شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب استئجار المشركين عند الضرورة أو إذا لم يوجد أهل الإسلام

          ░3▒ بَابُ اسْتِئْجَارِ المُشْرِكِينَ عِنْدَ الضَّرُورَةِ أَوْ(1) إِذَا لَمْ يُوجَدْ أَهْلُ الإِسْلاَمِ وَعَامَلَ النَّبيُّ صلعم يَهُوْدَ(2) خَيْبَرَ.
          فيهِ عَائِشَةُ: (اسْتَأْجَرَ النَّبيُّ صلعم وَأَبُو بَكْرٍ رَجُلًا مِنْ بَنِي(3) الدِّيلِ ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بنِ عَدِيٍّ(4) هَادِيًا _المَاهِرُ بِالهِدَايَةِ_ قَدْ غَمَسَ يَمِينَ حِلْفٍ فِي آلِ العَاصِ(5) بنِ وَائِلٍ، [وَهُوَ عَلَى دِينِ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، فَأَمِنَاهُ فَدَفَعَا إِلَيْهِ رَاحِلَتَيْهِمَا، وَوَاعَدَاهُ غَارَ ثَوْرٍ بَعْدَ ثَلاَثِ لَيَالٍ، فَأَتَاهُمَا بِرَاحِلَتَيْهِمَا صَبِيحَةَ لَيَالٍ ثَلاَثٍ، فَارْتَحَلاَ وَانْطَلَقَ مَعَهُمَا عَامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ، وَالدَّلِيلُ الدِّيلِيُّ، فَأَخَذَ بِهِمْ(6) طَرِيقُ السَّاحِلِ). [خ¦2263]
          استئجار المشركين عند الضَّرورة وغيرها جائزٌ حسنٌ لأنَّ ذلك ذلَّةٌ لهم(7) وصغارٌ لهم، وإنَّما قال البخاريُّ في ترجمته: إذا لم يوجد أهل الإسلام، مِنْ أجل أنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما عامل أهل خيبر على العمل في أرضها إذا(8) لم يوجد مِنَ المسلمين مَنْ ينوب منابهم في عمل الأرض، حتَّى قوي الإسلام واستُغني عنهم وأجلاهم عُمَرُ بن الخَطَّابِ، وعامَّة الفقهاء يُجيزون استئجارهم عند الضَّرورة وغيرها.
          قال المُهَلَّبُ: وفيه مِنَ الفقه ائتمان أهل الشِّرك على السِّرِّ والمال إذا عُلِمَ منهم وفاءٌ ومروءةٌ، كما استأمن النَّبيُّ صلعم هذا الدَّليل المشرك، وهو مِنَ الكفَّار الأعداء الطَّالبين(9)، لكنَّه علم منه مروءةً ووفاءً ائتمنه مِنْ أجلهما على سرِّه في الخروج مِنْ مكَّة، وعلى النَّاقتين اللَّتين دفعتا(10) إليه ليوفيهما(11) بهما بعد ثلاثٍ في غار ثورٍ.
          قال(12) ابن المُنْذِرِ: فيه استئجار المسلم الكافر على هداية الطَّريق، وفيه استئجار الرَّجلين الرَّجل الواحد على عملٍ واحدٍ لهما.
          وعامرُ بن فُهَيْرَةَ مولى أبي بَكْرٍ الصِّدِّيق ☺، ويُقال: إنه مِنَ العرب، استُرِقَّ وهو غلامٌ فاشتراه أبو بَكْرٍ فأعتقه، ويُقال: إنَّه مِن الأزد، وكان ممَّن يُعَذَّب بمكَّة في الله ╡، شهد بدرًا وأُحُدًا، وقُتل يوم بئر معونة سنة أربعٍ مِنَ الهجرة، وهو الَّذي حكت عائشةُ عنه أنَّه كان إذا أخذته الحمى يقول:
قَدْ رَأَيْتُ الـمـَوْتَ قَبْـَل ذَوْقِهِ                     ذإنَّ الـجَبَانَ حَتْفُهُ مِنْ فَوْقِهِ
          وقال مالكٌ في «العُتْبِيَّة»: كان اسم الدَّليل رقيطٌ، وقال ابن إِسْحَاقَ: اسمه عبدُ اللهِ.]



[1] قوله: ((أو)) ليس في (ز).
[2] في (ز): ((أهل)).
[3] في (ص): ((أهل)).
[4] قوله: ((ثُمَّ مِنْ بَنِي عَبْدِ بنِ عَدِيٍّ)) ليس في (ز).
[5] في (ز): ((العاصي)).
[6] زاد في المطبوع: ((أسفل مكَّة، وهو)).
[7] قوله: ((لهم)) ليس في المطبوع.
[8] في المطبوع: ((إذ)).
[9] في المطبوع: ((المطالبين له)).
[10] في المطبوع: ((دفعهما)).
[11] في المطبوع: ((ليوافيهما)).
[12] في المطبوع: ((وقال)).