التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب مشاركة الذمي والمشركين في المزارعة

          ░11▒ (بَابُ مُشَارَكَةِ الذِّمِّيِّ وَالمُشْرِكِينَ فِي المُزَارَعَةِ) /
          2499- ذكر فيْه حديث عبد الله بن عمر: (أنَّ النَّبيَّ صلعم أَعْطَى خَيْبَرَ اليَهُودَ، عَلَى أَنْ يَعْمَلُوهَا وَيَزْرَعُوهَا وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) وقد سلف [خ¦2285].
          قَالَ المُهلَّب: وكلُّ ما لا يدخلُه رِبًا ولا يَنْفِرد به الذِّمِّيُّ فلا بأس بشَركة المسلم لَه فيْه، وهذِه المشاركة إنَّما معناْها معنى الأجرة، واستئجار أهل الذِّمَّةِ جائزٌ حلالٌ، وأمَّا مشاركة الذِّمِّيِّ ودفعُ المال إليْه ليعمل فيه فكرهَه ابن عبَّاسٍ والكوفيُّون والشَّافعيُّ وأبو ثَورٍ وأكثرُ العلماء، لِمَا يخاف عليْه مِنَ التَّجر بالرِّبا وبيع ما لا يحل بيعُه، وهو جائزٌ عندهم.
          وقال مالكٌ: لا يجوز شَركة المسلمِ الذِّمِّيَّ، إلَّا أن يكونَ النَّصرانيُّ يتصرَّف بحضرتِه، ولا يغيبَ عنْه في بيعٍ ولا شراءٍ ولا تقاضٍ، أو يكونَ المسلمُ هو يتولَّى البيع والشِّراء.
          وروي ذلك عن عطاءٍ والحسن، وبِه قال اللَّيث والثَّوْريُّ وأحمدُ وإسحاقُ، واحتجَّ مَنْ أجاز ذلك بمعاملتِه ◙ لَهم في مساقاة خيبرَ، وإذا جاز مشاركتُهم في عَمَارة الأرض جاز في غير ذلك، واحتُجَّ لمالكٍ أنَّ الذِّمِّيَّ إذا تولَّى الشِّراء باع بحُكم دِينِه، وأَدخل في مال المسلم ما لا يحلُّ لَه، والمسلمُ ممنوعٌ مِنْ أن يجعل مالَه متَّجرًا في الرِّبا والخمر والخنزير، وإنَّما أخذُ أموالهم في الجزية، فالضَّرورة دعت إلى ذلك إذ لا مال لَهم غيرُها.
          وقولُه: (أَنْ يَعْمَلُوهَا) أي نخيلها ويزرعوا بياض أرضِها، وكذلك سمَّوا المساقاة معاملةً.
          وفيْه إثباتُ المسَاقاة والمزارَعة معًا، وقد سلفَ ذلك، ومالكٌ لا يجيزُه، ولكنَّهُ قال: كان البياضُ يسيرًا بين أَضعاف السَّواد الثُّلثَ فما دون.
          قال ابن التِّينِ: استدلَّ بِه مَنْ أجاز قِرَاض النَّصرانيِّ ولا دليل فيْه، لأنَّهُ قد يَعمل الرِّبا ونحوَه بخلاف المسلم، والعمل في النَّخل والزَّرع لا يختلف فيْه عملُ يهوديٍّ مِنْ نصرانيٍّ، ولو كان المسلم فاسقًا يُخشَى أن يعمل بِه ذلك كُره أيضًا كالنَّصرانيِّ، أي بل أشدُّ.
          وقولُه: (وَلَهُمْ شَطْرُ مَا يَخْرُجُ مِنْهَا) فيْه دليلٌ عَلَى أنَّ ربَّ الأرضِ والشَّجر إذا بَيَّن حصَّةَ نفسِه جاز، وكان الباقي للعامل، كما لو بَيَّن حصَّةَ العامل.
          وقال بعضُ الفقهاء: إذا سمَّى حصَّة نفسِه لم يكن الباقي للعامل حتَّى يسمِّيَ لَه حصَّةً، واحتجَّ بِه أحمدُ أنَّهُ إذا كان البَذْر مِنْ عند العامل جاز، وذهب ابن أبي ليلى وأبو يوسف إلى أنَّها جائزةٌ سواءٌ كان البذر مِنْ عند الأَكَّار أو ربِّ الأرض، وفقهاءُ الأمصار مَنعوا ذلك، وتأوَّلوا حديثَ ابن عمر عَلَى أنَّهُ قصَّةٌ في عينٍ تَحْتَمِل ما قال أحمد، وأن يكون البياض يسيرًا فلا تعلُّقَ بِه إذنْ.