بن عبد الله ☻ قال: قال رسول الله صلعم: «تُوضَع الموازين يوم القيامة، فتُوزَن الحسنات والسيِّئات، فمَن رجحت حسناته على سيِّئاته مثقالَ صؤابةٍ؛ دخل الجنَّة، ومَن رجحت سيِّئاته على حسناته مثقالَ صُؤَابَة؛ دخل النار»، قيل: يا رسول الله؛ فمن استوت حسناته وسيِّئاته؟ قال: «أولئك أصحاب الأعراف، لم يدخلوها وهم يطمعون»، وذكر عبد الله بن المبارك: أخبرنا أبو بكر الهُذَليُّ عن سعيد الهُذَليِّ، عن سعيد بن جُبَيرٍ، عن ابن مسعود قال: (يحاسب الله تعالى الناسَ يوم القيامة، فمَن كانت حسناتُه أكثرَ من سيِّئاته بواحدةٍ؛ دخل الجنَّة، ومن كانت سيِّئاتُه أكثرَ من حسناته بواحدةٍ؛ دخل النار)، ثُمَّ قرأ: {فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ}[المؤمنون:102-103]، ثُمَّ قال: (إنَّ الميزانَ يخفُّ بمثقال حَبَّةٍ [أو يرجح]، قال: ومَن استوت حسناته وسيِّئاته؛ كان من أصحاب الأعراف...) وذكر الحديثَ، سعيدُ بن جُبَيرٍ لم يدرك عبدَ الله بن مسعود؛ لأنَّ سعيدًا قُتِل سنة خمس وتسعين وهو ابن تسع وأربعين سنةً، كذا قالوا، وقد قال لابنه: ما بقاء أبيك بعد سبع وخمسين سنةً، انتهى، ولئن قلنا بهذا؛ فإنَّه لم يدركِ ابنَ مسعود؛ لأنَّه تُوُفِّيَ سنة اثنتين وثلاثين على الصحيح، ولم أعتبر بقيَّة السند، ولا سندَ خيثمةَ بن سليمان، وخيثمةُ حافظٌ، قال الخطيب: (ثقةٌ ثقةٌ)، وُلِد سنة ░250هـ▒، وتُوُفِّيَ سنة ░343هـ▒.
وفي أصحاب الأعراف اثنا عشر قولًا لأهل التفسير بهذا القول الذي ذكرتُه، ذكرها القرطبيُّ في «تذكرته»، والظاهر أنَّه ذكرها في «تفسيره»، بل ذكره فيه، و(الأعراف): سورٌ بين الجنَّة والنار، وقيل: هو جبل أُحُد يُوضَع هناك، ذكره ابن عَبْدِ البَرِّ عنه ◙ من طريق أنسٍ، وذكره غيرُه أيضًا، والله أعلم.
هذا إن كانت الكبائر بينه وبين الله، وأمَّا إن كان عليه تبعاتٌ، وكان له حسناتٌ كثيرةٌ؛ فإنَّه ينقص من ثواب حسناته بقدر جزاء السيِّئات، حمل عليه مِن أوزار مَن ظلمه، ثُمَّ يُعَذَّب على الجميع، هكذا اقتصَّته الأخبار، وأمَّا الكافر؛ فإنَّه يُوضَع كفرُه في المظلمة، ولا تُوجَد له حسنةٌ تُوضَع في الأخرى فتبقى فارغةً.
فائدةٌ: قال وَهْبُ بن مُنَبِّه في قوله تعالى: {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ}[الأنبياء:47]، قال: (إنَّما يُوزَن من الأعمال خواتيمُها، وإذا أراد الله بعبد خيرًا؛ ختم له بخيرٍ، وإذا أراد بعبدٍ شرًّا؛ ختم له بشرِّ عمله)، ذكره أبو نُعَيم، انتهى، وقد يدلُّ لهذا: «وإنَّما الأعمال بالخواتيم»، والله أعلم.
قوله: (القُسْطَاسُ: العَدْلُ، بِالرُّومِيَّةِ): (القُـِسطاس)؛ بضَمِّ القاف وكسرها: الميزان، قاله الجوهريُّ، وهما قراءتان في السبع، قرأ حفصٌ وحمزةُ والكسائيُّ بالكسر، والباقون بالضَّمِّ.
