التوضيح لشرح الجامع البخاري

باب حج المرأة عن الرجل

          ░24▒ بَابُ: حَجِّ المَرْأَةِ عَنِ الرَّجُلِ.
          1855- ذَكر فيه حديثَ ابْنِ عَبَّاسٍ: (كَانَ الفَضْلُ رَدِيفَ النَّبِيِّ _صلعم_ فَجَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ خَثْعَمَ...) الحديثَ.
          وتقدَّم أوَّلَ الحجِّ [خ¦1513]، والتَّرجمةُ صريحةٌ، وفي أصل ابنِ بطَّالٍ بدلها باب: الحجِّ عمَّنْ لا يستطيع الثُّبوت على الرَّاحلة، واستدلَّ بعض الشَّافعيَّة به على أنَّ الولدَ إذا قال لوالده الزَّمِن: أنا أحجُّ عنك، لزمَهُ فرضُ الحجِّ، لأنَّها قالت: (أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ) وأمرها، على أنَّ الحجَّ واجبٌ على أبيها، فكان الظَّاهرُ أنَّ السَّبب الموجود قولها: (أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟) وخالف مالكٌ وأبو حنيفةَ فقالا: لا يجب عليه بقول ولده شيءٌ، وفيه دليلٌ كما قال بعضهم على حجِّ المرأة بدون مَحرَمٍ، وليس كما قال.
          وفيه أيضًا أنَّ المرأةَ ليس عليها تغطيةُ وجهها وإنَّما على النَّاس أنْ يصرفوا أعينَهم عنِ النَّظر إليها.
          وفيه أنَّ إحرامَ المرأة في وجهها ويديها وهو قول الجماعة، وكان الفضل مِنْ أجمل أهل زمانه كما سلف [خ¦1513].
          وفيه: جواز الإرداف إذا كانت مُطيقةً، وأبعدَ مَنْ قال: إنَّه خاصٌّ بها مع اشتراط الاستطاعة، وهي القدرة، كما كان سالمٌ مولى أبي حُذيفةَ مخصوصًا برضاعِه في حال الكِبَر، مع اشتراط تمام الرَّضاعة في الحولين، وقد أسلفنا هناك اختلافَ العلماء في الَّذي لا يستطيع أنْ يستويَ على الرَّاحلة لكبَرٍ أو ضعفٍ أو زمَانَةٍ، وقد أتى رجلٌ عليًّا فقال: كَبِرتُ وضَعُفتُ وفرَّطتُ في الحجِّ، فقال: إنْ شئتَ جهَّزتَ رجلًا يحجُّ عنك، وأنَّ مالكًا وغيرَه منع النِّيابة، وأنَّ الثَّلاثة قالوا بها، وبذلُ الولدِ الطَّاعةَ استطاعة، خلافًا لأبي حنيفةَ.
          واحتجَّ مَنْ أجاز بحديث الباب، وفيه دليلان على وجوب الحجِّ على المعضُوب أنَّها قالت: (إِنَّ فَرِيضَةَ اللهِ فِي الحَجِّ أَدْرَكَتْ أَبِي) فأقرَّها _◙_ على ذَلِكَ، ولو لمْ يلزمه، وهي قد ادَّعت وجوبَه على أبيها بحضرته لأنكره وأنَّه شبَّهه بالدَّين في رواية عبد الرَّزَّاق، عنِ ابنِ عُيَيْنةَ، عنْ عمرِو بنِ دينارٍ، عنِ النَّبيِّ صلعم حين أمر أنْ يحجَّ عنِ الشَّيخ الكبير، قيل: ((أَوَيَنْفَعُهُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ كَمَا يَكُوْنُ عَلَى أَحَدِكُم الدَّيْنُ فَيَقْضِيْهِ وَلِيُّهُ)).
          والدَّينُ الَّذي يُقضى عنِ الإنسان يكون واجبًا عليه، ومَنْ قضاه أسقط الفرضَ والمأثَمَ، فكذا هنا، لقولها: ((فَهَلْ يَقْضِي عَنْهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟)) وروى عبد الرَّزَّاق: ((أَيَنْفَعُهُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ)) واعترض بأنَّها قالتْ: ((أَدْرَكَتْ))، ولمْ تقلْ: فُرِضَتْ على أبي.
          وإنَّما قالت: إنَّها نزلتْ وأبي شيخٌ، أي: فُرضَتْ في وقتٍ أبي شيخٌ كبيرٌ لا يلزمه فرضها، فلمْ ينكِر قولَها، أو أنَّها توهَّمت أنَّ الَّذي فُرض على العباد يجوز أنْ يَدخل فيه أبوها، غير أنَّه لا يقدِر على الأداء، ولا يمتنع أنْ يتعلَّق الوجوب بشريطة القدرة على الأداء، فيكون الفرضُ وجب على أبيها، ثمَّ وقتَ الأداء كان عاجزًا لأنَّ الإنسانَ لو كان واجدًا للرَّاحلة والزَّاد وكان قادرًا ببدنه لمْ يمتنعْ أنْ يُقال له في المحرَّم: قد فرض عليك الحجُّ، فإنْ بقيتَ كذلك إلى وقت الحجِّ لزمك الأداء وإلَّا سقط عنك.
          ومعلومٌ أنَّ فرضَ الحجِّ نزل في غير وقت الحجِّ المضيَّق، فإنَّما سألتْه في وقت الأداء عن ذَلِكَ، وقولها: (أَفَأَحُجُّ عَنْهُ؟ فقَالَ: نَعَمْ) لا يدلُّ أنَّ الأداء كان مقرَّرًا عليه فسقط بفعلها، ولكنَّه أراد أنَّها إنْ فعلتْ ذَلِكَ نفعه ثوابُ ما يلحقه مِنْ دعائها في الحجِّ، كما لو تطوَّعتْ بقضاء دينه، إلَّا أنَّه مثلُ الدَّين في الحقيقة لأنَّه حقٌّ لآدميٍّ يسقط بالإبراء، ويُؤَدَّى عنه مع القدرة والعجز، وبأمرِه مع الصِّحَّة وغيرِ أمره، ولو كان كالدَّين كان إذا حجَّت عنه ثمَّ قَوِيَ وصحَّ سقط عنه، كما يُقضى دَين المعسِر ويستغني، وراجعْ ما أسلفناه تجدِ الجوابَ.
          واختلف العلماء في المريض يأمر مَنْ يحجُّ عنه ثمَّ يصحُّ بعد ذَلِكَ ويقدر، فقال الكوفيُّون والشَّافعيُّ وأبو ثورٍ: لا يجزئه، وعليه أنْ يحجَّ.
          وقال أحمدُ وإسحاقُ: يجزئه الحجُّ عنه، وكذلك إنْ ماتَ مِنْ مرضه وقد حجَّ عنه، فقال الكوفيُّون وأبو ثورٍ: يجزئه مِنْ حَجَّة الإسلام، قال ابنُ بطَّالٍ: وللشَّافعيِّ قولان أحدُهما: هذا، والثَّاني: لا يجزئ عنه، قال: وهو أصحُّ القولين.