التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب قسمة الغنم

          ░3▒ (بَابُ قِسْمَةِ الغَنَمِ)
          2488- ذكر فيْه حديث عَبَايَةَ بْنِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ عَنْ جَدِّهِ: (كُنَّا مَعَ النَّبيِّ صلعم بِذِي الحُلَيْفَةِ، فَأَصَابَ النَّاسَ جُوعٌ، فَأَصَابُوا إِبِلًا وَغَنَمًا، قَالَ: وَكَانَ النَّبيُّ صلعم فِي أُخْرَيَاتِ القَوْمِ، فَعَجِلُوا وَذَبَحُوا وَنَصَبُوا القُدُورَ، فَأَمَرَ النَّبيُّ صلعم بِالقُدُورِ فَأُكْفِئَتْ، ثُمَّ قَسَمَ فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الغَنَمِ بِبَعِيرٍ فَنَدَّ مِنْهَا بَعِيرٌ فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ...) الحديث.
          وترجم عليْه قريبًا بباب (مَنْ عدل عشرةً مِنَ الغنم بجَزورٍ في القسمة) [خ¦2507]، وقال فيْه: ((فَعَدَلَ عَشَرَةً مِنَ الْغَنَمِ بِجَزُورٍ)) وفيْه: ((اعْجَلْ _أَوْ_ أَرْنِي)) وقد أخرجَه مسلمٌ والأربعة.
          قال الدَّارَقُطْنيُّ: ورواْه أبو الأَحوص عن سعيد بن مسروقٍ عن عَبَاية بن رِفَاعة عن أبيْه عن جدِّهِ. وتابعَه عبدُ الوارث بنُ سعيدٍ، عن ليث بن أبي سُليمٍ ومبارك بن سعيد بن مسروقٍ فقالا: عن عَبَاية عن أبيْه عن جدِّه.
          إذا تقرَّر ذلك: (فَنَدَّ) بتشديد آخره هَرَب، والأَوابدُ بفتح الهمزة وبالموحَّدة النُّفورُ والتَّوحُّش.
          و(مُدًى) بضمِّ الميم. و(أَنْهَرَ) _بالرَّاء_ أسال، وحُكي إعجامُها. و(لَيْسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ) بالنَّصب عَلَى الاستثناء بـ(لَيْسَ). وذو الحُلَيفة هذِه ليست الميقاتَ إنَّما هي الَّتي مِنْ تِهَامةَ عند ذات عِرْقٍ كما ذكرَه ياقوتٌ وغيرُه. وقال في باب مَنْ عدل بِذِي الحُلَيْفَةِ مِنْ تِهَامة، وكان ذلك سنَةَ ثمانٍ مِنَ الهجرة، كما نَبَّه عليْه ابن التِّينِ، ووقع للقابسيِّ أنَّها المُهَل الَّتي بقُرب المدينة وقالَه النَّوويُّ أيضًا، وما ذكرناْه يَرِدُ عليْهما.
          و(أُخْرَيَاتِ النَّاس) أَعْقَابُهم، جمع أُخرى، وكان يفعلُه رِفقًا بمَنْ معَه ويحمل المنقطع.
          وقولُه: (فَأُكْفِئَتْ) أي قُلِبَت عَلَى أفواهِها، قال ثعلبٌ: كُفِئَتِ القِدْر إذا كُبَّت، وكذا ذكرَه الكِسائيُّ وغيرُه، فعلى هذا إنَّما يُقال: فَكُفِئَت، وعلى قول ابن السِّكِّيت في «إصلاحِه» عن ابن الأعرابيِّ وأبي عبيدٍ وغيرهِما يُقال: أُكْفِئت.
          وقال ابنُ التِّينِ: صوابُه كُفِئت _بغير ألف_ مِنْ كَفَأْتُ الإناءَ مهموزٌ، واخْتُلف في إمالة الإناء، فيُقَال فيْها: كَفَأْتُ أو أَكْفَأْتُ، وكذلك اخْتُلِف في أَكْفَأْتُ الشَّيءَ لوجهِه.
