التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب: إذا أعتق عبدًا بين اثنين أو أمة بين الشركاء

          ░4▒ (بَابُ إِذَا أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، أَوْ أَمَةً بَيْنَ شُرَكَاءَ)
          2521- ذَكر فيْه حديثَ سَالِمٍ، عَنْ أَبِيْهِ، عَن رَسُولِ اللهِ صلعم قَالَ: (مَنْ أَعْتَقَ عَبْدًا بَيْنَ اثْنَيْنِ، فَإِنْ كَانَ مُوسِرًا قُوِّمَ عَلَيْهِ ثُمَّ يُعْتَقُ).
          2522- وفي لفظٍ: (مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مَا يَبْلُغُ ثَمَنَ العَبْدِ قُوِّمَ العَبْدُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ، فَأَعْطَى شُرَكَاءَهُ حِصَصَهُمْ، وَعَتَقَ عَلَيْهِ العَبْدُ، وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ).
          2523- وفي لفظٍ: (مَنْ أَعْتَقَ شِرْكًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ، فَعَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ يَبْلُغُ ثَمَنَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ مَالٌ يُقَوَّمُ عَلَيْهِ قِيمَةَ عَدْلٍ عَلَى المُعْتِقِ، وَأُعْتِقَ مِنْهُ مَا أَعْتَقَ).
          2524- وفي لفظٍ: (مَنْ أَعْتَقَ نَصِيبًا لَهُ فِي مَمْلُوكٍ أَوْ شِرْكًا لَهُ فِي عَبْدٍ، فَكَانَ لَهُ مِنَ المَالِ مَا يَبْلُغُ قِيمَتَهُ بِقِيمَةِ العَدْلِ، فَهُوَ عَتِيقٌ). قَالَ نَافِعٌ: (وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) قَالَ أيُّوب: لَا أَدْرِي أَشَيْءٌ قَالَهُ نَافِعٌ، أَوْ شَيْءٌ فِي الحَدِيثِ.
          2525- وفي لفظٍ: عَنِ ابْنِ عُمَرَ (أَنَّهُ كَانَ يُفْتِي فِي العَبْدِ أَوِ الأَمَةِ يَكُونُ بَيْنَ شُرَكَاءَ، فَيُعْتِقُ أَحَدُهُمْ نَصِيبَهُ مِنْهُ يَقُولُ: قَدْ وَجَبَ عَلَيْهِ عِتْقُهُ كُلُّهُ إِذَا كَانَ لِلَّذِي أَعْتَقَ مِنَ المَالِ مَا يَبْلُغُ يُقَوَّمُ مِنْ مَالِهِ قِيمَةَ العَدْلِ، وَيُدْفَعُ إِلَى الشُّرَكَاءِ أَنْصِبَاؤُهُمْ، وَيُخَلَّى سَبِيلُ المُعْتَقِ يُخْبِرُ بذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ عَنِ النَّبيِّ صلعم).
          وَرَوَاهُ اللَّيْثُ وَابْنُ أَبِي ذِئْبٍ وَابْنُ إِسْحَاقَ وَجُوَيْرِيَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ أُمَيَّةَ، عَنْ نَافِعٍ، عَن ابْنِ عُمَرَ، عَنِ النَّبيِّ صلعم مُخْتَصَرًا.
          الشَّرح: حديث ابن عمر سلف [خ¦2491] أيضًا في الشَّركة، وقد اختلف العلماء في العبد المشترَك يُعتِق أحدُهما نصيبَه. فقالت طائفةٌ: لا ضَمَان عليْه بقيمة نصيب شريكِه لعَتاقتِه إلَّا أن يكون موسرًا عَلَى ظاهر حديث ابن عمرَ، وإنَّما في حديث ابن عمر وجوبُ الضَّمَان عَلَى الموسر خاصَّةً دون المعسر، يدلُّ عليْه قولُه: (وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) هذا قول ابن أبي ليلى ومالكٍ والثَّوْريِّ وأبي يوسفَ ومحمَّدٍ والشَّافعيِّ.
          وقال زُفَرُ: يَضْمنُ قيمةَ نصيبِ شريكِه موسرًا كان أو معسرًا ويَخرج العبدُ كلُّهُ حُرًّا، وقال: العِتْق مِنَ الشَّريك الموسر جنايةٌ / عَلَى نصيب شريكِه يجبُ بِها عليْه ضَمَان قيمتِه مِنْ مالِه، ومَنْ جنى عَلَى مال رجلٍ وهو موسرٌ أو معسرٌ وجب عليْه ضَمَان ما أتلف بجنايتِه، ولم يفترق حكمُه إن كان موسرًا أو معسرًا في وجوب الضَّمان عليْه. وهذا قولٌ مخالفٌ للحديث فلا وجه لَه، وإلَّا فقولُه: (فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) دليلٌ أنَّ ما بقي مِنَ العبد لم يدخلْه عَتاقٌ فهو رقيقٌ للَّذي لم يُعتِق عَلَى حالِه، ولو نفِذَ العِتق في الكلِّ إذا كان معسرًا لرجع الشَّريك إلى ذمَّةٍ غير مليَّةٍ فلا يَحْصلُ عوضٌ، وفيْه إضاعة المال وإتلافٌ لَه، وقد نُهِي عن ذلك.
