التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب العبد إذا أحسن عبادة ربه ونصح سيده

          ░16▒ (بَابُ العَبْدِ إِذَا أَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَنَصَحَ سَيِّدَهُ)
          ذكر فيه أربعة أحاديث:
          2546- حديثَ ابن عمر: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ: (العَبْدُ إِذَا نَصَحَ سَيِّدَهُ، وَأَحْسَنَ عِبَادَةَ رَبِّهِ، كَانَ لَهُ أَجْرُهُ مَرَّتَيْنِ).
          2547- وحديثَ أبي موسى قال: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (أَيُّمَا رَجُلٍ كَانَتْ لَهُ جَارِيَةٌ، فَأَدَّبَهَا....) الحديث كما سلف قريبًا [خ¦2544]، وزيادة (وَأَيُّمَا عَبْدٍ أَدَّى حَقَّ اللهِ وَحَقَّ مَوَالِيهِ فَلَهُ أَجْرَانِ) وسلف في العلم [خ¦97].
          2548- وحديثَ أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (لِلْعَبْدِ المَمْلُوكِ الصَّالِحِ أَجْرَانِ، وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَالحَجُّ وَبِرُّ أُمِّي لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ).
          2549- وحديثَه أيضًا: (نِعْمَ مَا لِأَحَدِهِمْ يُحْسِنُ عِبَادَةَ رَبِّهِ وَيَنْصَحُ لِسَيِّدِهِ).
          الشَّرح: وقع في كتاب ابن بَطَّالٍ عزو حديث أبي هريرة لأبي موسى وهو غلطٌ، فإنَّهُ أسقط حديث أبي موسى وركَّبَه عَلَى حديث أبي هريرة، ولمَّا كان للعبد في عبادة ربِّهِ أجرٌ كان لَه في طاعة سيِّدِه ونصحهِ لَه أجرٌ أيضًا، ولكنْ لا بالتَّساوي لأنَّ طاعة الرَّبِّ أوجبُ مِنْ طاعة العبد.
          وفيه حضُّ المملوك عَلَى نُصح سيِّدِه، لأنَّهُ راعٍ في مالِه وهو مسؤولٌ عمَّا استرعى، فبان أنَّ أثر نصحِه طاعةُ الله فهذا يبيِّن فضل أجرِه في طاعة ربِّه عَلَى طاعة سيِّدِه.
          وقولُه: (وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْلَا الجِهَادُ...) إلى آخرِه، هو مِنْ قول أبي هريرة، كما نبَّه عليه الدَّاوُدِيُّ وغيرُه.
          وفيه دليلٌ أنَّهُ لا جهاد عَلَى عبدٍ إلَّا أن يتعيَّن ولا حجَّ، لأنَّهُ غير مُستطيع السَّبيل، وأمَّا بِرُّ الوالدين فيلزم العبد منْه مِنْ خفض الجناح ولين القول والتذلُّل ما يلزم المسلمين، وأمَّا السَّعي عليْهما بالنَّفقة والكسوة فلا يلزمُه لأنَّ نفقتَه وكسوتَه عَلَى مولَاْه وكسبه لمولَاْه ولا تصرُّف لَه في شيءٍ إلَّا بإذنِه.
          وقولُه: (نِعْمَ مَا لِأَحَدِهِمْ) أي نِعْمَ العملُ، ووقع في نسخة الشَّيخ أبي الحسن <نِعِمَّ مَا> بتشديد الميم الأولى. قال ابن التِّينِ: ولا أعلم لَه وجهًا، وإنَّما صوابُه (نِعِمَّا لأحَدِهم) بالتَّشديد، إذا وصلت تُدْغم مثل {نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} [النساء:58].
          وقولُه: (لَهُ أَجْرَانِ) في العبد والأَمَة يعني بتضعيفِهما، قالَه ابن التِّينِ، ثُمَّ قال: وقيل: معنَاْه لَه أجرُه مرَّتين عَلَى كلِّ واحدٍ مِنْ هذين الغرضين، لأنَّهُ زاد لربِّه إحسانًا ولسيِّدِه نُصْحًا فكان لَه أجرُ الواجبَين وأجرُ الزِّيادة عليْهما لأنَّ الدَّليل قد عُلم مِنْ غير هذا أنَّهُ عَلَى كلِّ واحدٍ أجرٌ، فحُمل عَلَى فائدةٍ جديدةٍ، قال: والظَّاهر مِنَ الأخبار خلافُ هذا، وأنَّ الشَّارع إنَّما بيَّن ذلك لئلَّا يظنَّ ظانٌّ أنَّهُ غير مأجورٍ عَلَى العبوديَّة، ويدلُّ عَلَى ذلك قولُه: (أَيُّمَا عَبْدٍ أَدَّى...) إلى آخرِه، والنُّصح واجبٌ عليْه لسيِّدِه وليس هو زيادةً عَلَى الواجب.
          وقولُه: (لَأَحْبَبْتُ أَنْ أَمُوتَ وَأَنَا مَمْلُوكٌ) عَلَى هذا المعنى امتحان الله أنبياءَه وأولياءَه، ابتلى يوسف بالرِّقِّ، ودانيالَ حين سَبَاه بُخْتَنَصَّرُ في جملة بني إسرائيلَ، وكذا ما روي أنَّ الخَضِر وقع في الرِّقِّ حين سأله سائلٌ لوجه الله فلم يكن عندَه ما يعطيه، فقال لَه: سألتني بوجه اللهِ ولا أملك إلَّا رقبتي فبعني واستنفق ثمني أو كما قال. /