شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ضريبة العبد وتعاهد ضرائب الإماء

          ░17▒ بَابُ ضَرِيبَةِ العَبْدِ وَتَعَاهُدِ ضَرَائِبِ الإِمَاءِ
          فيهِ أَنَسٌ: (قَالَ(1) حَجَمَ أَبُو طَيْبَةَ النَّبيَّ صلعم فَأَمَرَ لَهُ بِصَاعٍ، أَوْ بصَاعَيْنِ(2) مِنْ طَعَامٍ، وَكَلَّمَ مَوَالِيَهُ، فَخَفَّفَ عَنْ غَلَّتِهِ أَوْ ضَرِيبَتِهِ) [خ¦2277]
          وترجم له بابُ خراجِ الحجَّامِ وذكر فيه: ((أَنَّ النَّبيَّ صلعم احتَجَمَ وَأَعْطَى الحَجَّامَ أَجْرَهُ)) ولو علم كراهيةً لم يعطه، وقال أَنَسٌ: ((كَانَ النَّبيُّ صلعم يَحْتَجِمُ، وَلَمْ يَكُنْ يَظْلِمُ أَحَدًا أَجْرَهُ)).
          وترجم للأوَّل بابُ مَنْ كلَّم موالي العبد أن يخفِّفوا عنه(3) مِنْ خراجه.
          قالَ المُهَلَّبُ: فيه مِنَ الفقه أنَّه لا بأس أن يضرب الإنسان على عبده خراجًا معلومًا في الشَّهر، وأن يبلغ(4) في ذلك وسع العبيد وطاقتهم، ولا يثقل(5) عليهم لأنَّ التَّخفيف لا يكون إلَّا عن ثقلٍ.
          وفيه: الشَّفاعة للمِدْيان في الوضيَّعة، وللعبد في الضَّريبة، وإن كان ليس بالدَّين الثَّابت لكنَّه مطالبٌ به مستعملٌ فيه.
          وفيه: استعمال العبد بغير إذن سيِّده إذا كان معوضًا لذلك ومعروفًا(6) به.
          وفيه: الحكم بالدَّليل لأنَّه استدلَّ على أنَّه مأذونٌ له في العمل لانتصابه(7) له وعرض نفسه عليه.
          وأمَّا مذاهب العلماء في خراج الحجَّام وكسبه، فقال ابنُ القَصَّارِ: يجوز للحجَّام أن يأكل مِنْ كسبه، وإن كان عبدًا جاز لسيِّده أن يأكله، وإن كنَّا لا نحبُّه لأنَّها صنعةٌ دنيَّةٌ، ولكنَّه غير محرَّمٍ. وبهذا قال جماعة الفقهاء إلَّا أحمدُ(8) وغيره مِنْ أصحاب الحديث فإنَّهم(9) قالوا: هو محرَّمٌ على الأحرار ومباحٌ للعبيد، ولا يجوز للحرِّ أن يحترف بالحجامة، وإن كان غلامه حجَّامًا لم ينفق على نفسه مِنْ كسبه، وإنَّما ينفقه على العبد وعلى بهائمه.
          والقصد بالحجَّامِ: الَّذي يحجم ليس الَّذي يزين النَّاس، واستدلُّوا لقولهم بحديث أبي رافعٍ أنَّ النَّبيَّ صلعم قالَ: ((كَسْبُ الحَجَّامِ خَبِيْثٌ)) قالوا: والخبيث عبارةٌ عن الحرام، وبحديث(10) مَحِيْصَةَ عن أبيه قال: ((استَأْذَنْتُ النَّبيَّ صلعم عَنْ(11) إِجَارَةِ الحَجَّامِ فَنَهَانِي عَنْهَا، فَمَا زِلْتُ أَسْأَلُهُ حَتَّى قَالَ: أَعْلِفْهُ نَاضِحَكَ، وَأَطْعِمْهُ رَقِيْقَكَ)).
          وحجَّة الجماعة حديث أَنَسٍ وابنِ عَبَّاسٍ: ((أَنَّ النَّبيَّ صلعم احتَجَمَ، وَأَعْطَى الحَجَّامَ أُجْرَةً، قَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: وَلَوْ عَلِمَ كَرَاهِيَةً لَمْ يُعْطِهِ)).
          قالَ الطَّحَاوِيُّ: وفي إباحة النَّبيِّ صلعم أن يطعمه رقيقه وناضحه دليلٌ(12) أنَّه ليس بحرامٍ، ألا ترى أنَّ المال الحرام الَّذي لا يحلُّ للرَّجل أكله لا يحلُّ له أن يطعمه رقيقه ولا ناضحه، فثبت بذلك نسخ ما تقدَّم مِنْ نهيه، وهو النَّظر عندنا لأنَّا رأينا الرَّجل يستأجر الرَّجل يفصد له عرقًا، أو ينزع له ضرسًا(13) فيجوز ذلك، فكذلك تجوز الحجامة.
          قال غيره: والدَّليل على ذلك قوله تعالى: {قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا}[التحريم:6]قال أهل التَّفسير: جنِّبوهم ما يقود إلى النَّار وما(14) يؤدي إلى سخطه، وذلك فرضٌ(15) على المخاطبين بهذه الآية.
          وقال رَبِيْعَةُ: إنَّ الحجَّامين كان لهم سوقٌ على عهد عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ. وقال يحيى بنُ سَعِيْدٍ: لم يزل المسلمون مقرِّين بأجر الحجَّام(16) ولا ينكرونها.
          وأمَّا قولهم: إنَّها صنعةٌ دنيَّةٌ، فليست بأدنى مِنْ صنعة الكنَّاس الَّذي ينقل الحشَّ، وليست بحرامٍ، وكذلك(17) الحجَّام.
          وقولهم: إن اسم الخبيث عبارة عن الحرام، فليس كذلك، / وقد يقع على الحلال، قال تعالى(18): {وَلَا تَيَمَّمُوا الخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ}[البقرة:267]وكانوا يتصدَّقون بالحشف ورديء(19) الثَّمر(20) فنزلت هذه الآية فيه.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (ز).
[2] في (ز): ((صاعين)).
[3] في (ز): ((عليه)).
[4] في (ز): ((يبلغوا)).
[5] في (ز): ((يثقلوا)).
[6] في المطبوع: ((معروفًا)).
[7] في (ز): ((لاقتضائه)).
[8] زاد في (ز): ((ابن حنبل)).
[9] قوله: ((فإنَّهم)) ليس في (ص).
[10] في المطبوع: ((بحديث ابن))، وغير واضحة في (ص).
[11] في (ز): ((في)).
[12] زاد في (ز): ((على)).
[13] في (ز): ((ضرسًا)) غير واضحة.
[14] في (ز): ((جنِّبوهم ما يقودهم إلى النَّار وانهوهم عن ما)).
[15] في (ص): ((حرام)).
[16] في (ز): ((الحجامة)).
[17] في (ز): ((فكذلك)).
[18] في (ز): ((قال الله تعالى)).
[19] في (ز): ((ودني)).
[20] في المطبوع: ((التَّمر))، وغير واضحة في (ص).