شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من استأجر أجيرًا فبين له الأجل ولم يبين العمل

          ░6▒ [بَابُ مَنِ اسْتَأْجَرَ أَجِيرًا فَبَيَّنَ لَهُ(1) وَلَمْ يُبَيِّنِ العَمَلَ
          لِقَوْلِهِ تَعَالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ(2). قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ} الآيةَ(3)[القصص:27-28].
          قالَ المُهَلَّبُ: ليس كما ترجم، لأنَّ العمل عندهم معلومٌ مِنْ سقيٍ وحرثٍ ورعيٍ واحتطابٍ، وما شاكل أعمال البادية ومهنة أهلها، فهذا متعارفٌ وإن لم يبيِّن له أشخاصٌ الأعمال ولا مقاديرها، مثل أن يقول له: إنَّك تحرث كذا مِنَ السَّنة، وترعى كذا مِنَ السَّنة. فهذا إنَّما هو على المعهود مِنْ خدمة البادية، والَّذي عليه المدار في هذا أنَّه قد عرَّفه بالمدَّة وسمَّاها له، وإنَّما الَّذي لا يجوز عند الجميع أن تكون المدَّة مجهولةً والعمل المجهول(4) غير المعهود، لا يجوز حتَّى يُعلم.
          وقالَ(5) المُهَلَّبُ: والنِّكاح على أعمال البدن لا يجوز عند أهل المدينة، لأنَّه غررٌ، وما فيه(6) مِنَ النِّكاح على مثل هذا الصَّداق لا نأمر به اليوم، لظهور الغرر في طول المدَّة، وهو خصوصٌ لموسى ◙ عند أكثر العلماء، لأنَّه(7) قال: إحدى ابنتيَّ، ولم يُعيِّنها، وهذا لا يجوز إلَّا بالتَّعيين، وأمَّا مذاهب العلماء في ذلك، فقال مالكٌ: إذا تزوَّجها على أن يؤاجرها نفسه سنةً أو أكثر يُفسخ النَّكاح إن لم يكن دخل بها، وإن كان]
(8) / دخل بها ثبت النَّكاح بصداق المثل.
          وقال أبو حنيفةَ وأبو يُوسُفَ: إن كان حرًّا فلها مهرٌ مثلها، وإن كان عبدًا فلها خدمة سنةٍ. وقال الشَّافعيُّ: النِّكاح جائزٌ على خدمته إذا كان وقتها معلومًا.
          وقال بعض أصحاب مالكٍ: إنَّما كره مالكٌ النِّكاح على الخدمة، لأنَّه لم يبلغه أنَّ أحدًا مِنَ السَّلف فعل ذلك، والنِّكاح موضوعٌ على الاتِّباع والاقتداء.
          وقوله: {أَيَّمَا الأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ}[القصص:28]أي ذلك واجبٌ لك عليَّ في تزويجي إحدى ابنتيك، فما قضيت مِنْ هذين الأجلين، فليس لك عليَّ مطالبةٌ بأكثر منه والله على ما أوجبه كلُّ واحدٍ منَّا على نفسه شهيدٌ وحفيظٌ.
          ورُوِيَ عن ابنِ عَبَّاسٍ أنَّ النَّبيَّ صلعم قالَ: ((سَأَلْتُ جِبْرِيْلَ ◙: أيُّ الأَجَلَيْنِ قَضَى مُوسَى صلعم؟ قَالَ: أَتَمَّهُمَا وَأَكْمَلَهُمَا)) يعني عشر سنين.


[1] في المطبوع: ((الأجر)).
[2] قوله: ((وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّالِحِينَ)) ليس في المطبوع و(ز).
[3] في المطبوع: ((لِقَوْلِهِ تعالى: {إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ} إلى قَوْلِهِ: {وَكِيلٌ})).
[4] في المطبوع: ((مجهول)).
[5] في المطبوع: ((قال)).
[6] في المطبوع: ((وقع)).
[7] زاد في المطبوع: ((قد)).
[8] ما بين معقوفتين مطموس في (ص).