قوله: (العَدْلُ، بِالرُّومِيَّةِ): بمعنى: أنَّ الروميَّةَ وافقتِ العربيَّةَ، وإلَّا؛ فما في القرآن غير عربيٍّ.
قوله: (وَيُقَالُ: القِسْطُ مَصْدَرُ المُقْسِطِ؛ وَهُوَ العَادِلُ، وَأَمَّا القَاسِطُ؛ فَهُوَ الجَائِرُ)، انتهى: (المُقسِط): هو العادل، كما قال، يُقال: أقسط يُقسِط، فهو مُقسِط؛ إذا عدل، وقَسَط يَقسِط؛ إذا جَارَ، فهو قاسطٌ، وكأنَّ الهمزة في (أقسط) للسلب؛ كما يُقال: (شكا إليه فأشكاه)، وفي «أفعال ابن القطاع» ما لفظه: (وقسط قُسُوطًا وقَسطًا: جار وعدل؛ ضدٌّ...)، إلى أن قال: (وأقسط الحاكمُ: عدل)، وكذا الصغانيُّ ذكر: (قسط؛ إذا جار وإذا عدل)، ذكره في «الأضداد»، انتهى.
إنْ قيلَ: قولُه: (وَيُقَالُ: القِسْطُ: مَصْدَرُ المُقْسِطِ)، وهذا يقتضي أنْ يكونَ المصدرُ مُشْتقًّا(5) مِنِ اسمِ الفاعلِ، وما للنَّاسِ إلَّا قولان؛ أحدهما: أنَّ الفعل مشتقٌّ مِنَ المصدرِ، الثاني: العكس، والأوَّلُ هو مذهبُ أهلِ البصرةِ، وهو المنصورُ، والذي قاله البخاريُّ قولٌ ثالثٌ.
فيُجابُ عنه: بأنْ يُقالَ: (القسطُ): مصدرٌ لاسمِ الفاعلِ، واسمِ المفعولِ، والموضِعِ، ولغيرِه؛ بمعنى: أنَّ الكُلَّ مشتقةٌ منه على اختيارِ ابنِ مالكٍ في «الشافيةِ»، قاله بعض العلماء، أو يُقالُ: الَّذي يصدرُ عنِ (المقسطِ) هو (القِسْطُ)؛ أي: أنَّ المقسِطَ يصدرُ عنه العدلُ؛ وهو القسطُ.
وقال شيخُنا في قوله: (مَصْدَرُ المُقْسِطِ): (إنَّما أراد المصدرَ المحذوفَ الزوائد؛ كـ «القَدر» مصدر «قدرت»؛ إذا حذفت زوائده)، ثُمَّ ذكر نصف بيت شاهدًا لما قاله، ثُمَّ قال: (ومِثْلُه كثيرٌ، وإنَّما تُحذَف زوائد المصادر؛ ليُرَدَّ الكلامُ إلى أصله، ويدلَّ عليه، ومصدر «المقسط»(6) الجاري على فعله «الإقساط»، قال الإسماعيليُّ: «أقسط»؛ إذا عدل، و«قسط»؛ إذا جار، وهما يرجعان إلى معنًى متقارِبٍ؛ لأنَّه يُقال: عدل عن كذا؛ إذا مال عنه، وكذلك قسط؛ إذا عدل عن الحقِّ، وأقسط، كأنَّه لزم القِسْط؛ وهو العدل)، انتهى.
[1] في (أ): (حمله)، والمثبت من مصدره.
[2] في (أ): (وأما)، والمثبت موافق للتلاوة.
[3] في (أ): (وفي قوله)، وفي مصدره: (وهو في قوله)، ولعل المثبت هو الصواب.
[4] في (أ) إشارةٌ إلى استدراك كلامٍ لكنَّه مخرومٌ، وآخره لم يتبيَّن.
[5] في (أ): (مشتق)، ولعلَّ المُثْبَتَ هو الصَّوابُ.
[6] في (أ): (القسط)، والمثبت من مصدره.