شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: إذا وادع الإمام ملك القرية هل يكون ذلك لبقيتهم؟

          ░2▒ باب إِذَا وَادَعَ الإمَامُ مَلِكَ قَرْيَةِ هَلْ يَكُونُ ذَلِكَ لِبَقِيَّتِهِمْ
          فيه: أَبُو حُمَيْدٍ: (غَزَوْنَا مَعَ النَّبِيِّ صلعم تَبُوكَ، وَأَهْدَى مَلِكُ أَيْلَةَ لِلنَّبِيِّ صلعم بَغْلَةً بَيْضَاءَ، وَكَسَاهُ بُرْدًا، وَكَتَبَ لَهُ بِبَحْرِهِمْ). [خ¦3161]
          قال المؤلِّف: ذكر ابن إسحاق في السِّير قال: لمَّا انتهى رسول الله صلعم إلى تبوك أتاه يُحَنَة بن رُؤبَة صاحب أيلة فصالح رسول الله صلعم، وأعطى الجزية، وكتب لهم رسول الله صلعم كتابًا فهو عندهم، وكتب ليُحَنَة بن رؤبة: ((╖، هذه أمنةٌ من الله ومحمَّدٍ النَّبيِّ صلعم رسول الله ليُحَنَة بن رؤبة وأهل أيلة، سفنهم وسيَّارتهم في البرِّ والبحر لهم ذمَّة الله وذمَّة محمَّد النَّبيِّ، ومن كان معهم من أهل الشَّام وأهل اليمن وأهل البحر، فمن أحدث منهم حدثًا فإنَّه لا يحول ماله دون نفسه، وإنَّه طيبةٌ لمن أخذه من النَّاس، وإنَّه لا يحلُّ أن يُمنَعوا من ماءٍ يردونه، ولا طريقٍ يردونها من برٍّ أو بحرٍ)).
          والعلماء مجمعون على أنَّ الإمام إذا صالح ملك القرية أنَّه يدخل في ذلك الصُّلح بقيَّتهم؛ لأنَّه إنَّما صالح على نفسه ورعيَّته، ومن يلي أمره، وتشتمل عليه بلده وعمله، ألا ترى أنَّ في كتاب النَّبيِّ صلعم تأمين ملك أيلة وأهل بلده.
          واختلفوا إذا أمَّن طائفةً منهم هل يدخل في ذلك الإمام العاقد للأمان؟ فذكر الفزاريُّ عن حميدٍ الطَّويل قال: حدَّثني حبيبٌ أبو يحيى(1) _وكان مولاه مع أبي موسى_ قال: حاصر أبو موسى حصنًا بتُستَر _أو بالسُّوس_ فقال صاحبهم(2): أتؤمِّن لي مائةً من أصحابي وأفتح لك الحصن؟ قال: نعم. فجعل يعزلهم ويعدُّهم، فقال أبو موسى: أرجو أن يمكِّن الله به وينسى نفسه بعد مائةٍ. فعد مائةً وعزلهم، ونسي نفسه فأخذه فقال: إنَّك قد أمَّنتني. قال: لا، وأمَّا إذ أمكن الله منك من غير غدرٍ. فضرب عنقه.
          وذكر أبو عبيدٍ عن الفزاريِّ، عن حميدٍ الطَويل، عن حبيب أبي يحيى عن خالد بن زيدٍ قال: حاصرنا السُّوس، فلقينا جهدًا، وأمير الجيش أبو موسى، فصالحه دهقان، وذكر الحديث.
          وذكر عن النَّخَعِيِّ قال: ارتدَّ الأشعث بن قيس في زمن أبي بكرٍ الصِّدِّيق مع ناسٍ، وتحصَّنوا في قصرٍ، وطلب الأمان بسبعين رجلًا فأعطاهم، فنزل فعدَّ سبعين ولم يدخل نفسه منهم، فقال له أبو بكرٍ: إنَّه لا أمان لك إنا قاتلوك، فأسلم وتزوج أخت أبي بكر الصديق.
          وقال أصبغ وسَحنون: يدخل العلج الآخذ للأمان للعدد المصالح عليهم في الأمان وإن لم يعدَّ / نفسه، ولا يحتاج أن يعدَّ نفسه فيهم، ولا يذكرها؛ لأنَّه لم يأخذ الأمان لغيره إلَّا وقد صحَّ الأمان لنفسه، ولم يريا فعل أبي موسى حجَّةً. قال سَحنون: وبأقلَّ من هذا صحَّ الأمان للهُرمُزان من عند عُمَر بن الخطَّاب.


[1] في (ص): ((أبو حبيب يحيى)) والمثبت من المطبوع.
[2] في (ص): ((أصحابهم)) والمثبت من المطبوع.