شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب تزويج المعسر

          ░14▒ بابُ تَزْوِيجِ المُعْسِرِ
          لِقَوْلِ اللهِ تعالى: {إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النُّور:32]
          فيهِ سَهْلٌ: (جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى رَسولِ اللهِ صلعم، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا النًّبيُّ صلعم(1) فَصَعَّدَ النَّظَرَ فِيهَا وَصَوَّبَهُ، ثُمَّ طَأْطَأَ رَأْسَهُ، فَلَمَّا رَأَته المرأةُ لَمْ(2) يَقْضِ فِيهَا شَيْئًا، جَلَسَتْ فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللهِ(3): إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكَ بِهَا حَاجَةٌ فَزَوِّجْنِيهَا، فقَالَ(4): وَهَلْ عِنْدَكَ مِنْ شَيْءٍ؟ قَالَ(5): لا وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: اذْهَبْ إلى أَهْلِكَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لَا، وَاللهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا(6)، فقَالَ(7): انْظُرْ وَلَوْ خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ(8)، فَقَالَ: لَا، وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ(9)، وَلا خَاتَمًا مِنْ حَدِيدٍ، وَلَكِنْ هَذَا إِزَارِي، قَالَ سَهْلٌ: مَا لَهُ رِدَاءٌ، فَلَه(10) نِصْفُهُ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم: مَا تَصْنَعُ بِإِزَارِكَ؟! إِنْ لَبِسْتَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا مِنْهُ شيءٌ، وَإِنْ لَبِسَتْهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْكَ مِنْهُ(11) شَيءٌ، فَجَلَسَ الرَّجُلُ حَتَّى إِذَا طَالَ مَجْلِسُهُ قام فَرَآهُ رَسُولُ اللهِ مُوَلِّيًا، فَأَمَرَ بِهِ فَدُعِي، فَلَمَّا جَاءَ، قَالَ: مَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ(12)؟ قَالَ: مَعِي سُورَةُ كَذَا وَسُورَةُ كَذَا _عَدَّدَهَا_ قَالَ(13): أتَقْرَؤُهُنَّ(14) عَنْ ظَهْرِ قَلْبِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: اذْهَبْ فَقَدْ مَلَّكْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ). [خ¦5087]
          فيه جواز نكاح(15) المعسر، وأنَّ الكفاءة إنَّما هي في الدِّين(16) لا في المال، فإذا استجازتِ المرأةُ أو الوليُّ التَّقصير في المالِ جازَ النِّكاحُ، وقد رُوِيَ عن عُمَرَ بنِ الخطَّاب ☺ أنَّه قال: ابتغوا الغنى في النِّكاح، ما رأيت مثل(17) مَنْ قعدَ بعد هذه الآية: {إِن يَكُونُوا فُقَرَاء يُغْنِهِمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ}[النُّور:32]، وذكر إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ قال: حدَّثني إِسْمَاعِيْلُ(18) بنُ أبي أُوَيْسٍ، قال: حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ بِلَالٍ عن ابنِ غَيلَانَ(19) عن سَعِيدِ بن أبي سَعِيدٍ عن أبي هريرةَ: أنَّ رسولَ اللهِ صلعم قال: ((ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللهِ تَعَالَى عَونُهُ: المُجَاهِدُ في سَبِيلِ اللهِ ╡، والنَّاكِحُ يُرِيدُ العَفَافَ، والمُكَاتِبُ يُرِيْدُ الأَدَاءَ)).
          قال المُهَلَّبُ: وفي حديث سَهْلٍ جواز خطبة المرأة الرَّجل لنفسها إذا كان صالحًا، ولا عارَ عليها في ذلك، وفيه أنَّ النِّساء يُخطَبن إلى الأولياء، فإن لم يكن وليٌّ فالسُّلطان وليُّ مَنْ لا وليَّ له(20)، وسيأتي اختلاف العلماء في قوله ◙: (قَدْ مَلَّكْتُكَهَا بما معكَ مِنَ القُرآنِ) بعد هذا إنْ شاء الله تعالى [خ¦5135] [خ¦5141] [خ¦5149].


[1] قوله: ((فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ، جِئْتُ أَهَبُ لَكَ نَفْسِي، فَنَظَرَ إِلَيْهَا النَّبِيُّ صلعم)) ليس في (ص).
[2] في (ز): ((فلمَّا رأت أنَّه لم)).
[3] قوله: ((يا رسول الله)) ليس في (ز).
[4] في (ز): ((قال)).
[5] في (ز): ((فقال)).
[6] قوله: ((قَالَ: اذْهَبْ إلى أَهْلِكَ، فَانْظُرْ هَلْ تَجِدُ شَيْئًا فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ، فَقَالَ: لا، وَاللهِ مَا وَجَدْتُ شَيْئًا)) ليس في (ز) وهو مثبت مِنَ المطبوع.
[7] في المطبوع: ((فقال رسول الله)).
[8] قوله: ((فَذَهَبَ، ثُمَّ رَجَعَ)) ليس في (ز).
[9] قوله: ((يا رسول الله)) ليس في (ز).
[10] في (ز): ((فلها)).
[11] قوله: ((منه)) ليس في (ز).
[12] في (ز): ((قَامَ، مُوَلِّيًا فَدُعِي، قَالَ: مَاذا مَعَكَ مِنَ القُرْآنِ)).
[13] في المطبوع: ((فقال)).
[14] في (ز): ((تقرؤهنَّ)).
[15] في (ز): ((إنكاح)).
[16] في (ز): ((وأنَّ الكفؤ إنَّما هو في الدِّين)).
[17] قوله: ((مثل)) ليس في (ص).
[18] قوله: ((إسماعيل)) ليس في (ص).
[19] في (ز): ((عجلان)).
[20] قوله: ((مَنْ لا وليَّ له)) ليس في (ز).