التوضيح لشرح الجامع البخاري

بابُ بيع المدبر

          ░9▒ (بَابُ بَيْعِ المُدَبَّرِ).
          2534- ذَكر فيه حديثَ جابرٍ، وقد سلف في باب بيع المُدبَّر [خ¦2230] قبيل السَّلم، وقد اختلف العلماء في بيعِه، فلنذكرْه لبُعْدِ العَهد بِه، فقالت طائفة: يجوز بيعُه ويرجعُ فيْه متى شاء، وهو قول مجاهدٍ وطاوسٍ وبِه قال الشَّافعيُّ وأحمد وإسحاق وأبو ثَورٍ، واحتجُّوا بهذا الحديث، قالوا: وهو مذهب عائشةَ، ورُوي عنْها أنَّها باعت مدبَّرةً لَها سَحَرتَها.
          وقال آخرون: لا يجوز بيعُه، رُوي ذلك عن زيد بن ثابتٍ وابن عمرَ، وهو قول الشَّعبيِّ وسعيد ابن المسيِّب وابن أبي ليلى والنَّخَعِيِّ، وبِه قال مالكٌ والثَّوْريُّ واللَّيث والكوفيُّون والأوزاعيُّ، قالوا: لا يُبَاع في دَيْنٍ ولا غيرِه في الحياة ولا بعد الموت، وعن «المدوَّنة» أنَّهُ لا يُبَاع في حياة سيِّدِه في فَلَسٍ ولا غيرِه إلَّا في دَيْنٍ قبل التَّدبير، ويُباع بعد الموت إذا اغترقَهُ الدَّيْن كان التَّدبير قبل الدَّيْن أو بعدَه.
          وعن أبي حنيفة لا يُباع في الدَّيْن ولكن يُستسعَى الغُرماء، فإذا أدَّى ما لَهم عَتَق، والحُجَّةُ لَهم قولُه تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة:1].
          والتَّدبير عقد طاعةٍ يلزم الوفاء بِه، فلا سبيل إلى حلِّه والرُّجوع فيْه لأنَّهُ عقد حرِّيَّة بصفةٍ آتيةٍ لا محالة.
          وحديث: ((المدَبَّرُ لَا يُبَاعُ وَلا يُوهَبُ)) قالوا: ولا حُجَّة في حديث جابرٍ لِمَنْ أجاز بيعُه لأنَّ في الحديث أنَّ سيِّدَه كان عليْه دينٌ فباعَه رَسُولُ الله صلعم بثمان مئة درهمٍ وأعطاه لَه، وقال لَه: ((اقْضِ دَيْنَكَ)) فثبتَ بهذا أنَّ بيعَه إنَّما كان لأجل الدَّيْن الَّذي عليْه، فأمَّا إذا لم يكن عليْه دينٌ قبل تدبيرِه، فلا سبيل إلى بيعِه.
          وقد ترجم البخاريُّ باب مَنْ باع مال المفلس والمعدِم وقسمَه بين الغُرماء.
          وأيضًا فإنَّ سيِّدَه كان سفيهًا، ولذلك باعَه ◙.
          وبيع المدَبَّر عند مَنْ أجازَه لا يفتقر صاحبُه فيْه إلى بيع الإمام، وهذا الحديث عند العلماء أصلٌ في أنَّ أفعال السَّفيه مردودةٌ، فلا حُجَّة لَهم فيْه.
          وأُجِيب أيضًا بأنَّهُ يحتمل أن يكون أعتقَه عن دُبُرٍ في مرضِه، فقال: إنْ متُّ مِنْ مرضي هذا فأنتَ حُرٌّ عن دُبُرٍ منِّي، وهو قولٌ للمالكيَّة.
          فإن قلت: التَّدبير وصيَّةٌ فالرُّجوع سائغٌ، قيل: ليس كونُه وصيَّةً يجوِّز الرُّجوع فيْه لأنَّ العِتق البتل في المرض لا يجوز الرُّجوع فيْه، وإن كان يخرج مِنَ الثُّلث، فكذلك المدبَّر، وجمهور العلماء كما حكاه ابن بَطَّالٍ متَّفقون أنَّ ولد المدبَّرة الَّذين تلدُهنَّ بعد التَّدبير بمنزلتِها يَعْتِقُون بموت سيِّدِها، فإذا كان التَّدبير يسري إلى الولد فلأنْ يلزمَ في الأمِّ أولى.
          قال الطَّبريُّ: وفيْه أنَّ للإمام القيِّم بأمور المسلمين أن يحملَهم في أموالِهم عَلَى ما فيْه صلاحُهم ويردَّ في أفعالِهم ما فيْه مضرَّةٌ لَهم.
          قال ابن التِّينِ: ولم يختلف قول مالكٍ وأصحابِه أنَّ مَنْ دَبَّر عبدَه ولا دَين عليْه أنَّهُ لا يجوز بيعُه ولا هبتُه ولا نقض تدبيرِه ما دام حيًّا خلافًا للشَّافعيِّ.
          فرعٌ: يخرج المدبَّر بعد موت سيِّدِه مِنْ ثلثِه، وقال داود: يخرج مِنْ جميع المال، فإن لم يحملْه الثُّلث رقَّ ما لم يحمله الثُّلث منْه.
          وقال أبو حنيفة: يسعى في فَكاك رقبتِه، فإن مات سيِّدُهُ وعليْه دينٌ بِيْعَ للغُرماء.
          وقال أبو حنيفة: يسعى للغُرماء، ويخرج حُرًّا.