شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب استئجار الرجل الصالح

          ░1▒ بَابُ اسْتِئْجَارِ الرَّجُلِ الصَّالِحِ
          وَقَوْلُه تَعَالَى(1): {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِينُ}[القصص:26].
          وَالخَازِنُ الأَمِينُ وَمَنْ لَمْ يَسْتَعْمِلْ مَنْ أَرَادَهُ(2).
          فيهِ أَبُو مُوسَى، قَالَ النَّبيٌّ صلعم: (الخَازِنُ الأَمِينُ الَّذِي يُؤَدِّي مَا أُمِرَ بِهِ طَيِّبَةً نَفْسُهُ أَحَدُ المُتَصَدِّقِينَ). [خ¦2260]
          وَقَالَ أَيْضًا: (أَقْبَلْتُ إِلَى النَّبيِّ صلعم وَمَعِي رَجُلاَنِ مِنَ الأَشْعَرِيِّينَ، فَقُلْتُ: مَا عَلِمَتُ أَنَّهُمَا يَطْلُبَانِ العَمَلَ، فَقَالَ: لَنْ _أَوْ لَا_ نَسْتَعْمِلُ عَلَى عَمَلِنَا مَنْ أَرَادَهُ). [خ¦2261]
          ذكر أهل التَّفسير أنَّ شُعَيْبًا صلعم كان غيورًا، فلمَّا قالت له ابنته: ({يَا أَبَتِ استَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ الأَمِيْنُ}[القصص:26]، قال لها: وما يُدرِيكِ ما قوَّته وأمانته؟ قالت: أمَّا قوَّته فما رأيت منه حين استقى، لم أرَ رجلًا أقوى في السِّقاء(3) منه، قال مُجَاهِدٌ: وقيل: إنَّه استقى بدلوٍ لم يكن يرفعها إلَّا جملةٌ مِنَ النَّاس، وقيل: إنَّه رفع عن البئر حجرًا لا يرفعه إلَّا فئامٌ مِنَ النَّاس، وأمَّا أمانته فإنه نظر إليَّ حين أقبلت إليه، فلمَّا علم أنِّي امرأةً صوَّب رأسه فلم يرفعه، ولم ينظر إليَّ حين بلَّغته رسالتك، وقيل: إنَّها مشت بين يديه تدلُّه على الطَّريق فضربتها الرِّيح، فنظر(4) إلى عجيزتها فقال لها: امشي خلفي ودلِّيني على الطَّريق فَسُرِّي عنه وصدَّقها.
          فمعنى قوله(5): {اسْتَأْجِرْهُ} أي لرعي غنمك والقيام عليها، {إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ القَوِيُّ} على حفظ(6) ماشيتك وإصلاحها: {الأَمِيْنُ}) عليها، فلا تخاف منه فيها خيانةً.
          قال(7) المُهَلَّبُ: لمَّا كان طلب العمالة دلالةً(8) على الحرص وجب أن يحترز(9) مِنَ الحريص عليها، وقد أخبر ◙ أنَّه لا يُعان مَنْ طَلَبَ العمل على ما يطلبه، وإنَّما يُعان عليه مَنْ طُلِبَ به، وإذا(10) كان هذا في علم الله تعالى معروفًا وعلى(11) لسان نبيِّه ◙، وجب ألَّا يُستعمل مَنْ عُلِمَ أنَّه لا يُعان عليه ممَّن طلبه، ووجب على العاقل ألَّا يدخل في ذلك إلَّا بضمِّ السُّلطان له إليه إذا علم أنَّه سيطَّلع(12) به، وإنَّما أدخل في هذا الباب حديث (الخَازِنُ الأَمِيْنُ أَحَدُ المُتَصَدِّقِيْنَ) لأنَّ مَنِ استُؤجر على شيءٍ فهو فيه أمينٌ، وليس عليه في شيءٍ منه ضمانٌ إن فسد أو تلف إلَّا أن يضيع تضييعًا معلومًا فعليه الضَّمان، قال(13) مالكٌ: لا يضمن المستأجر(14) ما يُعاب عليه، والقول / قوله في ذلك مع يمينه، وروى أَشْهَبُ عنه فيمَنِ استأجر جفنةً أنَّه لها ضامنٌ، إلَّا أن يقيم بيِّنةً على الضَّياع.


[1] في (ز): ((وقول الله ╡)).
[2] في (ز): ((القويُّ الأمينُ ومَنْ لَمْ يستأجر مَنْ أراد العمل)).
[3] في (ز): ((رجلًا ففي السِّقاء أقوى)).
[4] قوله: ((فنظر)) ليس في (ز)، وغير واضحة في (ص).
[5] في المطبوع: ((قولها))، وغير واضحة في (ص).
[6] في المطبوع: ((حرز)).
[7] في (ز): ((وقال)).
[8] في (ز): ((دليلًا)).
[9] في (ز): ((يحترس)).
[10] في (ز): ((فإذا)).
[11] في (ز): ((على)).
[12] في (ز): ((سيضلع)).
[13] في (ز): ((وقال)).
[14] زاد في (ز): ((على)).