شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب كثرة النساء

          ░4▒ بَابُ كَثْرَةِ النِّسَاءِ
          فيهِ عَطَاءٌ: (حَضَرْنَا مَعَ ابنِ عَبَّاسٍ جِنَازَةَ مَيْمُونَةَ بِسَرِفَ، فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ صلعم فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا، فَلَا تُزَعْزِعُوهَا، وَلَا تُزَلْزِلُوهَا، وَارْفُقُوا، فَإِنَّهُ كَانَ عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم تِسْعٌ كَانَ يَقْسِمُ لِثَمَانٍ، وَلَا يَقْسِمُ لِوَاحِدَةٍ). [خ¦5067]
          وفيهِ أَنَسٌ: (أَنَّ النَّبِيَّ صلعم كَانَ يَطُوفُ عَلَى نِسَائِهِ في لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ، وَلَهُ تِسْعُ نِسْوَةٍ). [خ¦5068]
          وفيهِ ابنُ جُبَيْرٍ قَالَ لي ابنُ عَبَّاسٍ: هَلْ تَزَوَّجْتَ؟ قُلْتُ: لَا، قَالَ: فَتَزَوَّجْ، فَإِنَّ خَيْرَ هَذِهِ الأمَّةِ أَكْثَرُهَا نِسَاءً. [خ¦5069]
          قال المُهَلَّب: لم يُرد ابنُ عبَّاسٍ أنَّ(1) مَنْ كَثُرَ نساؤه مِنَ المسلمين أنَّه خيرهم، وإنَّما قاله على معنى الحضِّ والنَّدبِ إلى النِّكاح، وترك الرَّهبانيَّة في الإسلام، وأنَّ النَّبيَّ صلعم الَّذي يجبُ علينا الاقتداء به واتِّباع سُنَّته كان أكثرَ أمَّته نساءً؛ لأنَّ الله تعالى أحلَّ له منهنَّ تسعًا بالنِّكاح، ولم يحلَّ لأحدٍ مِنْ أُمَّتِه غير أربعٍ.
          وفي هذا الحديث مِنَ الفقه: أنَّ حُرمَةَ المسلم ميِّتًا كحرمته حيًّا؛ لأنَّ ابنَ عَبَّاسٍ راعى مِنْ توقير زوج(2) النَّبِيِّ صلعم بعد موتها ما كان يراعيه في حياتها، والَّتي لم يقسم لها النَّبيُّ صلعم مِنْ أزواجه هي سَوْدَةُ؛ لأنَّها وهبت يومها لعائشةَ لعلمها بحبِّ الَّنبيِّ صلعم لها، وإنَّما فعلت ذلك رغبَةً أنْ تُحشر في جملة أزواج النَّبيِّ ◙، فكانت مِنْ أزواجه ولم يكنْ لها قسمةٌ في المبيت.
          وقال صاحبُ «العين»: الزَّعزعةُ: تحريك الشَّيء إذا أردت رفعه، وكذلك تحريك الرِّيح الشَّجر، والزَّلزلةُ: الاضطراب أُخذ مِنْ زلزلة الأرض.


[1] في (ز): ((أنَّه)).
[2] في (ز): ((أزواج)).