التلقيح لفهم قارئ الصحيح

باب قول الله تعالى: {وأسروا قولكم أو اجهروا به}

          قوله: (بَابُ قَوْلِ اللهِ ╡(1): {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ}[الملك:13]): ساق ابن المُنَيِّر ما في الباب على عادته، ثُمَّ قال: (ظنَّ الشارحُ أنَّ البُخاريَّ قَصَرَ الترجمةَ على صفة العلمِ، وليس كذلك، ولو كان كما ظنَّه؛ تقاطعت المقاصدُ ممَّا اشتملت عليه الترجمة، وأيُّ مناسبةٍ بين العلم وبين قوله: «مَن لم يتغنَّ بالقرآن؛ فليس مِنَّا»؟! وإنَّما قصد البُخاريُّ _والله أعلم_ الإشارةَ إلى النكتة التي كانت سبب محنته حيث قيل عنه: إنَّه قال: «تلفُّظِي بالقرآن مخلوقٌ»، فأشار بالترجمة إلى أنَّ تلاواتِ الخلقِ تتَّصف بالسِّرِّ والجهرِ، وذلك يستدعي كونَها مخلوقةً، وفي قوله تعالى: {وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ}[الملك:13]، ثُمَّ قوله: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ}[الملك:14]، تنبيهٌ على أنَّ قولَهم مخلوقٌ، فقوله: {وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ}[الإسراء:110] يعني: بقراءتك؛ دلَّ على أنَّها فِعلُه، وقوله: «مَنْ لَمْ يَتَغَنَّ بِالقُرْآنِ»، فأضاف التَّغَنِّيَ إليه؛ دلَّ أنَّ القراءةَ فعلُ القارئ، ويُسَمَّى تغنِّيًا، فهذا كلُّه يحقِّقُ ما وقع له من ذلك، وهو الحقُّ اعتقادًا لا إطلاقًا؛ خوفَ الإيهام، وحذرًا من الابتداع بمخالفة السَّلَف في الإطلاق، وهو الذي أنكرَ عليه مُحَمَّدُ بن يحيى الذُّهْليُّ حيث قال: «مَن قال: القرآن مخلوقٌ؛ فهو كفرٌ، ومَن قال: لفظي بالقرآن مخلوقٌ؛ فقد ابتدع»، ونُقِل عن البُخاريِّ أنَّه سُئِل: هل قال هذه / المقالةَ؟ فقال: إنَّما سُئِلت: ما تقول في لفظك بالقرآن؟ فقلتُ: أفعالُ العبادِ كلُّها مخلوقةٌ، والله تعالى أعلم، ذكره الخطيب في «تاريخه»).
          قوله: (يَتَسَارُّونَ): هو بتشديد الراء؛ أي: يتسارَرُون.


[1] كذا في (أ) و(ق)، وفي «اليونينيَّة»: (تَعَالَى).