          وقد اخْتُلِف في سبب أمرِه بإكفاء القُدور، فقيل: إنَّهم انْتَهَبُوْها متملِّكين لَها مِنْ غير قِسمةٍ، ولا عَلَى وجه الحاجة إلى أكلِها، يشهدُ لَه قولُه في روايةٍ: ((فَانْتَهَبْنَاْها)) قلت: قد أسلفنا في باب النُّهبى قولَ الرَّاوي: ((فَأَصَابَتْنَا مَجَاعَةٌ)) فهو بيانٌ لوجه الحاجة، وفيْه أيضًا: ((قَبْلَ أن تُقْسَم)).
          وقيل: إنَّما كان لِتَرْكِهم الشَّارعَ في (أُخْرَيَاتِ القَوْمِ) واستعجالِهم ولم يخافوا مِنْ مَكيدة العدوِّ، فحرمَهم الشَّارع ما استعجلوْه عقوبةً لَهم بنقيض قصدِهم، كما مُنع القاتلُ مِنَ الميراث حكاْه القُرطُبيُّ، ويؤيِّدُه رواية أبي داود ((وتَقَدَّمَ سَرَعَانُ النَّاس فَتَعَجَّلُوا فَأَصَابُوا الغَنَائمَ ورسولُ اللهِ صلعم في آخِرِ النَّاس)).
          وقال النَّوويُّ: إنَّما أمرَهم بذلك، لأنَّهم كانوا قد انتهَوا إلى دار الإسلام والمحلِّ الَّذي لا يجوزُ الأكلُ فيْه مِنْ مال الغنيمة المشتركة، فإنَّ الأكلَ منْها قبل القَسْم إنَّما يُباح في دار الحرب، والمأمورُ بِه مِنَ الإراقة إنَّما هو إتلافُ المرَق عقوبةً لَهم، وأمَّا اللَّحمُ فلم يُتْلِفوْه بل يُحْمَلُ عَلَى أنَّهُ جُمِع ورُدَّ إلى المَغنم، ولا يُظنُّ أنَّهُ أمر بإتلافِه، لأنَّهُ مالُ الغانمين، ولأنَّهُ ◙ نهى عن إضاعة المال، فإن قلتَ: لم يُنْقَل أنَّهم حملوْه إلى القِسْمة، فالجواب: ولا نُقِل أيضًا أنَّهم أخرجوْه ولا أتلفوْه، فوجبَ تأويلُه عَلَى وَفْق القواعد الشَّرعية، بخلاف لحم الحُمُر الأهليَّة يوم خيبرَ لأنَّها صارت نَجِسة.
          وأجاز قَسْمَ الغنم والبقر والإبل بغير تقويمٍ مالكٌ والكوفيُّون / وأبو ثورٍ إذا كان ذلك عَلَى التَّراضي.
          وقال الشَّافعيُّ: لا يجوز قَسْمُ شيءٍ مِنَ الحيوان بغير تقويٍم، حُجَّةُ مَنْ أجاز ذلك أنَّهُ ◙ قَسَم الغنائم وكانت أكثر غنائم خيبرَ الإبل والغنم، ولم يُذكَر في شيءٍ مِنْ ذلك تقويمٌ.
          قالوا: وتعديلُ الغنم بالغنم والبقر بالبقر والإبل بالإبل جائزٌ عَلَى التَّراضي في القِسْمة، ولا رِبا يدخلُها لأنَّهُ يجوز فيْها التَّفاضل يدًا بيدٍ، ومِنْ حُجَّة الشَّافعيِّ أنَّ قِسمتَه ◙ الغنمَ مع الإبل إنَّما كانت عَلَى طريق القيمة، أَلَا ترى أنَّهُ عَدَل عشرةً مِنَ الغنم ببعير؟ وهذا هو معنى التَّقويم.
          قال القُرطبيُّ: وهذِه الغنيمةُ لم يكن فيْها غيرُ الإبل والغنم ولو كان فيْها غيرُ ذلك لَقَوَّم جميعَها وقسمَهُ عَلَى القيمة. والإبل والغنم لا واحد لَهما مِنْ لفظِهِما، وإنَّما واحد الإبل: جملٌ وناقةٌ، وواحد الغنم: كبشٌ وشاةٌ.