          واخْتُلِف في معنى الحديث:
          فقال مالكٌ في المشهور عنْه: للشَّريك أن يُعتِق نصيبَه قبل التَّقويم كما أعتقَ شريكُه أوَّلًا، ويكون الولاء بينَهما، ولا يَعْتَقُ نصيبُ الشَّريك إلَّا بعد التَّقويم وأداء القيمة.
          وقال أبو يوسف ومحمَّدٌ والشَّافعيُّ: إن كان المعتِق الأوَّلُ موسرًا عَتَقَ جميعُ العبد إذنْ وكان حُرًّا، ولا سبيل للشَّريك عَلَى العبد، وإنَّما لَه قيمةُ نصيبِه عَلَى شريكِه كما لو قتلَه، قالوا لأنَّه ◙ قال: ((مَنْ أَعْتَقَ شِقْصًا لَهُ فِي عَبْدٍ قُوِّم عَلَيهِ قِيْمَةُ عَدْلٍ)) ثُمَّ يُعْتِقُ إن كان موسرًا، فأمر بالتَّقويم الَّذي يكون في الشَّيء الْمُتْلَف، فعُلِم أنَّهُ إذا أعتق نصيبُه فقد أتلف نصيبَ شريكِه بالعتق فلزمَتْه القيمةُ، وقد رُوي مثلُه عن مالكٍ والحُجَّةُ لمالكٍ في مشهورِ قولِه أنَّ نصيبَ كلِّ واحدٍ مِنَ الشَّريكين غيرُ تابعٍ لنصيب صاحبِه، يدلُّ عليْه أنَّه لو باع أحدُهما نصيبَه لم يصرْ نصيبُ شريكِه مبيعًا، فكذا العِتق، وأيضًا فإنَّهُ لو أعتقَ نصيبَ شريكِه ابتداءً لم يَعْتَقْ، وكان يجب إذا ابتدأ عِتقَ نصيبِ شريكِه أن يَنعتِقَ، ويَنعتقَ نصيبُ شريكِه، فلمَّا لم يكن نصيبُه هنا بيعًا ولا يسري إليْه العِتق، كذلك لا يكون نصيبُ شريكِه بيعًا لنصيبِه ولا يسري إليْه العِتق، واحتجَّ مالكٌ في «المدوَّنة» فقال: أَلَا ترى أنَّهُ لو مات العبد قبل التَّقويم لم يلزم المعتِقَ الأوَّلَ شيءٌ؟
          فائدةٌ:
          استدلَّ ابن التِّينِ بقولِه: ثُمَّ يُعْتَقُ، للمشهور مِنْ مذهب مالكٍ أنَّ عِتق العبد لا يكون إلَّا بعد التَّقويم، وفي أنَّهُ لا يَعْتَقُ بالسِّراية، وكذا هو في حديث ابن عمر آخرَ الباب، وفي قولٍ لمالكٍ أنَّهُ يفتقر إلى حُكمٍ، ونقل سُحنُون إجماع الأصحاب عَلَى خِلافِه، وفي قولٍ: موقوفٌ عَلَى أداء القيمة.
          فرعٌ: إن ادَّعى الفقرَ ولا مال ظاهر لَه لا يحلف، وانفرد ابن الماجِشُون، فقال: يحلف.
          فرعٌ: إذا كان معسرًا وأحبَّ شريكُه أن يقوِّم عليْه ويطالبَه متى أيسر، فالأشبَهُ بما في «المدوَّنة» المنعُ عملًا بقولِه: (وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مِنْهُ مَا عَتَقَ) ووجه مقابلِه أنَّ ترك الاستكمال لحقِّ الشَّريك.
          فرعٌ: احتجَّ القاضي في «معونتِه» بقولِه: (قُوِّمَ عَلَيْهِ) لإحدى الرِّوايتين أنَّ مَنْ أوصى بعتق عبدِه أو شركٍ لَه في عبد يقوَّم عليْه، والمشهور المنع.
          فائدةٌ:
          قوله: (فَهُوَ عَتِيقٌ) يريد معتوقٌ فعيلٌ بمعنى مفعولٍ، وحقيقة هذا القول وشبهِه عند أكثر النُّحاة لا يُبنَى منْه فعلُ ما لم يُسمَّ فاعلُه ولا مفعولٌ إذا كان لازمًا، واختارَه سِيبَويه خاصَّةً عَلَى تقدير إقامة المصدر مقام ما لم يُسمَّ فاعلُه، والدَّاوُدِيُّ أجاز أن يُبنَى الثَّاني مِنْ قولِه: (وَإِلَّا فَقَدْ عَتَقَ مَا عَتَقَ) لمَّا لم يُسمَّ فاعلُه دون الأوَّل، وقد سلفت.
          وذكر الدَّاوُدِيُّ عن أبي حنيفة: إن شاء استسعى وإن شاء يُمسك بما لَه فيْه مِنَ الرِّقِّ، قال: وخالف الرِّوايتين جميعًا.
          فائدةٌ: أبو النُّعمان المذكور في إسنادِه شيخ البخاريِّ، اسمُه محمَّد بن الفضل عارمٌ، مات سنة أربعٍ وقيل: ثلاثٍ وعشرين ومئتين.