التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب الوصايا بأهل ذمة رسول الله

          ░3▒ باب: الوَصَاةِ بِأَهْلِ ذِمَّةِ رَسُولِ الله صلعم وَالذِّمَّةُ العَهْدُ، وَالإِلُّ القَرَابَةُ.
          3162- ذكر فيه حديث شُعبة عن أبي جَمْرة _بالجيم_ سمعت جُوَيْرية _بالجيم أيضًا_ ابن قُدامة التَّميميَّ، قال: سَمِعْتُ عُمَرَ بن الخَطَّاب ☺ قُلْنَا أَوْصِنَا يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ قَالَ: (أُوصِيكُمْ بِذِمَّةِ اللهِ فَإِنَّهُ ذِمَّةُ نَبِيِّكُمْ وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ).
          الشَّرح: يُقال: أَوْصَيْتُ له بشيءٍ وإليه: جَعَلْتُهُ وَصِيًّا والاسمُ _الوَِصاية بكسر الواو وفتحها_ وأَوْصَيْتُهُ وَوَصَّيْتُهُ أيضًا تَوْصِيةً، والاسم: الوَصَاة، والحديث مِنْ أفراده.
          وفي موضعٍ آخر لمَّا ذكر الشُّورى: ((وأُوصي الخليفةَ بعدي بذمَّة الله وذمَّة رسوله أن يُوفى لهم بعهدهم، وأن يُقاتل مِنْ وراءهم، ولا يكلَّفوا إلَّا طاقَتَهم)).
          وأخرجه صاحب «الجَعْدِيَّات» عن شُعبة مطوَّلًا: أخبرنا أبو جَمْرَة سمعتُ جُوَيْريَة بن قُدامة قال: ((حججتُ فمررت بالمدينة، فخطب عمرُ فقال: إنِّي رأيت ديكًا نقرني نقرةً أو نقرتين، فما كان جمعةٌ أو نحوها حتَّى أصيب، قال: وأذن للصَّحابة ثُمَّ لأهل المدينة ثُمَّ لأهل الشَّام ثُمَّ لأهل العراق، قال: وكنَّا آخر مَنْ دخل فقلنا: أوصِنا، ولم يسأله الوصيَّةَ أحدٌ غيرنا، فقال: أوصيكم بكتاب الله..)) الحديث، وفيه ((وأوصيكم بذمَّتكم فإنَّها ذمَّة نبيِّكم ورزق عيالكم، قوموا عنِّي، فما زاد على هؤلاء الكلمات)).
          فصلٌ: قوله: (وَالإِلُّ: القَرَابَةُ)، هو قول الضَّحَّاك. وقوله: (وَالذِّمَّةُ: العَهْدُ) استحسنه بعضُ المفسِّرين، وقال: الأصل فيه أن يُقال: أُذُنٌ مُؤَلَّلَةٌ أي: مُحَدَّدَةٌ، فإذا قيل للعهد إلٌّ فمعناه أنَّه قد حُدِّد، وإذا قيل: للقرابة فمعناه: أنَّ أحدها يحادُّ صاحبه ويقاربه، وقال قَتَادة: الإلُّ: الحَلِفُ، وقال مجاهدٌ: الإلُّ: اللهُ، ورُوي عنه: العَهْدُ.
          وذكر العَزِيزيُّ أنَّ الإلَّ على خمسةِ أوجهٍ، فذكر هذه الأربعة، وزاد: إلٌّ: جِوارٌ، وأنكر بعضهم أن يكون الإلُّ اللهَ، لأنَّ أسماءَه توقيفيَّةٌ.
          فصلٌ: وقول عمر: (وَرِزْقُ عِيَالِكُمْ) يريد ما يُؤخذ مِنْ جزيتهم، وما يُنال منهم في تردُّدهم بين أمصار المسلمين.
          فصلٌ: وفيه كما قاله المهلَّب: الحضُّ على الوفاء بالذِّمَّة، وما عُوقدوا عليه مِنْ قبض الأيدي عن أنفسهم وأموالهم غير الجزية، وقد ذمَّ الشَّارع مَنْ إذا عاهد غدر، وجعل ذلك مِنْ أخلاق النِّفاق.
          وفيه حسن النَّظر في عواقب الأمور والإصلاح لمعاني المال وأصول الاكتساب.
          فائدةٌ: روى ابن عبد الحكم في كتابه «فتوح مصر» أحاديث الوصاة بقِبْطِ مصر:
          منها: حديث أبي سلمة بن عبد الرَّحمن أنَّه ◙ أوصى عند وفاته: ((اللهَ اللهَ في قِبْط مصر، فإنَّكم ستظهرون عليهم، ويكونون لكم عدَّةً وأعوانًا في سبيل الله)).
          ومنها: حديث رجلٍ مِنَ الرَّبَذَة أنَّ رسول الله صلعم قال: ((استوصوا بالأُدْمِ الجُعْدِ)) ثلاثًا، فسُئل فقال: ((قِبْط مصر فإنَّها أخوالٌ وأصهارٌ)).
          ومنها: حديث أبي هانئٍ الخَوْلانيِّ عن الحُبُلِيِّ وعمرو بن حبيبٍ وغيرهما أنَّ رسول الله صلعم قال: ((إنَّكم ستقدمون على قومٍ جُعدٍ رؤوسُهم فاستوصوا بهم خيرًا)).
          وفي أفراد مسلمٍ مِنْ حديث أبي ذرٍّ مرفوعًا: ((إنَّكم ستفتحون أرضًا يُذكر فيها القِيراط، فاستوصوا بأهلها خيرًا فإنَّ لهم ذمَّةً ورحمًا)).
          ورُوي مِنْ طريق عمرَ بإسنادٍ فيه ابن لَهيعة، ومِنْ طريق كعب بن مالكٍ، أخرجهما العسكريُّ، وبإسنادٍ فيه ضعفٌ، عن رجلٍ مِنَ الصَّحابة يرفعه: ((اتَّقوا اللهَ في القِبْط)).
          ومثله عن سليمان بن يسارٍ مرفوعًا: ((استوصوا بالقِبْط فإنَّكم ستجدونهم نِعْمَ الأعوانُ)).
          ومثله مِنْ حديث ابن لَهيعة، عن عمرَ مولى عَفْرة أنَّه ◙ قال: ((اللهَ اللهَ في أهل الذِّمَّة أهل المَدَرة السَّوداء)) الحديث.