          وقولُه: (نَدَّ) أي ذهب عَلَى وجهِه، وقد أسلفنا أنَّ معناْه هَرَبَ، يُقال: نَدَّ نَدًّا أو نُدودًا.
          و (أَهْوَى) إليْه (رَجُلٌ بِسَهْمٍ) أي ردَّ يدَه إليْه ليأخذَه، والأوابد جمع آبِدةٍ بالمدِّ وكسرِ الباء المخفَّفة، يُقال منْه: أَبَدَتْ تَأْبُِدُ بضمِّ الباء وكسرِها، وهي النَّافرة مِنَ الإنس وتوحَّشت كما أسلفناْه، وقَالَ الدَّاوُدِيُّ: يعني النِّفار، أَبَدَ يَأبِدُ أُبُودًا، وتأبَّد تأبدًا إذا توحَّش ونَفَر، وقال القزَّاز: مأخوذةٌ مِنَ الأَبَدِ وهو الدَّهر لطول بقائها، وقال أبو عُبيدٍ: أُخِذت مِنْ تأبَّدَتِ الدَّارُ تأبُّدًا، وأَبَدَتْ تَأْبُد أُبُودًا إذا خلا منْها أهلُها.
          وقولُه: (فَمَا غَلَبَكُمْ مِنْهَا فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) ظاهرُه أنَّ ما ندَّ مِنَ الإنسيِّ، ولم يُقْدر عليْه جاز أن يُذكَّى بما يُذكَّى بِه الصَّيدُ، وبِه قال أبو حنيفةَ والشَّافعيُّ وهو قول عليٍّ وابنِ مَسْعودٍ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ عمرَ وطاوسٍ وعَطاءٍ والشَّعبيِّ والحسنِ والأسودِ بن يزيدَ والنَّخَعِيِّ والحكمِ وحمَّادٍ والثَّوريِّ وأحمدَ والمُزنيِّ وداودَ، وحكاْه النَّوويُّ عن الجمهور ذاهبين إلى حديث أبي العُشَراءِ الدَّارِميِّ، عن أبيْه قلت: يا رَسُول الله، أما تكون الذَّكاة إلَّا في اللَّبَّة والحَلْق؟ قال: ((لَوْ طَعَنْتَ فِي فَخِذِهَا لَأَجْزَأَ عَنْكَ)).
          قال التِّرمِذيُّ: قال يزيدُ بن هارونَ: هذا في الضَّرورة، وقال أبو داود: لا يصلُح هذا إلَّا في المتردِّية والمتوحِّشة. وقال مالكٌ: لا تُؤكَل إلَّا بِذَكاة الإنسيِّ بالنَّحْر أو الذَّبْح استصحابًا لمشروعيَّة أصل ذَكَاتِه، وأنَّهُ وإن كان قد لحقَ بالوحشيِّ في الامتناع، فلم يلتحقْ بِها لا في النَّوع ولا في الحُكم، أَلَا ترى أنَّ مُلك مالكِه باقٍ عليْه؟ وهو قول ابن المسيِّب وربيعةَ واللَّيث.
          قال مالكٌ: ليس في الحديث أنَّ السَّهم قتلَه، وإنَّما قال: (حَبَسَهُ) ثُمَّ بعدَ أن حبسَه صار مقدورًا عليْه، فلا يُؤْكَل إلَّا بالذَّبح، ولا فرقَ بين أن يكون وحشيًّا أو إنسيًّا، وخالفَ مالكًا ابنُ حَبيبٍ في البقر خاصَّة لأنَّ لَها أصلًا في التوحُّش، وألزمَه بعضُهم كلَّ الإنسية قياسًا عَلَى قولِه فيْها: إذا سقطت في بئرٍ، ولم يقدر عَلَى ذبحِها ولا نحرِها، إنَّما تُطْعَن في الجَنْب، قال: وكذلك إذا ندَّت.
          قال أبو الحسن في معنى الحديث: إنَّما ذلك، لأنَّهُ حبسَه بجرحٍ ولم يُصِب مَقاتلَه، والشَّارع إنَّما نهى عن تعذيب الحيوان وهو رميُها وجرحُها، قال: فهذا معناْه عندي، لأنَّهُ منفوذ المَقاتل، كما تأوَّلَه مِن احتجَّ بِه لِمَا تقدَّم.
