شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يحذر من الغدر

          ░15▒ باب مَا يُحْذَرُ مِنَ الْغَدْرِ، وَقَوْلِهِ تعالى: {وَإِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللهُ}الآية[الأنفال:62]
          فيه: عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ: / (أَتَيْتُ النَّبيَّ صلعم في غَزْوَةِ تَبُوكَ، وَهُوَ في قُبَّةٍ مِنْ أَدَمٍ، فَقَالَ: اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ، مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، ثُمَّ مُوْتَان تَأْخُذُ فِيكُمْ كَقُعَاصِ الْغَنَمةِ، ثُمَّ اسْتِفَاضَةُ الْمَالِ، حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِائَةَ دِينَارٍ، فَيَظَلُّ سَاخِطًا، ثُمَّ فِتْنَةٌ لا يَبْقَى في الْعَرَبِ بَيْتٌ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ هُدْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الأصْفَرِ، فَيَغْدِرُونَ، فَيَأْتُونَكُمْ تَحْتَ ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا). [خ¦3176]
          قال المُهَلَّب: في هذا الحديث علامات النُّبوَّة، وأنَّ الغدر من أشراط السَّاعة، وفي الآية دليلٌ أنَّ الرَّسول معصومٌ من مكر الخديعة طول أيَّامه، وليس ذلك لغيره صلعم؛ لأنَّ الله قال: {وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}[المائدة:67]وأجمع المسلمون أنَّه معصومٌ في الرِّسالة، وقد عصم من مكر النَّاس وغدرهم له.
          وقوله: (كَقُعَاصِ الغَنَمِ) قال صاحب «العين»: القعاص: هو داء يأخذ الدَّوابَّ، فيسيل من أنوفها شيءٌ، وقد قعصت الدَّابَّة.
          والغاية هاهنا: الرَّاية؛ لأنَّها غاية المتَّبِع، إذا وقفت وقف، وإذا مشت تبعها. وهذه العلامات التي أنذر صلعم بها قد ظهر كثير منها، والفتنة لم تزل من زمن عثمان_عصمنا الله من مضلَّات الفتن ما ظهر منها وما بطن_ وقد دعا صلعم ألَّا يجعل بأس أمَّته بينهم فمنعها. فلم يزل الهرج إلى يوم القيامة.