التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب أمان النساء

          ░9▒ باب: أَمَانِ النِّساءِ.
          3171- ذكر فيه حديث أمِّ هانئٍ السَّالف في الطَّهارة [خ¦280].
          وفيه أبو النَّضْر، واسمه: سالم بن أبي أميَّة، مات في خلافة مروان بن محمَّدٍ.
          وفيه أبو مُرَّة يزيد بن مرَّة مولى عَقِيلٍ، وقيل: مولى أمِّ هانئٍ، وهو ما في البُخَاريِّ.
          قال الدَّاوُديُّ: وهو واحدٌ، وإنَّما كان عبدًا لهما فأعتقاه، فنُسب مرَّةً لهذا ومرَّةً لعَقِيلٍ، قال: وقوله: (عَامَ الحُدَيْبِيَةِ وَفَاطِمَةُ ابْنَتُهُ تَسْتُرُهُ) وهمٌ مِنْ عبد الله بن يوسف شيخ البُخَاريِّ، وهو عجيبٌ منه، فالَّذي في الرِّوايات كلِّها: ((عام الفتح)).
          وقوله: (وَفَاطِمَةُ تَسْتُرُهُ) صِفَتُهُ أن تَجعل الثَّوب أيمن منها أو تجعله مِنْ وراء ظهرها.
          وقوله: (عَلِيٌّ) يحتمل أن يكون تهديدًا بالقتل ليستأمر النَّبيَّ في قتله، ويحتمل عنده أنَّ جوار المرأة لا ينفع كالابن.
          قال ابن التِّيْنِ: والمؤمِّنون سبعةٌ: إمامٌ وحرٌّ وحرَّةٌ وعبدٌ وصبيٌّ يعقلُ ومجنونٌ وكافرٌ، فأمان الإمام جائزٌ قطعًا، وأمان المجنون والكافر غير جائزٍ قطعًا، واختُلف في الباقي، فمنع عبد الملك أمان الجميع، وخالفه ابن القاسم في العبد، وقال سُحْنون: إنْ أذن له سيِّده في القتال صحَّ أمانُه، وكذلك خالفه في الصَّبيِّ والمرأة والحرِّ.
          وجه قول ابن القاسم قوله ◙ بعد هذا: ((ذمَّة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم، فمَنْ أخفر مسلمًا فعليه لعنة الله)).
          قلت: عندنا لا يصحُّ أمان الثَّلاثة الأخيرة.
          فصلٌ: فيه مِنَ الفقه: جواز أمان المرأة، وأنَّ مَنْ أمَّنتْه حرُم قتلُه، وقد أجارت زينبُ بنت رسول الله / أبا العاصي بن الرَّبيع، وعلى هذا جماعة الفقهاء بالحجاز والعراق، منهم: مالكٌ والثَّوْريُّ وأبو حَنيفةَ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأبو ثَوْرٍ وأحمد وإسحاق.
          وشذَّ عبد الملك ابن الماجِشُون وسُحْنون عن الجماعة فقالا: أمان المرأة موقوفٌ على جواز الإمام، فإن أجازه جاز وإن ردَّه رُدَّ، واحتجَّ مَنْ ذهب إلى ذلك بأمان أمِّ هانئٍ لو كان جائزًا على كلِّ حالٍ دون إذن الإمام ما كان عليٌّ ليريدَ قتل مَنْ لا يجوز قتله بأمان مَنْ يجوز أمانه ولقال لها: مَنْ أمَّنتِ أنتِ وغيرُك فلا يحلُّ قتلُه.
          فلما قال لها: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ) كان دليلًا على أنَّ أمان المرأة موقوفٌ على إجازة الإمام أو ردِّه.
          واحتجَّ الآخرون بأنَّ عليًّا وغيره لا يعلم إلَّا ما علمه رسول الله، وإنَّ إرادتَه لقتل ابن هُبَيرة كان قبل أن يعلم قوله: ((ذمَّة المسلمين واحدةٌ يسعى بها أدناهم)) ولمَّا وجدنا هذا الحديث مِنْ رواية عليٍّ ثبت ما قلناه، وكان مِنَ المحال أن يعلم عليٌّ هذا مِنْ رسول الله صلعم ويرويَه عنه، ثُمَّ يريدَ قتل مَنْ أجارته أختُه، وعلى هذا القول يكون تأويلُ قوله: (قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ) أي: إنَّ سنَّتنا وحكمنا إجارةُ مَنْ أجرتِ أنت ومثلُك، والدَّليل على صحَّة هذا التَّأويل قوله ◙: ((المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمَّتهم أدناهم)) والمرأة مِنْ أدناهم.
          وقد ذكر إسماعيل بن إسحاق مِنْ حديث عمرو بن شُعيبٍ عن أبيه عن جدِّه أنَّه ◙ خطب بها عام الفتح على درجات الكعبة، وقال: ((يدُ المسلمين واحدةٌ على مَنْ سواهم)) وذكر الحديث.