التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب طرح جيف المشركين في البئر ولا يؤخذ لهم ثمن

          ░21▒ بَاب: طَرْحِ جِيَفِ المُشْرِكِينَ فِي البِئْرِ وَلَا يُؤْخَذُ لَها ثَمَنٌ.
          3185- ذكر فيه حديث عبد الله بن مسعودٍ السَّالفَ في الطَّهارة بفوائده.
          وفي طرح جيفهم في البئر دلالةٌ على جواز المُثلة بهم إذا ماتوا؛ فإنَّهم جرَّروا أميَّة بن خلَفٍ _أو أُبيًّا كما في البُخَاريِّ والصَّحيح أُميَّة وأمَّا أبيٌّ فقتله النَّبيُّ صلعم بيده يوم أُحدٍ_ حتَّى تقطَّعت أوصاله، وهذا يدلُّ على أنَّ نهيه عن المُثلة إنَّما هو في الأحياء قاله ابن بَطَّالٍ، قال: والبئر الَّتي أُلقوا فيها يحتمل أن تكون للمشركين فأراد النَّبيُّ صلعم إفسادَها عليهم، أو لا يكون لأحدٍ عليها مِلكٌ وكانت معطَّلةً.
          وقوله: (وَلَا يُؤْخَذُ لَها ثَمَنٌ) أي: لا يجوز أخذ الفداء مِنَ المشركين، إذ كان أصحاب القَليب رؤساء مشركي مكَّة، ولو مكَّن أهلهم مِنْ إخراجهم مِنَ البئر ودفنهم لبذلوا في ذلك كثير المال، وإنَّما لا يجوز أخذ الثَّمن فيها، لأنَّها ميتةٌ لا يجوز تملُّكها ولا أخذ / عوضٍ عنها.
          وقد حرَّم الشَّارع ثمنها وثمن الأصنام في حديث جابرٍ.
          وفي «التِّرمِذيِّ» مِنْ حديث ابن أبي ليلى عن الحكم عن مِقْسَمٍ عن ابن عبَّاسٍ: ((أنَّ المشركين أرادوا أن يشتروا جسد رجلٍ مِنَ المشركين فأبى صلعم أن يبيعهم إيَّاه)) قال: وقد رواه أيضًا الحجَّاج بن أَرْطأة، عن الحكم. قال أحمد: لا يُحتج بحديث ابن أبي ليلى، وقال البُخَاريُّ: هو صدوقٌ، ولكنْ لا نعرف صحيحَ حديثه مِنْ سقيمه. قال التِّرمِذيُّ: إنَّما يَهِمُ في الإسناد، وقال الثَّوْريُّ: فقهاؤنا ابن أبي ليلى وابن شُبْرُمة.
          وذكر ابن إسحاق قال: لمَّا كان يوم الخندق اقتحم نَوفل بن عبد الله بن المُغيرة المُخزوميُّ، فتورَّط فيه فقُتِل، فغَلب المسلمون على جسده، فسألوا رسول الله صلعم أن يبيعهم جسدَه، فقال: ((لا حاجة لنا بجسده ولا ثمنه فخلَّى بينهم وبينه)).
          قال ابن هشامٍ: أعطَوا رسول الله صلعم في جسده عشَرةَ آلاف درهمٍ فيما بلغنا عن الزُّهْريِّ.
          فصلٌ: فيه جواز ستر عورات المشركين وطرحُهم في الآبار المعطَّلة، وهو مِنْ باب ستر الأذى ومواراة السَّوءة والعورة الظَّاهرة. وفيه مواراة جِيفة كلِّ ميِّتٍ مِنْ بني آدم عن العيون ما وُجد السَّبيل إلى ذلك ولو كافرًا، لأمرِه ◙ أن يُجعلوا في قَليب بدرٍ، ولم يتركهم مطروحين بالعراء، فالحقُّ الاستنان به فيمن أصابه في معركة الحرب أو غيرها مِنَ المشركين، فيوارُون جِيفته إن لم يكن لهم مانعٌ مِنْ ذلك ولا شيء يَعجلُهم عنه مِنْ خوف كثرة عدوٍّ. وإذا كان ذلك مِنْ سُنَّته في مشركي أهل الحرب فالذِّمِّيُّ أولى، إذا مات ولا أحد مِنْ أوليائه وأهل مِلَّته بحضرته وحضره أهل الإسلام أولى أن تكون السُّنَّةُ فيهم سنَّتَه في أهل بدرٍ في أن يوارُوا جيفته ويدفنوه. وقد أمر الشَّارع عليًّا في أبيه أبي طالبٍ إذ مات فقال: ((اذهَب فوارِه)) فإن لم يفعلوا ذلك لشاغلٍ أو مانعٍ لهم مِنْ ذلك لم أرهم حَرِجين بترك ذلك، لأنَّ أكثر مغازي رسول الله صلعم الَّتي كان فيها القتال لم يُذكر عنه في ذلك ما ذُكر عنه يوم بدرٍ.
          فصلٌ: قوله: (إِذْ جَاءَ عُقْبَةُ بْنُ أَبِي مُعَيْطٍ بِسَلَى جَزُورٍ، فَقَذَفَهُ عَلَى ظَهْرِ رَسُوْلِ اللهِ صلعم وَهُوَ سَاجِدٌ):
          (عُقْبَة) هذا قُتل يوم بدرٍ صبرًا وحدَه، قال: أُقتَل مِنْ بين هؤلاء؟ قال: ((نعم)) قال: بم؟ قال: ((بافترائك على اللهِ وكُفرك)) قال: فمَنْ للصِّبية؟ قال: ((النَّار)) ولم يكن مِنْ أَنفُسِ قريشٍ وإنَّما كان ملصَقًا فيهم، وكان مِنْ أشدِّ النَّاس على رسول الله صلعم، قاله الدَّاوُديُّ، وتعقَّبه ابن التِّيْنِ فقال: ظاهر قوله ◙: (عَلَيْكَ المَلأَ مِنْ قُرَيْشٍ) أنَّه مِنْ أشرافهم، لأنَّ الملأَ: الأشراف، إلَّا أن يريد أكثرَ مَنْ ذَكَر.