التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب إثم من عاهد ثم غدر

          ░17▒ باب: إثم مَنْ عاهدَ ثُمَّ غدر، وقوله تعالى: {الَّذِينَ عَاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَهُمْ لَا يَتَّقُونَ} [الأنفال:56].
          3178- فيه حديث عَبْدِ الله بْنِ عَمْرٍو: (أَرْبَعُ خِلَالٍ مَنْ كُنَّ فِيهِ كَانَ مُنَافِقًا خَالِصًا...) وسلف في الإيمان [خ¦34].
          3179- وحديث عليٍّ: (المَدِينَةُ حَرَمٌ، مَا بَيْنَ عَائِرٍ...) إلى آخره، سلف في الحجِّ [خ¦1870].
          3180- وقال أبو موسى: حدَّثنا هاشمُ بن القاسم، حدَّثنا إسحاقُ بن سعيدٍ عن أبيه، عن أبي هريرة ☺: (كَيْفَ أَنْتُمْ إِذَا لَمْ تَجْتَبُوا دِينَارًا وَلاَ دِرْهَمًا؟ فَقِيلَ لَهُ: وَكَيْفَ تَرَى ذَلِكَ كَائِنًا؟ قال: إِيْ وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ عَنْ قَوْلِ الصَّادِقِ المَصْدُوقِ، قَالُوا: عَمَّ ذَاكَ؟ قَالَ: تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللهِ، وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صلعم، فَيَشُدُّ اللهُ قُلُوبَ أَهْلِ الذِّمَّةِ، فَيَمْنَعُونَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ).
          وهذا التَّعليق كذلك في أكثر نسخ «الصَّحيح»، وقاله أيضًا أصحاب «الأطراف» والإسماعيليُّ والحُمَيديُّ في «جمعه» وأبو نُعَيْمٍ. وفي بعض النُّسخ: <حدَّثنا أبو موسى> وهو مِنْ أفراده.
          فصلٌ: (الخِلَالُ) الخصالُ، جمع خَلَّةٍ، وفي فلانٍ خَلَّةٌ حسنةٌ أو قبيحةٌ، قال المهلَّب: ويحتمل أن تكون هذه الخِلال إذا كانت في رجلٍ اشتملت على معظمِ أحواله فسُمِّي بالأغلب بما يظهر منه توبيخًا له وتقبيحًا بحاله، لا على أنَّه منافقٌ كافرٌ، وفي السُّنَّة نظائرُ لهذا كثيرةٌ مِنَ الحُكم بالأغلب.
          ومعنى (إِذَا خَاصَمَ فَجَرَ) مال عن الحقِّ.
          فصلٌ: قوله في حديث عليٍّ: (يَسْعَى بِهَا أَدْنَاهُمْ) قال الدَّاوُديُّ يعني: والأمر في ذلك إلى الإمام، وهذا قول عبد الملك.
          وقوله: (وَمَنْ وَالَى قَوْمًا بِغَيْرِ إِذْنِ مَوَالِيهِ) قال الدَّاوُديُّ: قال: في غير هذا الموضع: ((مَنْ تولَّى)) قال: وأُراه هو المحفوظ، لأنَّه نهى عن بيع الولاء وعن هِبته.
          فصلٌ: قوله في حديث أبي هريرة: (تُنْتَهَكُ ذِمَّةُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسُولِهِ صلعم) أي: تُتأوَّل بما لا يحلُّ، ويُجار عليهم.
          فصلٌ: والغدر حرامٌ بالمؤمن وأهلِ الذِّمَّة، وفاعلُه مستحقٌّ لاسم النِّفاق واللَّعنة المذكورة مِنَ الله وملائكته والنَّاس أجمعين، ودلَّ حديث أبي هريرة على أنَّ الغدر بالذِّمَّة ممتنعٌ أيضًا، ألا ترى ما أوصى به ◙ مِنَ الذِّمَّة والوفاء بها لأهلها مِنْ أجل أنَّها معاش المسلمين ورزقُ عيالهم، ثُمَّ أعلمهم بهذا الحديث أنَّهم متى ظُلموا مَنعوا ما في أيديهم واشتدُّوا وحاربوا وأعادوا الفتنة وخلعوا رِبقة الذِّمَّة، فلم يَجْبِ المسلمون درهمًا، فضاقت أحوالهم وساءت.
          وفيه علامةٌ مِنْ علامات النُّبوَّة.
          فصلٌ: ولمَّا ذكر الحُمَيديُّ هذا الحديث في أفراد البُخَاريِّ قال: قد أخرج مسلمٌ معناه بلفظٍ آخر وجب تفريقه وإلَّا فهو في المعنى متَّفقٌ عليه، ثُمَّ ذكر حديث زُهير بن معاويةَ عن سُهيلٍ عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا: ((مَنَعَتِ العراقُ درهمَها وقَفيزها، ومنعت الشَّام مُدْيَها ودينارها، ومنعت مصرُ إردبَّها ودينارها، وعدتم مِنْ حيثُ بدأتم)) وذكر أبو داود هذه اللَّفظة الأخيرة ثُمَّ قال: ((قاله زهيرٌ ثلاث مرَّاتٍ)).
          وفي معنى ((منعت العراق)) إلى آخره قولان:
          أحدهما: أنَّ أهلها أسلموا فسقطتْ عنهم الجزية، وأنكره ابن الجوزيُّ وقال: هذا إخبارٌ عن اجتماع الكلِّ في الإسلام قال: وليس هو بشيءٍ واستدلّ بحديث: ((كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارًا ولا درهمًا؟!)) وأشهرهما أنَّ معناه أنَّ العجم والرُّوم مستولون على البلاد في آخر الزَّمان، فيمنعون حصول ذلك للمسلمين.
          ورواية مسلمٍ عن جابرٍ تُبيِّنهُ: ((يوشك أهل العراق لا يُجبى إليهم قَفِيزٌ ولا درهمٌ)) قلنا: مِنْ أين ذاك؟ قال: ((مِنْ قِبَل العجم يمنعون ذلك)).