          وقولُه: (فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا) قال مالكٌ: نقول بموجبِه، أي برميِه وبحبسِه فإن أدركناْه حيًّا ذَكَّيناْه، وإن تَلِفَ بالرَّميِّ فهل يأكلُه أو لا؟ وليس في الحديث تعيُّن أحدِهما، فلحق بالمجملات ولا تنهض حُجَّةٌ، قالوا في حديث أبي العُشَراء: ليس بصحيحٍ لأنَّ التِّرمِذيَّ قال فيْه: غريبٌ لا نعرفُه إلَّا مِنْ حديث حمَّاد بن سَلَمة، ولا نعرف عن أبي العُشَراء عن أبيْه غيرَه.
          قلتُ: قد ذكر أبو موسى المدينيُّ مسندًا لأبي العُشَراء عن أبيْه، فبلغت أحاديثُه نحوَ ثمانيةَ عشرَ حديثًا، وتفرُّدُ حمَّادٍ غير قادحٍ فيْه لثقتِه وأمانتِه.
          قالوا: ولو سلَّمنا صِحَّتَه لَمَا كان فيْه حُجَّةٌ، إذ مقتضاْه جواز الذَّكَاة في أي عضوٍ كان مطلقًا في المقدور عَلَى تذكيتِه وغيرِه، ولا قائل بِه في المقدور عليْه، فظاهرُه ليس مرادًا.
          و(الْمُدى) جمع مُدْيةٍ وهي السِّكين.
          وقولُه: (أَفَنَذْبَحُ بِالقَصَبِ؟) وفي مسلمٍ: باللِّيط _بلامٍ مكسورةٍ ثُمَّ مثنَّاةٍ تحتُ ساكنةٍ ثُمَّ طاءٍ مهملةٍ_ وهي قِطَع القصب، قالَه القُرطبيُّ.
          وقال النَّوويُّ: قُشُورُه، الواحدة لِيطةٌ، وفي أبي داود: ((أنذكِّي بالمَرْوَةِ؟)) ولعلَّهما قيلا فأجابَهم بجوابٍ جامعٍ لِما سألوا ولغيرِه نفيًا وإثباتًا، فقال: (مَا أَنْهَرَ الدَّمَ....) إلى آخره، ومعنى هذا السُّؤال أنَّهم كانوا عازمين عَلَى قتال العدوِّ، وأنَّهم صانوا سيوفَهم وأسنَّتَهُم وغيرَهَا عن استعمالِها لأنَّ ذلك يُفسد الآلة أو يَعيبُها، ولم يكن لَهم سكاكينُ صغارٌ مُعَدَّةٌ للذَّبحِ.
          وقولُه: (إِنَّا نَرْجُو _أَوْ نَخَافُ_ العَدُوَّ غَدًا) قال ابن التِّينِ: هما سواءٌ، قال تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ رَبِّهِ} [الكهف:110] أي يخافُه، ومعنى (أَنْهَرَ): أسال _كما سلف_ أسالَه وصبَّهُ بكثرةٍ، وهو مشبَّهٌ بجري الماء في النَّهر، ورُويَ بالزَّاي كما سلف، والنَّهر الدَّفع وهو غريبٌ، وشُرِط في الذَّكَاة سَيَلان الدَّم، ليتميَّز بذلك حِلُّها مِنْ حُرْمتِها، فإنَّ المَيْتَةَ لا دم لَها.
          (وَالظُّفُرَ) يدخل فيْه ظُفْر الآدميِّ وغيرِه مِنْ كلِّ الحيوانات، وسواءٌ المتَّصل والمنفصل، والطَّاهر والنَّجس، ويلتحق بِه سائرُ العِظَام مِنْ كلِّ حيوانٍ مطلقًا، وكلُّ ما صدق عليْه اسم العظم فلا يجوز الذَّكَاة بشيء منْها، وهو قول النَّخَعِيِّ والحسن بن صالح واللَّيث وأحمد وإسحاق وأبي ثَورٍ وداود.
