التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قول النبي: العبيد إخوانكم فأطعموهم مما تأكلون

          ░15▒ (بَابُ قَوْلِ النَّبيِّ صلعم: العَبِيدُ إِخْوَانُكُمْ فَأَطْعِمُوهُمْ مِمَّا تَأْكُلُونَ)
          وَقَوْلِهِ ╡: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} إلى قولِه: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36].
          {ذِي القُرْبَى} [النساء:36] القَرِيبُ، وَالجُنُبُ الغَرِيبُ، الجَارُ الجُنُبُ يَعْنِي الصَّاحِبَ فِي السَّفَرِ.
          2545- ثُمَّ ساق حديثَ أبي ذرٍّ السَّالفَ في الإيمان [خ¦30]، في باب المعاصي مِنْ أمر الجاهليَّة، وساق الآية لقولِه: {وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:36] والتَّقدير وصَّاكم بالوالدين إحسانًا أي أحسنوا للوالدين إحسانًا وبكل مَنْ ذكر عطفَه عليْهم، وما ذكرَه في ذي القربى هو كذلك، وما ذكرَه في الجُنُب هو قول ابن عبَّاسٍ، والصَّاحب بالجَنْب هو المرأة، قالَه عليٌّ وابن مَسْعودٍ وابن أبي ليلى.
          وقال عكرمة والضَّحَّاك: هو الرَّفيق في السَّفر، وابن السَّبيل هو الضَّيف، والمختال ذو الخيلاء، ولمَّا كان مِنَ النَّاس مَنْ يتكبَّرُ عَلَى أقربائِه أعلم الرَّبُّ _جلَّ جلالُه_ أنَّهُ لا يحبُّ مَنْ كان كذا.
          وقولُه: / (إِنِّي سَابَبْتُ رَجُلًا) قيل: هو بلالٌ.
          وقولُه: (إِخْوَانَكُمْ خَوَلُكُمْ) أي حَشَمُكم وخدمُكم، والمراد أخوُّةُ الإسلام والنَّسب لأنَّ النَّاس كلَّهم بنو آدم.
          وقولُه: (تَحْتَ يَدِهِ) أي مُلكه، وإن كان العبد محترفًا فلا وجوب عَلَى السَّيِّد.
          وقولُه: (فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ) هو أمر نَدْبٍ، وقيل لمالكٍ: أيأكل مِنْ طعامٍ لا يأكل منْه عيالُه ورقيقُه، ويلبس ثيابًا لا يكسوهم؟ قال: أُراه مِنْ ذلك في سعةٍ، قيل لَه: فحديث أبي ذرٍّ؟ قال: كانوا يومئذٍ ليس لَهم هذا القوت.
          وقولُه: (وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ) هو أمرٌ واجب، وكان عمرُ بن الخطَّاب يأتي الحوائط فمَنْ رآه مِنَ العبيد كُلِّف ما لا يُطيق وضعَ عنْه، ومَنْ أُقِلَّ رزقُه زاده منه.
          قال مالكٌ: وكذلك كان يفعل فيمن يَعمل بالأجر ولا يُطِيقُه، وروي أنَّهُ صلعم قال: ((أُوصِيكُمْ بِالضَّعِيفَيْنِ: المَرْأَةِ وَالمَمْلُوكِ)) وأمر ◙ مَواليَ أبي طَيبة أن يخفِّفوا عنْه مِنْ خَراجِه، وقد قرَّرنا أنَّ التَّسوية في المَطعم والملبس استحبابٌ وهو ما عليْه العلماء، فلو كان سيِّدُه يأكل الفائق ويلبس الغالي، فلا يجب عليْه مساواة مملوكِه، وما أحسنَ تعليل مالكٍ ☺ أنَّهُ كان ليس لَهم هذا القوت، يشير إلى أنَّ ما ذكرناه لم يكن لأحدٍ مِنَ الصَّحابة الَّذين خاطبَهم بما خاطبَهم بِه بأكل مثلِها، إنما كان الغالب مِنْ قُوتِهم التَّمرَ والشَّعيرَ، وقد صحَّ أنَّ سيِّدنا رَسُول الله صلعم قال: ((لِلْمَمْلُوكِ طَعَامُهُ وَكِسْوَتُهُ بالمَعْرُوفِ، وَلَا يُكَلَّفُ مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا يُطِيقُ، فإنْ زادَ عَلَى مَا فَرَض عليهِ مِنْ قوتهِ وكِسْوتهِ بالمَعْروفِ كانَ مُتفضِّلًا مُتطوِّعًا)).
          وقال رَبيعةُ بن أبي عبد الرَّحمنِ: لو أنَّ رجلًا عمل لنفسِه خَبِيصًا، فأكلَه دون خادمِه ما كان بذلك بأسٌ، وكان يرى أنَّهُ إذا أطعم خادمَه مِنَ الخبز الَّذي يأكل منْه فقد أطعمَه ممَّا يأكل منْه، لأن (مِنْ) عند العرب للتَّبعيض، ولو قال: أطعموهم مِنْ كلِّ ما تأكلون لعَمَّ الخبيص وغيرِه، وكذا في اللِّباس.
          وقولُه: (وَلَا تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ) هو كقولِه تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:286]، ولمَّا لم يكلِّفنا اللهُ فوق طاقتنا ونحن عبيدُه وجب أن نمتثل لحُكمِه وطريقتِه في عبيدنا.
          وقولُه: (فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ) فيْه جوازُ تكليف ما فيْه مشقَّةٌ، فإن كانت غالبةً وجب العون عليْها، وروى هشام بن عروة عن أبيْه عن عائشة مرفوعًا: ((لا تَسْتَخْدِمُوا رَقِيْقَكُم باللَّيْلِ، فإنَّ النَّهَارَ لَكُم واللَّيلُ لَهُمْ)).
          وروى معمرٌ عن أيُّوب، عن أبي قِلَابة يرفعُه إلى سلمان أنَّ رجلًا أتَاْه وهو يَعجنُ فقال: أينَ الخادم؟ قال: أرسلتُهُ في حاجةٍ فلم نكن لنجمع عليْه ثنتين، أن نُرْسِلَه ولا نكفيَه عملَه.
          وفيْه الوصاة مِنَ الشَّارع بِما ملكت أيماننا، وهو آخر ما أوصى بِه عند موتِه لأنَّ الله تعالى وصَّى بِهم في كتابِه.
          وفيه أنَّهُ لا حدَّ عَلَى مَنْ قذف عبدًا ولا عقوبةَ ولا تعزير، وقد قال بعض العلماء: أرى إذا كان العبد صالحًا أن يعاقَب القاذفُ لَه والمؤذي.