التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: ذمة المسلمين وجوارهم واحدة يسعى بها أدناهم

          ░10▒ باب: ذمَّةُ المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم.
          3172- ذكر فيه حديث عليٍّ ☺: (مَا عِنْدَنَا كِتَابٌ نَقْرَؤُهُ إِلَّا كِتَابَ الله تَعَالَى وَمَا فِي هَذِهِ الصَّحِيفَةِ، فَقَالَ: فِيهَا الجِرَاحَاتُ وَأَسْنَانُ الإِبِلِ..) الحديث.
          سلف في الحجِّ في باب: ما جاء في حرم المدينة [خ¦1870]، ويأتي في الفرائض والاعتصام [خ¦6755] [خ¦7300]، والبُخَاريُّ هنا رواه عن (محمَّد) حدَّثنا وكيعٌ عن الأعمش، قال الجَيَّانيُّ: نسبه ابن السَّكن: <ابن سلَامٍ> وقال الكَلاباذيُّ: محمَّد بن مقاتلٍ ومحمَّد بن سلَام، ومحمَّد بن نُمَيرٍ روَوا في «الجامع» عن وَكيع بن الجرَّاح.
          ورواه في الحجِّ عن محمَّد بن بشَّارٍ، حدَّثنا عبد الرَّحمن حدَّثنا سفيانُ عن الأعمش، وسلف هناك الكلام على الصَّرف والعدل واضحًا [خ¦1870].
          فصلٌ: معنى: (فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا) نقض عهده، يُقال: أَخْفَرْتُهُ نَقَضْتُ عهده، وخَفَرْتُهُ: أَجَرْتُهُ، وأَخْفَرْتُهُ أيضًا: جعلت له خَفيرًا.
          فصلٌ: معنى قوله: (ذِمَّةُ المُسْلِمِينَ وَاحِدَةٌ) أي: مَنِ انعقدت عليه ذمَّةٌ مِنْ طائفةٍ مِنَ المسلمين واجبٌ مراعاتها مِنْ جماعاتهم إذا كان يجمعهم إمامٌ واحدٌ، كما نبَّه عليه المهلَّب، فإن اختلفوا فالذِّمَّة لكلِّ سلطانٍ لازمةٌ لأهل عمله، وغيرُ لازمةٍ للخارجين عن طاعتهم، لأنَّه ◙ إنَّما قال ذلك في وقت اجتماعهم في طاعته، ويدلُّ على ذلك حديثُ أبي بَصيرٍ حين كان شارط رسولُ الله صلعم أهلَ مكَّة وقاضاهم على المهادنة بينهم وبين المسلمين، فلمَّا خرج أبو بَصيرٍ مِنْ طاعة رسول الله صلعم وامتنع لم يلتزم رسول الله ذمَّته، ولا طُولب بردِّ جنايته، ولا لزمه غرمُ ما انتهكه مِنَ المال.
          وقال ابن المُنْذرِ: في قوله: (يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ) أنَّ الذِّمَّة الأمانُ، يقول: إنَّ كلَّ مَنْ أمَّن أحدًا مِنَ الحربيِّين جاز أمانُه على جميع المسلمين دنيًّا كان أو شريفًا، عبدًا كان أو حرًّا، رجلًا كان أو امرأةً، وليس لهم أن يُخفِروه.
          واتَّفق مالكٌ والثَّوْريُّ والأوزاعيُّ واللَّيثُ والشَّافعيُّ وأبو ثَوْرٍ على جواز أمان العبد قاتل أو لم يقاتل، واحتجُّوا بهذا الحديث.
          وقال أبو حَنيفةَ وأبو يوسف: لا يجوز أمانُه إلَّا أن يقاتل، وقولهما خلاف مفهوم الحديث.
          وأجاز مالكٌ أمان الصَّبيِّ إذا عَقَلَ الإسلام، ومنع ذلك أبو حَنيفةَ والشَّافعيُّ وجمهور الفقهاء.
          واحتجَّ الشَّافعيُّ بأنَّ الصَّبيَّ لا يصحُّ عقده، فكذلك أمانه.
          وحجَّة مالكٍ عموم قوله: ((يجير على المسلمين أدناهم)) فدخل فيه، وأيضًا فإنَّ أمانه تطوُّعٌ، وهو ممَّن يصحُّ منه التَّطوُّع، ويُفْرَض له سهمُه إذا قاتل، وأمَّا الأمان فممَّا اختُصَّ به مَنْ له حرمة الإسلام، فجعل لأدناهم كما جعل لأعلاهم، وعلى أنَّ الصَّبيَّ والعبد أحسنُ حالًا مِنَ المرأة، لأنَّها ليست مِنْ جنس مَنْ يقاتل، وقد سلف في الباب قبله شيءٌ مِنْ ذلك.
          فصلٌ: وقوله: (فَمَنْ أَخْفَرَ مُسْلِمًا...) يعني: فيمن أجاره، وهذا اللَّعن وسائر لَعنِ المسلمين إنَّما هو متوجِّهٌ إلى الإغلاظ والتَّرهيب عليهم من المعاصي والإبعاد لهم مِنْ قبل مواقعتها، فإذا وقعوا فيها دُعي لهم بالتَّوبة، يبيِّنه حديثُ النُّعمان.
          وقوله: (لَا يُقْبَلُ مِنْهُ صَرْفٌ وَلَا عَدْلٌ) أي: في هذه الجناية، أي: لا كفَّارة لها، لأنَّه لم يُشرع فيها كفَّارةٌ، فهي إلى أمر الله، إن شاء عذَّب بها وإن شاء غفرها على مذهب أهل السُّنَّة في الوعيد.