          وقال أبو حنيفة وصاحبَاْه: لا يجوز بالسِّنِّ والعظم المتَّصلَين ويجوز بالمنفصلَين، وعن مالكٍ رواياتٌ:
          أشهرُها جوازُه بالعَظْم دون السِّنِّ كيف كانا، والثَّاني كمذهبنا، والثَّالثة كأبي حنيفة، والرَّابعة يجوز بكلِّ شيءٍ بالسِّنِّ والظُّفْر، وعن ابن جُرَيْجٍ جوازُها بعظم الحمار دون القرد، وأُجِيبَ عن الحديث بحملِه عَلَى الكراهة، أو عَلَى سِنٍّ وعظمٍ لا يصحُّ القطع بِهما دون ما إذا كانا عريضين.
          وقولُه: (أَمَّا السِّنُّ فَعَظْمٌ) معناه لا تذبحوا لئلَّا يَنْجَسَ بالدَّم، وقد نُهِيتم عن الاستنجاء بِه لئلَّا تنجس لكونِها زادَ الجنِّ.
          وقال ابن الجَوْزيِّ: يدلُّ عَلَى أنَّهُ مُقَدَّرًا في عُرْفِهم أن لا تذبحوا بعظمٍ، لأنَّهُ لا يقطع العروق، / وإنَّما يُزْهِق النَّفْس خنقًا لا ذبحًا، لغرْزِ أظفارِهم في الحَلْق، وقيل: لأنَّ الحبشة كُفَّار، وقد نهيتكُم عن التَّشبُّهِ بالكفَّار، وهذا مِنْ شِعَارِهم، وحملَه القُرطبيُّ عَلَى الظُّفْر المتَّصِل.
          قال الخطَّابيُّ: ظاهرُه يُوهُم أنَّ مُدَى الحبشة لا يقع بِها ذَكَاةٌ، ولا خلاف في صِحَّة ذلك، وإنَّما معناْه أنَّهم يُديمُون مذابحَ الشَّاة بأظفارِهم، ثُمَّ يدَعُونَها فتذهب النَّفْس خنقًا وتعذيبًا ويُحلُّونَها محلَّ الذَكَاة، فلذلك ضَرَب المثل بِه.
          وقولُه: (وَذُكِرَ اسْمُ اللهِ) مقتضَاْه شرطيَّتُها، لأنَّهُ قَرَنَها بالذَّكَاة المشترطة، وعلَّقَ الإباحة عليْها، فقد صار كلُّ واحدٍ منْهما شرطًا أو جُزْء شرطٍ، والخلاف فيْه شهيرٌ عمدًا ونسيانًا.
          وقولُه: (اعْجَلْ) ضُبطَ في بعض النُّسخ بضمِّ الهمزة، وفي بعضِها بالفتح وكسر الجيم، قال أبو الحسن: وهو وصفٌ للرَّجل بالعَجَلة.
          وقولُه: (أَرْنِ) أي هات، وهي لفظةٌ تتردَّدُ في كلام بعضِهم، فيكون معنى الحديث اسمَع وافهَم.
          قال الخطَّابيُّ: إنَّما هو وأرني _مهموزٌ_ عَلَى وزن وعر أي خِفَّ واعجلْ عَلَى الذَّبيحة، وأصلُه مِنْ أَرِن يَأْرَن إذا نَشِطَ وخَفَّ، فعلى هذا يُقَرأُ بهمزة ساكنةٍ.
          ومِنْ فوائدِه عجلتُهم عَلَى وجه التَّأويل وسقوط الإثم عنْهم، والغُرْم عَلَى المتأوِّلِ وعقوبتُهم بالإكفاء. وفيْه جمعُ الإبل والغنم في القسمة ومالكٌ لا يراْه. وفيْه أنَّهما يُقسَمان في القيمة ولا يقولُه مالكٌ، ولا يُعَارَض هذا بالجواب الَّذي في الحديث الآخر لوجوهٍ منْها أنَّ ذلك كان في خيبرَ سنة ستٍّ، وهذِه نازلة حُنَينٍ سنة ثمانٍ، والآخِرُ لا ينسخُه الأوَّلُ.
          ومنْها أنَّهُ قضيَّةٌ في عينٍ. ومنْها أنَّهُ صار إليْه بعطيَّةٍ مِنْ رَسُول الله صلعم.